منذ 7 سنوات | حول العالم / وكالات

"الحب لا يصنع الشيخوخة"، هكذا تقول الستينية ن. ع. مع كل إشارة حمراء في خانة "النوتيفيكيشنز" على حسابها على فيسبوك، ومع كل رنّة رسالة جديدة على "فيسبوك مسنجر" تشعر بـ"نخزة" كفيلة بأن تجعل قلبها ينبض بسرعة وينضح حباً، بحسب وصفها.

لم تكن ن. ع. تدري بأن إنشاء حساب على فيسبوك، وهو أمر كانت ترفضه تماماً في السابق، سيكون سبباً في أن "تُبعث حيّة من جديد"، بعد أن أرهقتها هموم الحياة وجعلتها تستسلم لقدر دفعت ثمنه أكثر من أربعين عاماً تحت مسمى علاقة زوجية لم تكن راضية عنها.

عودة الحب الأوّل

وروت ن.ع لرصيف22 قصة تجربتها مع حسابها على فيسبوك الذي أنشأته منذ أشهر قليلة. قبل ذلك كانت ترفض الفكرة وكانت تشعر بأنها غير قادرة على التمتع بملذات الحياة نظراً لظروفها النفسية التي جعلتها تردّد وهي في هذا العمر: "أنا رِجل برا ورجل في القبر".

لكن هذه الأفكار باتت بعيدة جداً عنها اليوم وجعلها، كما تقول، ترى أن العمر ليس مقياساً للحياة. فـ"كلما كان هنالك حب، كان التمسك بالحياة أكبر"، وكيف لا وهي الآن بفضل فيسبوك استطاعت أن تتواصل مع حبها الأول الذي خبرته وهي في عمر الـ17، ذلك الحبيب الذي بسبب ظروف اجتماعية مقيدة للفتاة لم تستطع أن تدرج اسمها بجانب اسمه في دفتر العائلة.

وقالت: "عندما أنشأت حساباً على فيسبوك جاء ذلك نتيجة الفراغ والكآبة التي أمرّ بها. واعتقدت أن هذا الموقع فقط لمتابعة الأخبار. لم أكن أتوقع أنه سيكون جسر التقاء بيني وبين حبيبي الأول الذي لم يغب عن قلبي أبداً حتى بعد أن أصبحت أماً وجدّة".

وأضافت: "لن أنسى أول رسالة على ميسنجر وصلتني منه، هذه الرسالة كانت كفيلة بأن تقلب حياتي رأساً على عقب".

ولم تكتف ن. ع بتلك الرسالة. فنظراً لما أعقبها من تأثير باعث للفرح في حياتها، بدأت بالتواصل بشكل مستمر مع حبيبها الأول تحت عنوان "الحب الطاهر والنقي"، كما تصف.

نسيت أنني جدّة

وقالت ن. ع.: "حتى ملامح وجهي تغيّرت بعد أن عدت للتواصل معه. نسيت أن عمري فوق الستين عاماً. نسيت أنني جدة".

الآن باتت تحرص على شراء مساحيق الوجه التي تعطي نضارة ويكثر فيها فيتامين د، وصارت ترتدي سترات ملوّنة بعد أن كانت في السابق تكتفي بالعباءة، حتى أنها سجلت في نادٍ رياضي وتعتزم المباشرة في التدريب فيه قريباً جداً.

"قبل أن تهاتفيني كنت أستمع إلى أغنية كل دا كان ليه لمحمد عبد الوهاب" قالت. فبفضل بنات أخواتها استطاعت أن تتعرف على يوتيوب وتختار الأغاني التي تنبّه فيها شعور الحنين الذي تتلذذ به، حتى أنها أيضاً باتت تنشر هذه الأغاني على صفحتها وبالطبع ترسل بعضاً منها إلى حبيبها الأول.

"الأماكن كلها مشتاقة لك"، و"سيدي وصالك" ناهيك بأغاني أم كلثوم... نماذج من أغانٍ تحفّز ذكريات ن.ع على العودة من جديد.

"نحن لا نتمتع بقدرة على السيطرة على قلبنا"، تبرر ن.ع بخجل ما تفعله، وتضيف: "ما حدث لي في السابق هو قدر لكن القدر شيء غير ثابت بل متغير وأنا اليوم عمري 17 عاماً"، مقتبسة بيتاً للشاعر محمود درويش: "ونحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً".

مخرج لأزمات العمر

ن.ع. هي حالة من بين حالات كثيرة لسيدات من عمرها ساعدتهنّ مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً فيسبوك، على إيجاد مخرج للهروب من أزمة العمر وتجاوز تبعاتها.

فبفضل فيسبوك، تستبعد الستينية ميساء حسن أن تصاب بالشيخوخة نظراً لنشاطها الفعال على حسابها عليه، حتى أن بناتها يصفونها بـ"ناشطة فيسبوكية".

ميساء حسن ليست من النساء اللواتي يكتفين بنشر منشورات الأدعية والآيات القرآنية. فهي على سبيل المثال لا الحصر تحرص على نشر "تشك إن" في أي مطعم أو مقهى أو حتى في المطار عندما تكون فيه.

وقالت لرصيف22: "أحياناً أشعر أنني مراهقة على فيسبوك إذ أحرص على نشر أغان تتعلق بالحب وكتابة منشورات واقتباس قصائد عن الغزل والعشق".

حتى صور السيلفي لم تسلم من نشاطها، فهي تنشر بعضها وهي في الأماكن العامة والأعراس وأحياناً كثيرة وهي تطبخ.

أما الستينية غيداء حمود فاستطاعت وبفضل فيسبوك أن تعود إلى التواصل مع "شلتها" في الجامعة وتعيد لمّ شملها من جديد بعد عقود من الغياب، حتى أنها قامت وبفضل إرشادات حفيدتها بإنشاء مجموعة على فيسبوك تضم هذه "الشلة".

هذه المجموعة، كما تشير، تنشر صورهن في فترة الجامعة، تلك الفترة التي تقول أنها كانت أكثر انفتاحاً والفتاة أثناءها كانت لا تتردد في ارتداء "ملابس ستايل وتنانير قصيرة".

وتنفي أن يكون فيسبوك جعلها تعود مراهقة من جديد لكنّها تقول إنه حرّك تلك الشابة ذات الشعر البني الفاتح و"العيون الوساع" التي ما تزال حاضرة في داخلها.

البيت الذي يقول "ألا ليت الشباب يعود يوماّ" لم يعد له ذاك التأثير القوي ما دام هناك فيسبوك الذي تفوّق مفعوله على جميع إبر البوتوكس ودراسات كيفية مواجهة الشيخوخة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024