بارنتسبورغ، النرويج - في هذه المدينة التي تضم مواقع لإستخراج الفحم في أرخبيل سفالبارد في القطب الشمالي، المدرسة تدرس باللغة الروسية كما يتم تسعير الطعام بعملة الروبل ويظهر الشعار الكبير من العهد السوفياتي: "هدفنا الشيوعية".

ولكن هذه المنطقة التي تمولها روسيا هي في الواقع على الأراضي النرويجية، وأوسلو تشغل منجم فحم منفصل على بعد بضعة أميال.

سفالبارد لديها وضع غير عادي مما يجعلها نقطة لامعة بإزدياد حدة المواجهة في القطب الشمالي بين روسيا والغرب.

النرويج، عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي وروسيا تستثمر بهذه المناجم غير المربحة للحفاظ على بصمة استراتيجية على مجموعة جليدية من الجزر حيث أوسلو وموسكو كانتا اللاعبين الرئيسيين منذ معاهدة 1920 بين عدة دول اعترفت بالسيادة النرويجية ولكنها سمحت لدول أخرى بتطوير بعض مصالحها التجارية.

إلا أن النرويج ستقرر يوم الخميس ما اذا كانت ترغب فى مواصلة إنفاق الأموال على إنتاج الفحم هنا الأمر الذي قد يضعف إعتمادها على الجزر بالتزامن مع تثبيت روسيا لوجودها في القطب الشمالي مع أكبر تجمع عسكري لها هناك منذ الحرب الباردة.

وتسلط المناجم الضوء على تركيز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تثبيت سلطته بغض النظر عن التكلفة، وتواصل روسيا استخدام جيشها في شرق أوكرانيا على الرغم من العقوبات الإقتصادية التي عرقلت اقتصادها، وتغطية الدفاع عن أجزاء منفصلة أخرى من أراضيها، بما في ذلك جزر الكوريل، وهي أرخبيل أيضا تزعم اليابان أنه يعود لها.

ويقول الكسندر فيسيلوف، رئيس الشركة الروسية التابعة للدولة ،أركتيكوغول، التي تدير المنجم وبارنتسبورغ نفسها: "ربما ليس من الطبيعي أن تكون هناك شركة خاسرة في الأراضي الأجنبية" وقال فى مكتبه حيث تزين صورة بوتين حائطا واحدا: "الدولة تعتقد أن هناك مصالح للدولة، جذورها هنا".

روسيا والدول الغربية تتصارع لموقعها في القطب الشمالي في حين أن ذوبان المحيطات يفتح الفرص التجارية المحتملة ويؤكد بوتين كذلك على نفوذ موسكو خارج حدود البلاد وقد رفعت روسيا أسطولها الشمالي وقامت بتدريبات عسكرية كبيرة فى المنطقة وفتحت قاعدة عسكرية جديدة على الارخبيل بالقرب من سفالبارد.

وقد أثار مسئولون بالحكومة الأمريكية بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس مخاوف بشأن تحركات روسيا وقالوا إن الولايات المتحدة تحتاج الى تطوير إستراتيجية أقوى في القطب الشمالي، ووصف الناتو إفتقاره للموارد البحرية في المنطقة بالضعف.

وقال الجنرال جينز ستولتنبرغ اليوم الاثنين ان سفالبارد "جزء من النرويج وبالتالي فهي جزء من الحلف الاطلسي، بالطبع كل الحماية الأمنية للناتو تنطبق على سفالبارد، وعندما يتعلق الامر بمسألة استخراج الفحم فإن الأمر يتعلق بالسلطات النرويجية ".

ولم تعبر الولايات المتحدة عن رأيها حول هذه المسألة.

تخطط أوسلو لشراء غواصات جديدة وزادت من عدد قواتها على حدودها مع روسيا.

ولكن النرويج وهي واحدة من أغنى دول العالم نسبة للدخل الفردي تناقش ما إذا كان ينبغي الاستمرار في تمويل إستخراج الفحم في سفالبارد وإن الالتزام المتجدد بإستخراج الفحم سيكون مثيرا للجدل ليس فقط بالنسبة للتكلفة ولكن أيضا بسبب رؤية النرويجيين لأنفسهم كمدافعين عن القضايا البيئية.

وقال إندرا أوفرلاند، رئيس قسم الطاقة في المعهد النرويجي للشؤون الدولية وهو مركز بحثي، "إنها مسألة مقدار ما سنبذله للقيام بشيء غير عقلاني في مقابل مدى شعورنا الكبير بالحاجة إلى مواجهة النشاط الروسي في القطب الشمالي" بتمويل جزئي من قبل الدولة.

ولم تعط الحكومة النرويجية أي إشارة إلى الاتجاه الذي ستتخذه.

وقال المسؤولون انه لا يوجد أي نقاش فى روسيا، حتى فى الوقت الذي تستنفد فيه خزائنها بسبب ضعف اسعار النفط والعقوبات الدولية التي تلت ضم شبه جزيرة القرم.

وقد أثارت سفالبارد بالفعل الرسائل الساخنة وقد قام نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روجوزين، الذي منع من زيارة النرويج بعد ضم القرم ، بنشر صور لنفسه على موقع تويتر يزورها في عام 2015، ودحض بذلك الإتهامات النرويجية.

وفي أيار، أغضبت النرويج روسيا عندما استضافت اجتماع للناتو هناك.

ويقول مسؤولون روس إن النرويج تستخدم ملكيتها للارخبيل للضغط على عملياتها.

يقول السيد فيسيلوف إن الضرائب التي يدفعها أركتيكوغول إلى النرويج تجبى في لونغياربين - أكبر مدينة في الجزر، التي يسكنها أساسا النرويجيون - وليس بارينسبورغ. كما يشكو من أنه لا يسمح لشركته باستخدام طائرات الهليكوبتر لنقل السياح الذين يأتون إلى حد كبير من النرويج وقالت الحكومة النرويجية انها ستعلق يوم الثلاثاء.

وقالت ايلينا مالاخوفا، مسكوفيت البالغة من العمر 36 عاما، وتعمل فى مجال السياحة هنا "لدينا علاقات جيدة، ونقوم بصداقات جيدة".

على بعد 800 ميل من القطب الشمالي، الجزر قاحلة، مع درجات حرارة تنخفض إلى ناقص 20 درجة مئوية في أشهر الشتاء في حين أن الشمس لا تشرق ابدا.

وينجذب عمال المناجم من كلا الجانبين الى الرواتب العالية نسبيا كما يتم توفير الرعاية الصحية والمدرسة والسكن المنخفض التكلفة لـ 400 مواطن من بارنتسبورغ.

روسيا، التي بدأت التنقيب هنا في 1930، ركزت على بارينسبورغ ومستعمرة أخرى تسمى بيراميدن وكانت المدن تضم حمامات سباحة، مطاعم على مدار 24 ساعة ومنتجات غذائية لم تكن متوفرة في أي مكان آخر في الاتحاد السوفيتي.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، انحسر اقتصاد روسيا وغرقت هذه المنطقة القطبية الشمالية معها وتم التخلي عن بيراميدن، وبحلول عام 2006 كانت بارينتسبورغ على حافة الانهيار وقدمت النرويج المعونات الغذائية لهم.

في عام 2007، عندما عزز الرئيس الروسي سياسة خارجية أكثر حزما، تم إحضار السيد فيسيلوف وهو مسؤول تنفيذي مخضرم بأمور الفحم لإعادة إحياء عملية التنقيب، السيد فيسيلوف ركز الحراس في بيراميدن لإبعاد اللصوص، وفرض قيود على إنتاج الفودكا غير المشروعة والدعارة في بارينسبورغ وشرع لإعادة إحياء المدينة.

وقال فيسيلوف ان الحكومة الروسية أمرت بخفض انتاج الفحم لمد الاحتياطي حتى عام 2032، وستواجه بعد ذلك قرارا مشابها للنرويج بشأن ما اذا كانت ستستثمر في منجم جديد.

وقال بير نيلسن مدير انتاج شركة ستور نورسك النرويجية للتعدين ان الوقت قد ينفد لعمليات إستخراج الفحم في النرويج "في غضون 15 عاما من الآن لا أرى أي إستخراج للفحم هنا بسبب الوضع اليوم على الأقل"  مشيرا إلى هرم البنية التحتية التي تحد من مستقبل عمليات إستخراج الفحم.

وكلا البلدين يتحول الى بلاد للسياحة.

وفي المستوطنات الروسية، تضاعف عدد الزوار في السنوات الأربع الماضية، وبلغ الدخل من السياحة 2.4 مليون دولار في العام الماضي أكثر من التعدين . تلقت أركتيكوغول 8 ملايين دولار من الإعانات الحكومية في العام الماضي.

وقد فتحت النرويج جامعة، وأصبح منجم الفحم المغلق مركزا لمتحف وأرشيف سينمائي. وقد تم تجديد كبائن عمال المناجم القديمة لقضاء العطل، وأصبح المستودع الآن مطعما.

لكن السياسيين والأكاديميين النرويجيين يعترفون أنه من دون منجم للفحم يتقلص حضور بلدهم، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن السياحة موسمية جدا.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024