منذ 7 سنوات | لبنان / الديار

معلومات أمنيّة تمّ تداولها مؤخّراً بين المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعيّ لم يعرف مصدرها تفيد بأنّ منطقة الأشرفيّة الجميزة، مار ميخائيل، شارع الحمراء وشارع المقدسي في رأس بيروت، مجمّع التسوّق في الأشرفيّة والحازميّة، أهداف محتملة للإرهاب. وعلى الرغم من أنّ مصدرها مجهول، ولم يفصح عنه، فقد بات لزامًا على المراجع الأمنيّة الممسكة بالبلد والتي أبلت بلاء حسناً في القبض على شبكات إرهابيّة في البقاع الشمالي، وفي الشمال أيضاً، أن تحقّق بها ولا تكتفي فقط بالتحقيق، فإذا ثبتت صحتها فما عليها سوى إجرلء المقتضى حقنًا للدماء وصونًا للأمن الداخليّ في فصل كاد أن يشهد إقبالاً اغترابيّاً كثيفاً إلى لبنان.

وتتماهى تلك التحذيرات المدوّنة على وسائل التواصل الاجتماعيّ والمتداولة مع كلّ اللبنانيين، مع تحذيرات أطلقتها سفارات أجنبية بدءًا من السفارة الكندية وقبلها الفرنسيّة ثمّ الأميركيّة والألمانيّة لرعاياها بعدم الوجود في أماكن تمّ تحديدها سلفًا، وبعض التحذير جاء من الحكومات لمواطنيها بتجنّب المجيء إلى لبنان، لكونه مقبلاً على حالة واضحة من التوتّر. ومن المفيد التكرار بأنّ التحذيرات الأجنبيّة سبقت الاعتداء الذي طال مصرف لبنان والمهجر، كما من المفيد التكرار أيضاً أنّ ثمّة معلومات تمّت الإضاءة عليها من مراجع قضائيّة وأمنيّة تفيد بأنّ عددًا من الشبكات التي فكّكت بعدما تمّ القبض على رؤوسها وأفرادها خطّطت لعمليات انتخاريّة وتفجيرات عبر سيارات مفخخة في قلب بيروت، كما كانت تخطّط لعملية تستهدف كنيسة القديس نيقولاوس في الأشرفيّة خلال فترة عيد الفصح، وهي قائمة على طريق رئيسية تعتبر شرياناً حيويّاً يربط الأشرفيّة برأس بيروت والمصيطبة وسواها. 

لكنّ تداول هذه المعلومات من جديد يقود المراقب إلى مجموعة استنتاجات تصبّ كلّها بتراكم كميّ كبير في مرحلة دقيقة جداً، يعصف بها الفراغ السياسيّ والدستوريّ، وتتشعّب فيها العناوين كحقل ألغام تنفجر تباعاً وتقذف لبنان نحو الانفجار الكامل، طبقًا لنظرية تقول إنّ التراكم الكميّ يؤدّي إلى الاختناق، والاختناق من شانه أن يؤدي بدوره إلى الانفجار، والتجارب اللبنانيّة واضحة في هذا المجال، ولا تزال تجربة الحقبة الممدودة من سنة 2005 إلى سنة 2008 ماثلة أمامنا فيما نحن نعيش في تجربة أخرى عاصفة بشدّة منذ سنة 2011 تتمثّل بتفشّي السرطان التكفيريّ في المدى العربيّ وبخاصّة في سوريا، وانعكاس القتال في سوريا على لبنان ومكوّناته بل علاقتها ببعضها بعضاً.

ما يخيف في تلك المسألة الخطرة جداً، أنّ المسائل تتكثّف بتكوينها السلبيّ، ولبنان ساحة سائبة لنازحين يتدفقون من سوريا ضمن مجموعات مختلفة، فيتجه بعضها نحو المخيمات الفلسطينيّة كما في مخيّم عين الحلوة على سبيل المثال، وبعضها ينشئ مخيمات لمجموعته، وتخشى بعض المصادر من أن يتمّ استهلاكها من قبل أجهزة مخابرات دوليّة أو عربيّة أو إقليميّة، من ضمن أنظومة الصراعات المستوية في سوريا ولبنان، قيتم التغرير بها أو إغراؤها في عمليات أمنيّة تحدّد سلفاً. وتطرح تلك المصادر تساؤلاً بسيطاً، كيف يمكن لتلك الدول أن تصرّ وتلح على ضرورة استقبال النازحين من قبل اللبنانيين، وأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون يطالب بتوطينهم، فيما هم يمعنون في تحذير رعاياهم من المجيء إلى لبنان، ألا يعني هذا التناقض شيئاً للمسؤولين السياسيين والأمنيين، ألا يمكن الخروج منه باستنتاجات محدّدة وواضحة تظهر من هم المصرّون على أخذ لبنان نحو اللاإستقرار أي نحو الانفجار سواء بسياق أمميّ أو سياق مذهبيّ؟ وتحذّر تلك المصادر أنّ من يدعو لبنان إلى استقبال هؤلاء بلا ضوابط أو موانع، ويحذّر مواطنيه من عدم الذهاب إلى لبنان أو الوجود في اماكن محدّدة هو الراعي لكلّ عملية إرهابية محتملة أو انفجار مطلوب.

بدورها تنظر تلك المصادر إلى موقعين شديدي الحساسيّة.

– الموقع الأوّل: مخيم عين الحلوة في صيدا. فمخيم عين الحلوة منذ فترة يعيش مجموعة توترات متراكمة لا تهدّد أمنه الذاتيّ فقط بقدر ما تهدّد الأمن اللبنانيّ في المحيط، ويعرف القاصي والداني أنّ هذا المخيم ومنذ سنة 2000 على الأقل كان مقرّاً ومستقرّاً لكلّ مجرم، وتعود الذاكرة بالجميع إلى لحظة اغتيال القضاة الأربعة في صيدا على قوس المحكمة وكيف فرّ الجناة إلى مخيم عين الحلوة من دون إلقاء القبض عليهم، وحديثاً ومع أحداث طرابلس وعبرا وعرسال كان المخيم عينه مقرًّا لمعظم الإرهابيين من أحمد الأسير إلى شادي المولويّ، ومن هناك فرّ بعضهم إلى أن تم اعتقال الأسير في الآونة الأخيرة. وتخشى بعض المصادر وبناء على معلومات يتم تداولها من أن تقوم مجموعات من المخيم وتعتدي على القرى الشيعيّة المحيطة بها أو على سرايا المقاومة كمحاولة لأخذ الجنوب من بوابته الطبيعيّة صيدا إلى مواجهات دموية مذهبيّة وخطرة بمضمونها تغذّيها دول عديدة، كما يغّذيها بدوره الخطاب السياسيّ الموتور والمتشدّد لعدد من الفئات السياسيّة، ولذلك تلحّ بعض المصادر على الرئيس سعد الحريري وبناء أيضاً على نصيحة النائب وليد جنبلاط بتغليب منطق الاعتدال وليس منطق التشدّد والتطرّف المعتمد عند آخرين إرضاء للشارع واسترضاء للسعوديّة. ولا تشكّ تلك المصادر من أن نتائج الانتخابات بنوع خاصّ في طرابلس مع انتصار خطّ متشدّد يمثّله أشرف ريفي قد يقود مخيم عين الحلوة إلى هذا التوتّر الشديد.

– الموقع الثاني: جبل محسن او بعل محسن بهويّته المذهبيّة العلويّة. التركيز في الجبل، مأخوذ بكليّته إلى واقع الانتخابات في طرابلس ونتائجها، وقد ترسخّت على ثقافة ممجوجة في لبنان كانت سبباً من أسباب الانفجار اللبنانيّ، وهي ثقافة العزل المؤديّة إلى كلّ انعزال وانطواء ومن شأن كل ذلك ان يبيح لصاحبه التعبير والصراخ حنى ولو اقتضى استعمال العنف وسيلة. وقد أشارت المصادر نفسها المتابعة والمراقبة لمسار التطورات بعناوينها المباحة وغير المباحة المنظورة وغير المنظورة، الى أن الاحتقان يسود أهل الجبل نتيجة لعدم تمثيلهم مع شركائهم المسيحيين في المجلس البلديّ وكأنهم أمسوا نسياً منسيّاً من الجميع. ونتيجة لذلك يخشى من تحوّل هذا الاحتقان إلى غليان ثمّ ردّات فعل عنيف على فعل عنيف بالمعنى السياسيّ والانتخابيّ، يملك فحوى عدائيّاً مورس خلال الأحداث في طرابلس وبخاصّة حين تم الاعتداء خلال الأحداث الأخيرة على موظفين علويين في بلدية طربلس أو في صراع المحاور، وكان أشرف ريفي بدوره طرفاً. وفي هذا السياق تتكثّف دعوات بعضهم إلى الهجرة عن الجبل، أما بعضهم الآخر فيدعو للبقاء والثبات والتحضّر للمواجهة، في أي لحظة يتم الاعتداء فيها على أهل الجبل، وبخاصّة أن طرابلس بالنتيجة التي بلغتها عادت لترتبط بالصراع السوريّ بقوّة ووضوح.

ـ تغيير جذري في قواعد اللعبة ـ

وفي المحصّلة إن تلك الرؤى المبثوثة تشير إلى تغيير جذريّ في قواعد اللعبة السياسية بل الاشتباك السياسيّ. العلامة الفاصلة لهذا التغيير نتائج الانتخابات في طرابلس على وجه التحديد، وكأنها بدت مطلوبة أو مستوردة بعلامات رسخّها القائم بالأعمال الأميركيّ ريتشارد جونز قبل مغادرته لبنان، في استعادة المنطق المذهبيّ المتشنّج والمترامي الأهداف، والمتداخل بدوره في مسألة العقوبات الأميركيّة الماليّة على حزب الله والتي قادها دانيال غلايزر وقبلها وضع حزب الله على قائمة الإرهاببيين بالمقياسين السعوديّ والأميركي، ليكون لبنان أرضًا خصبة لها، وما الاعتداء على مصرف لبنان والمهجر سوى بداية لغيث أسود سينهمر خلال صيف أحمر وتكون أرض لبنان خصبة له.

فحذار أيها المسؤولون السياسيون من سياسة الغرائز العبثية في ظلّ هذا الأتون الملتهب بنا والعاصفة الهابة من حولنا والمهددة لكياننا وقد سقط بغباء وفسق كبير مارسه بعضكم، إن التاريخ لن يرحمكم إن تقاعستم والله سيلعنكم إن تلكأتم، حافظوا على بعض من كرامة للمواطنين واعقلوا ثم اعدلوا، أوجدوا مناخًا من الثقة تستعاد فيما بينكم وبين الناس ولا تنقادوا إلى العواصف المذهبيّة، ابنوا وطنًا ولا تبنوا مزارع، أوجدوا الدولة الحاضنة والناظمة ولا ترتكزوا على أشلائها لأنّكم ستستفيقون ولن تجدوا سوى السراب بالأمن السائب والفساد المتراكم، وأي حزب لبنانيّ بأي صيغة وجد يتمّ الاعتداء عليه هو اعتداء على لبنان بمكوناته، وأي مواطن يعتدى عليه هو اعتداء على كل المواطنين، وأي عزل لطائفة أو مذهب  مشروع احتراب أخطر من الحرب الخيرة، فالمسألة وبناء على ما تقدّم أخطر مما تظنون، كافحوا الإرهاب كتفًا إلى كتف، حاربوه أينما وجد، أوقفوا العنف وغلّبوا اللطف أطفئوا لهيب الصراع وتذوقوا حلاوة الحوار، متحررين من التبعيات السياسية والمالية للخارج المعلّبة والموجهة لكم بأطر سلبية يجعلكم في مواجهة دمويّة فيما بينكم وعلى ظهور شعوبكم، وقد قضت على حياتنا وستقضي على مستقبل أبنائنا، يكفي كلام نهاد المشنوق لتشعروا بالمهانة والفضيحة، غلّبوا العقل بالحوار الرصين، وبحلّ تاريخيّ لبنانيّ راق، يبني نظامنا السياسيّ بتوازن وكبر، يلبنن حياتنا ويحصّن وطننا من العواصف الهوجاء ويحسّن الحياة انتظام الأمور في المؤسسات في سيرورتها وديمومتها الصافية والمضيئة، فنجوز بفضل ذلك من الموت إلى الحياة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024