من السخافة بمكان أن يؤدي الحراك في الداخل إلى أي خطوة إيجابية في مواجهة أي من الأزمات المتناسلة التي قادت الى خلو سدة الرئاسة وشَل العمل الحكومي وعجز المجلس النيابي عن القيام بمهمته على رغم امتلاكه المواصفات الدستورية. وكل ذلك يتزامن مع انهيار مالي ومصرفي وغياب للسلطة القضائية التي شلّت نفسها قبل أن يشلّها أحد. وعليه، ظهرت مجموعة من السيناريوهات السلبية المبنية على ضجيج في الداخل واستعدادات خارجية للمحاسبة.

لا تخفي المراجع السياسية والديبلوماسية الحيادية المراقبة مخاوفها من حجم فقدان المقاييس الدستورية والقانونية والسياسية عند مقاربة أيّ من الاستحقاقات المطروحة على مختلف المستويات والاصعدة من دون استثناء اي من السلطات الدستورية والمؤسسات الادارية والعسكرية والامنية وصولاً الى القطاعات الحيوية التي تميّز ما بين دولة قائمة بالحد الأدنى مما هو مطلوب منها وأخرى فاشلة وعاجزة عن تقديم أبسط ما تعهدت به من خدمات اجتماعية ومالية وتربوية وصحية وخدماتية.

على هذه القاعدة، تبدو هذه المراجع انها متسامحة ولائقة ان تحدثت عن تصنيف سلبي يصل الى ادنى الدرجات المتعارف عليها في العالم لمجمل الطبقة السياسية، وأداء المسؤولين الذين تخلّوا عن المسؤوليات الوطنية التي تعهدوا القيام بها من مواقعهم حيث ما وجدوا فيها انتخاباً أو تعييناً. فهم ماضون من دون اي رقيب او حسيب في استغلال السلطة الى اقصى الحدود الممكنة من أجل تقديم ما يضمن لهم المصالح الشخصية والآنية بعيداً عما يضمن المصلحة العامة. والاخطر انهم تناسوا ما فرضته المواقع عليهم من مسؤوليات جسام في مواجهة مجموعة من الأزمات التي يعانيها اللبنانيون بطريقةٍ مَيّزتهم عن شعوب العالم. اذ انه ليس هناك من دولة في العالم مهما جار الزمن عليها وعلى مسؤوليها وشعبها أن تعيش هذا الكَم من النكبات المتناسلة واحدة عن اخرى من دون القدرة على طَي أيّ منها.


على هذه الخلفيات والى ما يمكن ان تنتهي إليه مجمل التطورات، توقفت المراجع نفسها امام مجموعة التحركات

 السياسية التي حفلت بها الايام القليلة الماضية وما أعلن عنه من لقاءات وما خفي منها، لتقول ان المهم وقبل تعدادها وإحصائها رصد ما انتهت إليه من «صفر إنجاز». فالعودة إلى مضمونها وشكلها أثبتَ انّ كل ما رافَق دخول البلاد مدار عيدي الميلاد ورأس السنة من لقاءات أثارت ضجيجا يتجاوز نتائجها لأنها لم تنته الى رصد أي خطوة ايجابية حتى الآن. وسط مخاوف من تطورات يمكن أن يورثها العام الذي يودّع أيامه ولياليه الاخيرة لاستقبال سنة جديدة ستكون حافلة بما يمكن أن تتعثّر فيه الحلول وتتمدّد فيه الازمات لتشمل مختلف وجوه حياة اللبنانيين وربما الى مزيد من التأزّم على اكثر من مستوى.

والى هذه العقدة، التي يمكن أن يشكّل حلها مخرجاً ممكناً الى الولوج الى بقية الملفات العالقة، فإنّ أخطر ما تواجهه الحكومة نتيجة استمرار الخلاف حول الآلية التي يجب اعتمادها لترجمة قراراتها بالمراسيم الدستورية ما يعوق آلية العمل في كثير من القطاعات الحيوية والتي قد تهدّد الحد الادنى المتوافر من الامن والاستقرار، ان أدّت بعض المواقف الى أي خطوة في الشارع مخافة أن ينبت شارع في مقابل آخر. وهو ما يزيد من معاناة اللبنانيين من دون ان يتأثر بها القادة الذين لم يعبّروا عن النية بإجراء أي تغيير في مواقفهم والايحاء بإمكان التقاء المختلفين على مجموعة من الخطوات التي تشكل قواسم مشتركة للانتقال تدريجاً إلى ما يمكن فَكفكَته من عقد مختلفة في ظل التشابك فيما بينها وحجم ما بات يبعد الحلول الممكنة لأيّ منها.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024