يبدأ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، زيارة رسمية وتاريخية مهمة إلى روسيا.

وتأتي هذه الزيارة في ظل تغير طبيعة العلاقات التي كانت تربط بين البلدين ووجود كثير من خطوط التماس بينهما التي تقتضي الاتفاق والتوافق، ولعل أقل تقدير هو الحوار المفتوح.

تاريخياً كان الاتحاد السوفياتي هو أول دولة غير عربية تعترف بالدولة السعودية الناشئة، وأقامت معها علاقات دبلوماسية كاملة، وذلك في 1926. ومع انطلاق المشروع الشيوعي من الاتحاد السوفياتي انقطعت العلاقات بين البلدين. واليوم تسعى روسيا للعب دور مهم وفعال على الساحة الدولية، والسعودية أصبحت أهم لاعب إقليمي في المنطقة وإحدى القوى المؤثرة عالمياً، إضافة إلى أن سياسات الأمر الواقع باتت تفرض نفسها على علاقات البلدين معاً.

هناك كثير من الملفات السياسية والاقتصادية التي تتطلب الحوار والتنسيق بين السعودية وروسيا، ولعل الأهم هو ملف الطاقة، فهما أهم وأكبر دولتين في إنتاج النفط، وأسفرت اتفاقية التنسيق الإنتاجي والسعري بينهما عن كبح هبوط سعر برميل النفط، وانعكست هذه الاتفاقية على الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» والدول التي خارجها.

أيضاً لدى السعودية رغبة في توسع العلاقة الاقتصادية مع روسيا وذلك بالاستثمار فيها، فهي تدرك أنه عبر الاستثمار المباشر ستكون دولة يحسب لها حساب استراتيجي بشكل أكبر ومركز.

أما الملف الذي يختلفان فيه فهو، كما هو معروف، الملف السوري؛ إذ لكل دولة وجهة نظر؛ فالسعودية ترى أن هيمنة روسيا على قرار سوريا مسألة أقل خطورة من هيمنة إيران بمشروعها الثوري والطائفي عليها، وروسيا لها «مصالح» سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية في سوريا وليس لها مشروع عقائدي شبيه بالذي تتبناه إيران الخمينية، كما أن لروسيا نفوذاً في المجال الاقتصادي ترغب في ازدياده في جمهوريات آسيا الإسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي... وهذه المجموعات كلها دول إسلامية، وهنا تتضح مجالات التعاون «الطبيعي» والمتوقع مع السعودية كثقل إسلامي استثنائي.

هناك شركات متفوقة في روسيا في مجالات التعدين والدفاع والسكك الحديدية والغاز والطاقة والمقاولات المتخصصة. أيضاً هناك نفوذ روسي موجود في جيوب مختلفة من العالم من الممكن أن يكون التعاون السعودي معه للصالح العام، خصوصاً فيما يخص الانفتاح الروسي على الصين الذي تحول إلى علاقة «عميقة واستراتيجية».

السعودية وروسيا عضوان في مجموعة العشرين، وأهم دولتين في عالم النفط، وبالتالي لا بد لهما من أن توجدا مناطق تلاق لتحقيق المصالح في حدود الممكن والمعقول بدلاً من التنافر.

من المتوقع أن ترسخ الزيارة الدور السعودي المنفتح على العالم الجديد، وهي سياسة مهمة اتبعها خادم الحرمين الشريفين بانفتاحه على آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وجميعها مناطق جغرافية وسياسية لم يعرف عنها من قبل أنها تثير الاهتمام ولا الشهية الدبلوماسية السعودية، ولكن الوضع السعودي الجديد يحتم حراكاً مغايراً بحجم الطموح المنشود والدور المأمول.

كل الأمل في أن تتوج هذه العلاقات بفرص استثمارية في الداخل السعودي للشركات الروسية العملاقة في القطاعات التي تتميز بها. روسيا دولة عظمى ولها تاريخ كبير، ومن المفهوم فكرة الانفتاح عليها، خصوصاً إذا كانت النتيجة التنسيق بدلاً من الاختلاف، وهذا سيغير من قواعد اللعبة ويخطف أوراقاً خطيرة من أيدي أعداء السعودية.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024