في الويك آند، وفي دارة قطب سياسي، هذا السؤال: من يصدق ان كل ذلك المهرجان من اجل الاحتفال بترميم كنيسة صغيرة بناها الشيخ بشير الخازن منذ نحو قرنين من الزمان، حتى ولو كانت الكنيسة في المختارة التي هي مسقط، وعرين، وليد بيك جنبلاط...؟

ولا احد يظن ان الزعيم الدرزي فعل كل هذا من اجل الشيخ فريد هيكل الخازن الذي هزم الائتلاف الحزبي في غوسطا، واثبت ان قريته ترفض التوتاليتارية الحزبية التي تحولت الى فيروس قاتل للديموقراطية (وللنزاهة وللعدالة) في لبنان...

وفي حديث القطب السياسي ان وليد بك فعل ما فعل لانه يستشرف اهوالاً مقبلة على لبنان. كل ما يمكن فعله الآن هو ترميم كنيسة، بكل دلالاتها الحقيقية او الخيالية، لا ترميم جمهورية اكثر من ان تكون كسيحة، واكثر من ان تكون مهدمة، واكثر من ان تكون مهملة، واكثر من ان تكون تحت وصايات لا تعد ولا تحصى...

وسؤال ايضاً ما اذا كان المحور الماروني - الدرزي قابلاً للتحقق، وقد غاب عن المهرجان «الاقمار الثلاثة» ميشال عون، وسليمان فرنجيه، وسمير جعجع. امين الجميل وحده كان هناك. ولا مجال للقول (وهو لا يقبل) إن صاحب الغبطة يختزل الطائفة التي يتصارع رجالاتها على موقع بات فيه صاحب الفخامة اشبه ما يكون بالباشكاتب. رجاء العودة الى تجربة ما بعد الطائف. هل كان رئيس الجمهورية يستمد صلاحياته من الدستور ام من غازي كنعان ورستم غزالي؟

في الويك آند لا حديث سوى «ماذا في رأس وليد جنبلاط» كظاهرة رادارية وتلتقط الذبذبات الاتية من البعيد ومن القريب؟

مثلما يقول الاميركيون والاوروبيون ان سوريا لا يمكن ان تعود كما كانت، باتت لدى العديد من السياسيين، وبينهم جنبلاط، قناعة بان لبنان لا يمكن ان يعود كما كان (كيف كان؟)...

اهل القانون، واهل التاريخ، يقولون ان التسويات المركبة، والسريالية، في لبنان ليست بالطارئة. يعودون الى نظام المتصرفية الذي انهى الصراع الدموي بين الموارنة والدروز. 

متصرف مسيحي من السلطنة العثمانية، حتى الان، ما زال بعض المراجع، وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري يبحث عن حل يجمع بين البدعة والابداع.

ذات مرة استخدم الراحل الفذ ادمون رباط مصطلح «الهرطقة الخلاقة» قبل ان يستنبط هنري كيسنجر مصطلح «الفوضى الخلاقة» بمدة طويلة.

الان بحث عن حل مستوحى من «الهرطقة الخلاقة». في ثلاثية الحوار اعترف كل اركان اللوياجيرغا اللبنانية، وكل اركان الأفغنة انهم عاجزون عن «اختراع» رئيس للجمهورية. اذا، لا بد من الانتظار لحين يتوقف الصراع بين الرياض وطهران لانتخاب رئيس يكون تحت الوصاية السعودية - الايرانية. ليس هذا فحسب، الحكومة ايضا يفترض ان تكون تحت الوصاية الثنائية.

سياسي مخضرم ويسأل «لمن الغلبة في لبنان لصواريخ «حزب الله» ام «لمخيمات النازحين»؟ يومياً الراجمات التلفزيونية تحمل الحزب مسؤولية تعطيل العملية الدستورية بكل جوانبها. وعلى اساس ان الحزب يفعل ذلك الى الساعة التي يوضع فيها النظام اللبناني على المائدة...

السياسي اياه يقول «شئنا ام ابينا، هناك مليونا نازح سوري في لبنان. وبمنأى عن المسؤولية القومية والعاطفية والاخلاقية حيال هؤلاء، فان ذلك العدد الهائل يعني ان لبنان مهدد بقنبلة ديموغرافية يمكن ان تنفجر في اي لحظة».

وهو يشير الى دراسة وضعتها وزارة الخارجية الفرنسية او احدى الهيئات الاستشارية التابعة لقصر الاليزيه وفيها وقائع مذهلة حول المخاطر التي تهدد لبنان اذا ما تكرس وجود النازحين السوريين لخمس او لعشر سنوات اخرى.

وبحسب السياسي المخضرم، فان جهات دولية تعترف بأن الوضع اللبناني هو في منتهى الدقة والهشاشة بحيث يستلزم الامر استنفاراً دولياً لانقاذ لبنان الذي اوشك على الغرق. لا حديث عن السلاح، وحتى عن سكاكين المطبخ، ولا حديث عن الكوليرا السوداء، الكوليرا الايديولوجية، التي يحملها الهواء (والبؤس) الى المخيمات...

مجرد انتشار نحو 1437 مخيماً عشوائياً في لبنان يعني اختناقاً على المستويات كافة. وعلى هذا الاساس، يفترض بالقوى السياسية اللبنانية ان تنتخب رئيسا للجمهورية في الاسرع الممكن وان تتشكل حكومة طوارئ لمعالجة «الازمات المصيرية» وعلى رأسها ازمة النازحين...

والطريف ان يستغرب مسؤولون دوليون ان تلقى الاعباء الكارثية لملف النازحين على وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي اذ يمتلك اللغة السحرية في مقاربة الازمات، لكنه حتماً لا يمتلك العصا السحرية التي تحتاجها المسألة...

هؤلاء المسؤولون يستغربون ايضاً كيف ان مجلس الوزراء، او المجلس النيابي، لم يلتئم مرة واحدة للبحث في «التسونامي» الذي يضرب اسس الدولة السورية. فالنازحون السوريون لم يأتوا على بساط الريح بل هم ضحايا ازمة لا بد  ان تكون قد تمركزت في داخلهم سياسياً ومذهبياً وامنياً وسيكولوجياً.

الكلام الدولي يتقاطع مع كلام محلي يعتبر انه لا بد من تشكيل خلية ازمة رفيعة المستوى، وتكون بعضوية وزراء الدفاع والداخلية والمالية، اضافة الى قائد الجيش وقادة الاجهزة الامنية.

مرجع عسكري قال لـ«الديار» ان الجيش قادر على حماية لبنان من اي مخاطر داخلية. الآن، هذا ممكن، ولكن ماذا اذا تفاعلت الاوضاع، وكان على المؤسسة العسكرية المواجهة على مئات الجبهات؟

جهات دولية باتت على اقتناع بأن لبنان الذي لا يستطيع حل ازماته الداخلية لا بد ان يكون عاجزاً عن معالجة ازمة قد تستخدم من اكثر من جهة، وفي محاولة جهنمية، لفرض معادلة داخلية وبقواعد محددة، في لبنان.


 قنوات اتصال مع دمشق 


لا بد من قنوات اتصال مع دمشق. هذه مسألة بالغة الأهمية للابتعاد عن سياسة النعامة والانتقال الى سياسة المواجهة في تفكيك مشكلة النازحين...

وهنا يقول مصدر ديبلوماسي لـ«الديار» ان الازمة السورية في اشد مراحلها تعقيداً وخطورة، فالمعارك التي حدثت حول حلب هي الاكثر ضراوة منذ اندلاع الحرب السورية.

الاعلام الغربي وصفها بمعركة المصير بين النظام والمعارضة، مع طرح السؤال التالي اي سوريا بعد حلب؟ هذا يستتبع سؤالاً آخر اي لبنان بعد حلب ليس لأن عاصمة الشمال السوري، وعاصمة الصناعة في الشرق الاوسط، هي احدى المحطات الكبرى في طريق الحرير، وانما لانها احدى النقاط المحورية في الصراع الاقليمي.

الغربيون يلاحظون ان قرب تركيا من حلب ادى الى تعقيد عملية استعادة المدينة من قبل النظام وحلفائه. الآن تركيا ابتعدت، ويتردد ان «مستشارين» تابعين لها محاصرون في الاحياء الشرقية اضافة الى ضباط من دول عربية واجنبية.

وعلى هذا الاساس، فان السعوديين الذين كانوا على تنسيق واسع النطاق مع الاتراك للحفاظ على الستاتيكو في المدينة يعتبرون ان خسارة الاحياء الشرقية تفضي الى احداث تعديلات دراماتيكية في خارطة القوى (الداخلية والخارجية) في سوريا. من هنا كان الدفع في اتجاه احداث اختراق عبر موجات بشرية كانت تتساقط اما امام الضربات المدفعية او امام الغارات الجوية.


 حوار طواحين الهواء 


صدى معارك حلب يسمع بوضوح في بيروت مع جلسة اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية بعدما وصفت اكثر من جهة الحوار الاخير بـ «حوار طواحين الهواء». وكان لافتاً ان الدكتور غطاس خوري، مستشار الرئيس سعد الحريري في مسائل، وقنوات حساسة، لا سيما في ما يتعلق برئاسة الجمهورية، رأى «ان المطلوب اليوم ان نستطيع الوصول الى نوع من التوافق لانتخاب رئيس الجمهورية».

بدقة، قرأت الاوساط السياسية قول خوري ان «اي اسم ثالث غير العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية سيكون وسطياً بين الفريقين. واذا طرح فريق 8 آذار اسماً وسطياً عندها لا بأس يمكن البحث في الطرح».

استدرك «لن نطرح اي اسم جديد وما زلنا متمسكين بفرنجية» لتبقى الحلقة المفرغة حلقة مفرغة، وان كان خوري قال بالبحث في المرشح الثالث. ولكن من لدى فريق 8 آذار ليرشحه غير رئيس تكتل التغيير والاصلاح ورئيس تيار المردة».

احد نواب 8 آذار سأل «ماذا سيكون رد فعل الحريري اذا كان الاسم الثالث النائب اميل رحمة؟».

واعتبر وزير الصحة وائل ابو فاعور ان جنبلاط «قرأ مزاميره على مسامع اللبنانيين بحضور وطني مكتمل النصاب»، سائلاً «هل هناك من يسمعه؟».

اضاف ان الزعيم الاشتراكي «يستطيع ان يصيح لكنه لا يستطيع وحده ان يصنع الفجر»، آملاً في ان تلقى صرخته «صداها لدى القوى السياسية الحاضرة وغير الحاضرة (احتفال المختارة) في مصالحة حقيقية تصل الى مصالحة دستورية تبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية».


 حصرم الرئاسة 


ابو فاعور اسف لان «حصرم الرئاسة ما زال فجاً، ولم ينضج بعد، وربما على الرئاسة في لبنان ان تنتظر الصلح في اليمن لكي تتوافر لها اللحظة السياسية للافراج عنها».

وفي سياق متصل، اعتبر النائب طلال ارسلان «ان الطائف فشل لانه فصّل على قياس الرئيس رفيق الحريري والادارة السورية الفاشلة في لبنان»، ملاحظاً ان السوري رحل والرئيس الحريري استشهد، ومع ذلك «اعطوني استحقاقاً واحداً انتخابياً او حكومياً او رئاسياً استطعنا انجازه منذ عام 2005 حتى الآن».

وقال «عار علينا بعد كل تلك الجلسات وحوار 15 شخصية ألا نستطيع حل حلقة صغيرة».


 الحسيني: معارك وهمية 


ولفت الرئيس حسين الحسيني الى «ان عمل طاولة الحوار هو تعليق قيام الدولة والغاء مجلس النواب وصلاحياته، ومن غير المعقول الاستمرار في هذا التلهي واختلاق معارك وهمية فيما هم متفقون».

واوضح انه «تم الاتفاق على مجلس شيوخ بعد انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، ولا منطق ان تكون رئاسة مجلس الشيوخ لطائفة معينة لاننا سنزيل الرئاسة الاخرى».

واكد ان «لا وعد خلال الطائف لطائفة معينة كي ترأس مجلس الشيوخ».

اليوم جلسة اخرى من جلسات انتخاب الرئيس. ثلاثية الحوار كرست استحالة الانتخاب بعدما دفعت الامور في اتجاه آخر. ظهراً تتكرر الاسطوانة الحملة، فهل يتوقف بري عن تحديد مواعيد الجلسات بعدما اصبحت اقل بكثير من ان تكون شكلية؟



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024