منذ 6 سنوات | العالم / بي بي سي



في غمرة التوتر ولغة التهديد المتصاعدة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، في الآونة الأخيرة، ربما يتساءل المرء: ما الذي يريد تحقيقه كيم جونغ اون؟ وهل هناك ما يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه لبيونغ يانغ لإقناعها بالتخلي عن برامجها النووية والصاروخية؟ وهل ما زالت ثمة فرصة للدبلوماسية لمنع انزلاق البلدين إلى مواجهة مدمرة؟


وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومسؤولون آخرون رفيعو المستوى في إدارة ترامب شددوا على أهمية العمل الدبلوماسي لحل الأزمة، بل إن الرئيس ترامب عرض سابقاً، إجراء مفاوضات مع الزعيم الكوري الشمالي، لكن لم تصدر أية إشارات عن بيونغ يانغ برغبتها في الحوار.


وقد كشفت قناتا اتصال غير رسميتين مع مسؤولين كوريين شماليين في اوروبا أنهم عاقدون العزم على المضي قدما في برامجهم النووية والصاروخية.


من حيث المبدأ، هناك حافز يمكن للولايات المتحدة تقديمه لكوريا الشمالية، بما في ذلك التفاوض على اتفاقية سلام لإنهاء الحرب الكورية، واتخاذ خطوات أولية باتجاه الاعتراف الدبلوماسي (كإقامة مكتب ارتباط أميركي في بيونغ يانغ) أو التوقيع على اتفاق لتقليص الأسلحة التقليدية في شبه القارة الكورية، ولكن هذه أهداف بعيدة المدى على أحسن تقدير.


فالانتهاكات المتكررة للاتفاقات الدبلوماسية السابقة من جانب الكوريين الشماليين، جعلت الأميركيين أقل رغبة في تقديم تنازلات، مع القناعة المتنامية في واشنطن بأن تشديد العقوبات الدولية هو السبيل الأمثل لإجبار بيونغ يانغ على التراجع عن برامج التسلح.


ما مدى القلق الذي يجب أن نشعر به؟ وهل افتراضات ترامب صحيحة؟ وهل امتلاك رادع نووي هو الهدف النهائي للكوريين الشماليين؟


منذ توليه السلطة في أواخر عام 2011، ظلت أولويات كيم جونغ اون، باستمرار، تركز على هدفين بسيطين هما تحديث الترسانة العسكرية وتحقيق الرخاء الاقتصادي.
وتعود الطموحات النووية لكوريا الشمالية الى ستينات القرن الماضي وتنسجم مع رغبة نظام بيونغ يانغ في تحقيق الاستقلال في المجالين السياسي والعسكري في مواجهة المعارضة ليس فقط من الأعداء التقليديين كالولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، بل أيضاً، الاعتراضات من شركائها التاريخيين كالصين وروسيا.


ما الدمار الذي يمكن ان تحدثه كوريا الشمالية؟


التقدير العقلاني للمصالح الاستراتيجية لهذا البلد يشكل جزءا من دوافع تصرفات كوريا الشمالية. فبعض التجارب مثل ما حدث للعراق وليبيا تذكر بيونغ يانغ بأن الضمانة الوحيدة للبقاء هي امتلاك أسلحة الدمار الشامل.


وفي حين لم تُبدِ واشنطن أية نوايا عدوانية تجاه كوريا، إلا أن بيونغ يانغ تصر على ان الولايات المتحدة كقوة عظمى أولى في الأسلحة النووية والتقليدية، وتمتلك 280 ألف جندي في كوريا الجنوبية، وتطبق مبدأ توجيه ضربة السبق النووية، تشكل خطرا حقيقيا عليها.


وتمثل الطموحات النووية لكيم أون أيضا، تعبيراً عن سياسة البحث عن الذات. فشرعية عائلة كيم السياسية متجذرة في خطاب الدفاع عن البلاد ضد «العدو الأميركي».


ويستخدم النظام، الحرب الكورية 1950 – 1953 التي يكرس في خطابه الدعائي بأنها نتاج للعدوان الأميركي المباشر، يستخدمها لإقناع الشعب بأن الولايات المتحدة عازمة على تدمير بلادهم.
وهذا يُعيد إلى أذهان كبار السن من الكوريين الشماليين، ما فعلته الولايات المتحدة أثناء الحرب، حيث دمّر القصف الجوي الأميركي كل المراكز الحضرية تقريبا، وهذا يُعطي مصداقية لهذا الخطاب الذي يجري تعزيزه وتعميمه على بقية السكان من خلال وسائل الإعلام الحكومية اليومية.


لقد شكلت تصريحات ترامب النارية والمعادية مؤخراً، هدية دعائية لكيم جونغ اون، سمحت له بتعزيز موقعه كقائد اعلى وحامٍ للبلاد.


هل الولايات المتحدة قادرة على الدفاع عن نفسها؟ وهل يمكن للولايات المتحدة التعايش مع كوريا نووية؟


لقد تمكنت كوريا الشمالية من تعزيز قدرتها للردع بفضل تسريع تجاربها الصاروخية وإجرائها تجربتين نوويتين ناجحتين العام الماضي.


وقد أشارت تقارير استخبارية أميركية حديثة إلى أن كوريا الشمالية ربما تمتلك 60 قنبلة نووية، وأن تجاربها على الصواريخ بعيدة المدى في شهر يوليو الماضي، تشير الى أنها ربما تكون قادرة على ضرب أهداف داخل الأراضي الأميركية.


فقد أثار تقرير صدر عن مجلة «بوليتين اوف اتوميك سيانتيستس» مؤخراً، شكوكاً حول امتلاك كوريا الشمالية قدرات تحميل الصواريخ بعيدة المدى لرؤوس نووية تصل الى الولايات المتحدة، لكن هناك من يعتقد أن بيونغ يانغ حققت تقدما دراماتيكيا خلال العام الماضي يضمن لها مكاناً في النادي النووي الدولي.


وعلى أية حال، أوضحت واشنطن أنها لن تعترف ولن تقبل بمثل هذا التطور. فمن شأن قبول واشنطن بذلك أن يمنح بيونغ يانغ نصراً دعائياً، ويُضعف علاقات واشنطن بحلفائها في المنطقة، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية، ويؤدي إلى انطلاق سباق التسلح في المنطقة وزعزعة النظام العالمي لحظر انتشار اسلحة الدمار الشامل.


هل هناك ما هو واقعي في مطالبات كوريا الشمالية؟


الأولوية بالنسبة لها هي المضي قُدماً في تجارب الصواريخ والأسلحة النووية في محاولة لبناء قدرتها على الردع. إذ يعتقد كيم أن هذا يعزز سلطته السياسية وشرعيته.


وربما يشعر الزعيم الكوري الشمالي بالارتياح من إحجام الصين الواضح عن فرض قيود صارمة على بلاده، على الرغم من تأييد بكين لتشديد العقوبات الدولية عليها.


وربما يعتقد كيم بأن الولايات المتحدة سوف تُقرّ في النهاية، بالحاجة الى التفاوض على شكل من اشكال تجميد متوسط المدى للقدرات العسكرية على أمل ان يُفضي ذلك إلى استتباب الوضع الاستراتيجي في المنطقة مع ابقاء الباب مفتوحا لنزع التسلح مستقبلاً.


وعندها، قد يأمل كيم بأن يكون قادراً على الحصول على بعض التنازلات من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، سواء على شكل مساعدات اقتصادية او خفض التسلح التقليدي او ضمان الاحترام السياسي والإقرار الأميركي بوضع الدولة المستقلة وذات السيادة.


حافة الهاوية


وربما كانت الورقة الغريبة في الوضع الراهن هي الى أي مدى يمكن لخطاب حافة الهاوية الذي أطلقه ترامب، أن يردع الكوريين الشماليين عن مواصلة تجاربهم الصاروخية. لقد هدد الجيش الكوري باجراء اربع تجارب أخرى على الصواريخ متوسطة المدى يمكنها ضرب جزيرة غوام، خلال وقت قصير.


ولا يمكن لأي رئيس أميركي التسامح مع تعرّض الجزيرة لهجوم مباشر، لكن اجراء تجارب في مياهها، هو أمر يتطلب رداً ما، لا يرقى الى هجوم عسكري شامل.
لقد ركزت المفاوضات حول الأزمة الراهنة، على تشابهها مع أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 والتقدير الإستراتيجي للرئيس الأميركي جون كنيدي آنذاك. وقد صاغ حرصه على تفادي اندلاع صدام نووي، الدروس التي استنبطها من الحرب العالمية الأولى.


ولعل من المفارقة ذات المغزى المهم أن تتكرر المخاطر الإستراتيجية في شهر أغسطس أيضاً. وحين تكون لأفعال وتقديرات وتصريحات قادة وطنيين، انعكاسات كبرى على الأمن الإقليمي والدولي.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024