بين الدورات الأولمبية وتأثيرات السياسة ميراث من الشد والجذب لم ينقطع.. تاريخ تعددت حلقاته منذ الدورة الأولى للألعاب الحديثة عام 1896، وصولا إلى نسخة ريو التي تنطلق الجمعة في ظل أجواء استثنائية.

في السطور المقبلة تعيد "سكاي نيوز عربية" فتح ملف علاقة الدورات الأولمبية بالسياسة انطلاقا من الدورة الحديثة الأولى وحتى نسخة 2016 التي ستقام بالتزامن مع أزمة سياسية عاتية يعيشها البلد المضيف.

منذ الخطوة الأولى..

منذ التمهيد لانطلاق الدورة الأولى للألعاب الحديثة عام 1896 اصطبغ اختيار أثينا لاستضافة الفعاليات بصبغة امتزجت فيها الرياضة بالسياسة.

واختيرت اليونان، وتحديدا أثينا لاستضافة النسخة الأولى على سبيل التكريم، على أساس كونها مهد الألعاب القديمة، لكن ديمتريوس فيكيلاس، اليوناني المرموق الذي ترأس أول لجنة تنفيذية لتنظيم الأولمبياد، رأى أن استضافة أثينا للألعاب ستعود على وطنه بفوائد من نوع آخر، أبرزها تحسين صورته عالميا، ومحو ما تناقلته حينها وسائل الإعلام عن أزمات عدة يعيشها اليونان، أبرزها أزمة مالية وضعتها على حافة الإفلاس.

وخلال النسخة التالية عام 1900 أرادت فرنسا أن تشهد العالم على ما بلغته إمبراطوريتها الشاسعة بأنحاء العالم، لاسيما في إفريقيا، ما جعل السلطات في باريس تسعى لإقامة الدورة الثانية في مدينة النور، وذلك في إشارة أخرى للتداخل بين المصالح والطموحات السياسية وبين الرياضة.

بل وتزامنت الألعاب مع معرض عالمي استضافته باريس في ذلك الوقت، دشن به الرئيس الجديد إميل لوبيه ولايته.

الدورة التالية التي استضافتها مدينة سانت لويس الأميركية عام 1904 رقصت على إيقاع منافسة المدينة المستضيفة مع مدينة أميركية أخرى هي شيكاغو، وقد نالت سانت لويس شرف استضافة الدورة في ذكرى مرور مائة عام عن انفصالها عن الفرنسيين، ولوحظ في المناسبة بوادر سعي الولايات المتحدة لفرض هيمنتها باعتبارها القوة العالمية الأولى.

الحرب العالمية الأولى وما بعدها

تأثير الصراعات السياسية على الأولمبياد يبدو شديد الوضوح بعدما لم تر نسخة عام 1916 النور من الأساس، وذلك بسبب احتدام معارك الحرب العالمية الأولى في ذلك التاريخ.

وحين استضافت مدينة أنتورب البلجيكية النسخة التالية عام 1920، فرض الاستقطاب السياسي العالمي نفسه بوضوح، إذ "عوقب" المنهزمون في الحرب، ولم توجه دعوات بالمشاركة إلى ألمانيا والنمسا وبلغاريا وتركيا والمجر، كما غابت روسيا بعد ثورتها البلشفية طوعا، إذ رأى حكامها أن "الأولوية منصبة الآن على إعادة البناء على الأصعدة كافة، وفق مفهوم حق الشعب ومصالحه".

وعرفت الدورة التي استضافتها أمستردام الهولندية عام 1928 واقعة استثنائية، إذ استضافت المدينة الألعاب رغم ممانعة الملكة فيلهلمين التي اعتبرتها "تظاهرة وثنية"، لكن استفتاء شعبيا قضى بعكس ذلك، كما شهدت تلك الدورة عودة ألمانيا إلى العائلة الرياضية بعد حرمان دورتين سابقتن.

أما النسخة التي استضافتها لوس أنجلوس الأميركية عام 1932 فلم تخل من أساليب "هوليود" الدعائية، إذ استغلت الدورة للترويج لـ"العظمة الأميركية"، وكانت الشعارات ترحب بالوافدين إلى كاليفورنيا "بلاد السعادة والمستقبل، وقبلة أنظار الكثيرين"، لاسيما أن الاستضافة جاءت بعد أزمة اقتصادية طاحنة شهدت انهيار بورصة نيويورك.

هتلر وزمانه

وارتبطت دورة برلين 1936 باسم أدولف هتلر، فمع احتضان العاصمة الألمانية لوفود من كل أنحاء العالم، اتخذ النازيون من الألعاب عنصر دعاية مهم من أجل تعبئة الجماهير، وتقوية روح الاعتزاز بالجنس الآري "المتفوق"، ما جعل الألعاب للمرة الأولى تفقد غايتها المثالية، وتحيد عن أهدافها الحقيقية.

وجاء اختيار لندن لاستضافة نسخة عام 1948 بعدما صمت هدير مدافع الحرب العالمية الثانية باعتبارها تمثل الأمل والمقاومة في ذلك الوقت، وكان طبيعيا مرة أخرى أن تُحجب مشاركة أبرز المنهزمين، ألمانيا واليابان.

وتزامنت دورة هلسنكي عام 1952 مع تباشير "حرب باردة" رياضية، وكانت اللجنة الأولمبية الدولية اعترفت عام 1951 باللجنة الوطنية لاتحاد الجمهوريات السوفيتية، كما حصلت ألمانيا على "رخصة" المشاركة عبر اسم جديد هو ألمانيا الاتحادية الفيدرالية (الغربية)، ما سيسمح لاحقا إلى اعتراف رياضي بألمانيا أخرى هي الديمقراطية (الشرقية).

وفي القرية الأولمبية بدا تأثير السياسة محسوسا بعدما ظلل علم الألعاب والراية الحمراء الشهيرة مقر البعثة السوفيتية، جنبا إلى جنب مع صور الزعيم جوزيف ستالين.

حرب باردة وعدوان ثلاثي

وأقيمت ألعاب ملبورن الأسترالية عام 1956 والحرب الباردة في أوجها، بعد أيام على انتفاضة المجريين المعروفة بـ"خريف بودابست"، التي سحقتها الدبابات السوفيتية، كما شنت إسرائيل مع فرنسا وإنجلترا "العدوان الثلاثي" على مصر، وبدأت وقتها الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي تتفتح، والتزمت الصين رفض الاعتراف بجزيرة فورموزا (تايوان) وقاطعت الألعاب، كما قاطعتها دول عربية احتجاجا على العدوان الثلاثي، ودول أوروبية أبرزها هولندا وإسبانيا وسويسرا احتجاجا على الغزو السوفييتي للمجر.

في المقابل، وبمبادرة من اللجنة الأولمبية الدولية، تبارت الألمانيتان في بعثة مشتركة سارت في طابور عرض واحد.

وشهدت الدورة التي استضافتها العاصمة اليابانية طوكيو عام 1964، حرمان جنوب إفريقيا من المشاركة بسبب سياسة حكومتها العنصرية، وهو حرمان سيستمر ساري المفعول حتى دورة برشلونة 1992، كما غابت الصين "المنزعجة" من استعادة جار خاضت ضده قبل سنوات حرب ضروس لتوازنه.

وصادفت ألعاب أولمبياد مكسيكو سيتي 1968 أحداث سياسية دامية عدة أبرزها حرب فيتنام، واجتياح الاتحاد السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا، وتفاقم الحركات الثورية الاحتجاجية في العالم، وصولا إلى اعتصامات واحتجاجات وتظاهرات شهدتها عاصمة المكسيك قبل انطلاق الدورة بعشرة أيام، استدعى قمعها استعانة الرئيس المكسيكي غوستافو دياز أوراز لـ3 آلاف رجل شرطة.

وعاشت دورة 1972 بميونيخ الألمانية أكبر الاعتداءات الدامية في تاريخها، فقبل 6 أيام على نهايتها، قام مسلحون فلسطينيون باقتحام القرية الأولمبية واحتجزوا رياضيين من البعثة الإسرائيلية كرهائن مطالبين بإطلاق سراح أسرى بالسجون الإسرائيلية.

واندلعت لاحقا موجة عنف أسفرت إجمالا عن مقتل 19 شخصا بينهم 9 إسرائيليين و5 فلسطينيين.

المقاطعة

وعرفت الألعاب الأولمبية التي استضافتها موسكو بغياب شبه تام لدول المعسكر الغربي، بعدما كان الرئيس الأميركي جيمي كارتر قد نادى بمقاطعتها احتجاجا على التدخل السوفييتي في أفغانستان، وهي الدعوة التي استجابت لها 61 دولة، في أبرز تجسيد على إفساد السياسة للرياضة.

ونظمت لوس أنجلوس الدورة التالية عام 1984 لترد دول المعسكر الشرقي "التحية" للغرب عبر مقاطعة أعلنت قبل أشهر قليلة على الأولمبياد بحجة عدم توافر حماية كافية للرياضيين في أشهر مدن الغرب الأميركي.

أما دورة برشلونة 1992 التي تلت زلزال انهيار المعسكر الشرقي، فقد شهدت مشاركة ألمانيا موحدة بعد سقوط جدار برلين، كما شاركت "الدول المستقلة" المولودة على أنقاض الاتحاد السوفييتي بوفد موحد للمرة الأولى والأخيرة.

ومثلما شاركت جمهوريات البلطيق الثلاث إستونيا ولاتفيا وليتوانيا للمرة الأولى، حضرت جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي بشكل مختلف بعد تفككه، وسار وفد صربيا والجبل الأسود وحده خلف الراية الأولمبية، فيما غابت كيانات أخرى أبرزها البوسنة التي عانت ويلات حرب طاحنة قبل أن تعود لاحقا.

أما دورة 2016 التي تنطلق اليوم فيتجسد ملمحها السياسي الأبرز في مشاركة دولتين جديدتين هما جنوب السودان وكوسوفو.





أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024