منذ 7 سنوات | تكنولوجيا / الحياة

إذا كان العلم عموداً فقرياً للتقدّم، فإن المعرفة تصون الاستنارة التي هي أثمن القيم الإنسانية. تعبّر تلك الكلمات عن تفكير كان راسخاً عند العالِم الراحل البروفسور أحمد زويل الذي بذل جهداً دؤوباً في نشر الثقافة العلميّة والأفكار التنويريّة على حدّ سواء. ولطالما تحدّث زويل عن ضرورة إيجاد قاعدة علميّة قوية يسندها نظام تعليم متطور وبحوث متقدمة، للوصول إلى الارتقاء بالثقافة العلميّة وتعزيز التفكير العقلاني في المجتمع، إذ يسهل تبيان أهميّة التكنولوجيا للمجتمع، لكنها لا تُنتَجْ وتساهم في التطوّر، إلا بالتآزر مع نظام تعليمي متطوّر يشيع في المجتمع ثقافة التفكير العقلاني والأسلوب المنهجي في العمل. وفي غياب ذلك الشرط المحوري، تحدث هوّة بأثر من غياب الفكر التحليلي، فينفتح المجال أمام امتلائها بالجهل والتشدّد، بل بالعنف أيضاً.

تنازل له الجميع بتفاؤل

يعتبر الدكتور محمد الزرقا من علماء مصر في الكيمياء الذين اقتربوا من الراحل زويل، إذ تخرّج معه في كلية العلوم في جامعة الإسكندرية، كما تجمعهما علاقة قرابة أيضاً. ويشغل الزرقا منصب المستشار الخاص في «المركز الدولي للأمن والآمان الكيماوي»، إضافة لكونه أحد مهندسي «اتفاقيّة بازل للمخلّفات الخطيرة».

وفي حديث مع «الحياة»، قال الزرقا إنّه حرص دائماً على حضور محاضرات زويل الذي كان رمزاً للتفاؤل والإصرار، بل ردّد باستمرار أنه لن يتراجع عن تحقيق أحلامه.

واسترجع الزرقا أنّ زويل نال بكالوريوس العلوم بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، ما يعني تقدّمه على زملائه. وعندما لاحت فرصة استكماله الدكتوراه في جامعة بنسلفانيا، تنازل زملاؤه جميعاً له عن تلك البعثة، بدافع المحبة لشخصيته ولتوسّهم أنّه سيتفوق في الجامعات الأميركيّة أيضاً، ويكون له شأن كبير في العلوم.

وكذلك حكى الزرقا عن ملامح إنسانية لدى زويل، كخفة ظله وعشقه لأم كلثوم إلى حدّ حرصه على سماع أغانيها، حتى عندما يكون منغمساً في بحوثه العلميّة.

ولفت الزرقا إلى أنّ زويل نهض بإنجاز علمي ضخم، إضافة إلى كاميرا تصوير جزيئات المادة بسرعة «فيمتوثانية». وتمثّل ذلك في ميكروسكوب يستطيع مراقبة حركة جزيئات بطريقة مباشرة وفائقة الدقّة، وفي الزمن الفعلي، وسمّاه الـ»ميكروسكوب الرباعي الأبعاد» 4 Dimensional Microscope . وبيّن الزرقا أنّ زويل تعمّق في دراساته عن الميكروسكوبات وعلم تحليل المواد عبر أطياف الضوء (ويسمّى ذلك علميّاً «سبكتروسكوبي» Spectroscopy). وفي الميكروسكوب الرباعي الأبعاد، استطاع زويل أن يربط بين الزمن من جهة، والأبعاد المكانيّة الثلاثة (الطول، العرض، والارتفاع) في تصوير الجزيئات وحركتها من الجهة الثانية. بقول آخر، سعى زويل إلى معرفة حركة الجزيء، بما فيها الروابط الذريّة بين الجزيئات، والطرق التي تتحرك فيها جزيئات المادة أثناء حدوث تفاعل كيماوي. واستطراداً، يصبح ممكناً أيضاً معرفة سبب حدوث تفاعلات معيّنة وعدم حدوث أخرى.

«رؤية» نشوء الأمراض

في منحى تطبيقي، يملك الميكروسكوب الرباعي الأبعاد القدرة على تعميق المعرفة بالكيفية التي تحدث بها الأمراض، عبر مراقبة التفاعلات الكيماويّة التي ترافق حدوثها وتطوّرها على مستوى الجزيء والذرّة. واستطراداً، يملك قدرة كامنة على المساعدة في التحكّم في حركة الجزيء والذرة، بطرق تشمل منع حدوث أمراض أو المساهمة في شفائها.

وتناول الزرقا كفاح زويل من أجل إنشاء «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، وما تعرض له من بعض أعداء النجاح والموغلين في البيروقراطية الجامدة. ولفت إلى أنّ الراحل زويل صمد أمام مصاعب لا حصر لها، إلى أن تحقّق له إنشاء تلك المدينة التي كان مفترضاً أنّ يفتتحها في العام 2017. وتتبنى المدينة دارسين وباحثين في مجالات علميّة شتى كالجينات والطب والفضاء. وأعرب الزرقا عن أمله بمواصلة تلك المسيرة على يد مجلس إدارة المدينة الذي يضم كوكبة من كبار العلماء في مصر.

في سياق متّصل، من المستطاع تذكّر بعض مما ردّده زويل في مسألة المعرفة، ومنها: «بقوة الإيمان والمعرفة يمكننا أن نكتشف الجوهر الحقيقي لوعينا المتفرّد كآدميين وأهمية وِحدَة تركيبتنا الوراثيّة (الجينية) على رغم تعدّد السلالات والثقافات والديانات. [نحن] في حاجة إلى تقدير القيم الإنسانية المترابطة. وغني عن البيان أنّ الجهل هو أكبر أعداء الطموح الإنساني، سواء أظهر الجهل في مفاهيم وآراء خاطئة عن الدين، أو آراء مشوّهة عن شعوب اخرى، أو الفشل في إدراك أهمية المعارف والتكنولوجيا».


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024