التاريخ يعيد نفسه في لبنان دائما، ففي 17/12/2007 عقد مجلس النواب جلسته التاسعة، لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، لكن الخلاف على «التسوية الدستورية»، التي على اساسها انتخب العماد سليمان دون تعديل دستوري يسمح له بالترشح، واستنادا الى نظرية «الضرورة القاهرة» مع المعارضة الممثلة بالتيار الحر وحزب الله، حال دون ذلك، في تلك الجلسة، ليصار انتخابه لاحقا، وبموجب التسوية عينها.

وبالأمس، عقد مجلس النواب اللبناني جلسته التاسعة، لانتخاب رئيس للجمهورية من بين مجموعة مرشحين احدهم معلن، هو ميشال معوض وآخرين مضمرين، هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، الأقرب الى اللقب، لكن عملية خلط الأوراق ألحقت الجلسة التاسعة من حيث النتيجة العقيمة بسابقاتها.

وقد تنعقد جلسة عاشرة وحادية عشرة، الخميس المقبل وما بعده دون أن ينتخب رئيس، قبل وصول الضوء الاخضر الاقليمي والدولي، الممسك بزمام لعبة الرئاسة اللبنانية، التي ستحضر في قمة «بغداد2» في عمان يوم 20 الجاري.

وفي ضوء نتائج هذا المؤتمر، يقرر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زيارة لبنان، لتفقد كتيبة بلاده العاملة مع قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، واجراء محادثات مع المسؤولين اللبنانيين، او يكتفي بمعايدة جنود حاملة الطائرات الفرنسية الراسية في خليج العقبة الأردني.

وبحسب منابر الاعلام الفرنسية، ليس لدى باريس مرشح محدد للرئاسة اللبنانية، وهي لا تعارض وصول قائد الجيش، او فرنجية، وما يهمها انتخاب رئيس يمثل وحدة لبنان، ويمتلك قدرة العمل مع رئيس الحكومة ويضع الاصلاحات المطلوبة قيد التنفيذ، ويعمل على انعاش الاقتصاد الذي لم يسبق ان وصل الى هذا الدرك من الموت الاقتصادي.

وبالانتظار، كرر اعضاء مجلس النواب أنفسهم في الجلسة التاسعة أمس، مع جديد تمثل بانعكاس التوتر الحاصل بين التيار الحر وحليفه حزب الله، حول جلسة حكومة تصريف الأعمال الإثنين الفائت، على صندوق الاقتراع، بحيث لم يلتزم نواب التيار بالورقة البيضاء تماما كما درجت العادة، بدليل هبوط حصيلة الأوراق البيضاء من 50 صوتا في الجلسة الثامنة الى 39 صوتا أمس، أي بفارق 11 صوتا، هم من التيار بمعظمهم او كلهم، عدا صوت رئيس التيار جبران باسيل الذي حضر الجلسة ولم يشارك بالتصويت.

وكانت مصادر قريبة من التيار توقعت اعطاء 10 اصوات للمرشح ميشال معوض، نكاية بالحزب الحليف، وترك العشرة الباقية التي يملكها التيار للورقة البيضاء تجنبا لكسر الجرة مع حزب الله، لكن اوراق ميشال معوض بقيت عند حدودها السابقة (39 صوتا) ما يعني ان التيار وزع الاصوات العشر، على اسماء ورموز، بغاية اضعاف حاصل الورقة البيضاء التي تحمل وصية الحزب.

على ان الرسالة الاكثر صراحة ووضوحا، تلك التي وجهها نواب التيار الى الحزب عبر ثلاثة اوراق تحمل اسم بدري ضاهر، اضافة الى ورقة رابعة باسم معوض بدري ضاهر.

وبدري ضاهر هو المدير العام للجمارك، الموقوف منذ تفجير المرفأ في 4 أغسطس 2020.

ويبدو ان باسيل اكتفى بهذين الردين، غير المباشرين حفاظا منه على قواعد الاشتباك مع الحزب، الذي رد عليه ببيان مفصل أمس، متجنبا أي باسيل الذهاب الى القطيعة النهائية مع الحزب، ومن ثم تقديم اوراق اعتماده الى القوات اللبنانية، أو أي فريق سياسي لبناني آخر، حيث قد لا يجد مستجيبا، كما حصل مع القوات اللبنانية بالذات، ولربما فقد نصف كتلته النيابية المؤلفة من 20 نائبا.

وتفسيرا تقول مصادر نيابية، ان ما بين 8 او 10 من اعضاء تكتل لبنان القوي العشرين، هم في الواقع ودائع نيابية لحزب الله لدى التيار دعمهم انتخابيا، وبالذات النواب المسيحيين في دوائر البقاع الشمالي والغربي والأوسط والشوف وعاليه وبعبدا، بعدما جير لهم اصوات طلال ارسلان ووئام وهاب والأرمن.

وتضيف المصادر ان التيار الحر الذي حقق نسبة 70% من اصوات المسيحيين عام 2005، لم يعد على هذه الصورة الصارخة، بعد خروج ميشال عون من القصر الجمهوري، على ما بدا عليه، حتى بات باسيل يتحدث عن اللامركزية الادارية، وعن «لبنان الصغير»!.

في هذه الاثناء وبعد انتهاء الجلسة النيابية، استقبل رئيس مجلس النواب في عين التينة مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد هيل، وأشار هيل بعد اللقاء إلى أن «الإدارة الأميركية مستاءة من الوضع المتأزم في لبنان».

ولفت هيل الى ان «الوضع في لبنان غير ميؤوس منه ولكن ما ينقص هو الارادة السياسية بالاصلاح».

وأضاف «أنا هنا هذه المرة للاستماع والتعرف على الوضع. كنت هنا بالفعل منذ عام وأعتقد أنني أشعر بمستوى من خيبة الأمل والإحباط خلال العام الماضي تماما كما حدث خلال العام الذي سبقه والعام الذي سبقه».

وقال: «لقد تمكن لبنان من إجراء انتخابات نيابية. الطريق إلى الإصلاح الاقتصادي والمالي واضح ومباشر إلى حد ما.

أعتقد أن كيفية القيام بهذه الإصلاحات تمت دراستها جيدا. الدعم الدولي موجود وجاهز حالما يتم اتخاذ هذه الخطوات.

القطعة المفقودة حتى الآن هي الإرادة اللبنانية وما إذا كان اللبنانيون وقيادتهم سيكونون قادرين على اتخاذ الخطوات اللازمة لاستعادة ثقة الشعب اللبناني أولا وقبل كل شيء، ولكن أيضا المجتمع الدولي في المؤسسات هنا والقطاع المالي وقدرة الدولة على التعامل مع هذه المشاكل. وإذا وجدت هذه الإرادة السياسية، فأنا واثق ومتفائل تماما بشأن مستقبل لبنان».






أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024