منذ سنتين | ثقافة / وكالات


اخترعت السيارة بإتقان لأول مرة في ألمانيا وفرنسا أواخر القرن التاسع عشر، مع أن الأميركيين سرعان ما سيطروا على صناعة السيارات في النصف الأول من القرن العشرين. ابتكر هنري فورد تقنيات الإنتاج الضخم التي أصبحت قياسية، ظهرت فورد وجنرال موتورز وكرايسلر شركات السيارات (الثلاث الكبرى) بحلول عشرينيات القرن الماضي.

خلال الحرب العالمية الثانية، وجّه المصنعون مواردهم إلى الجيش، ثم ارتفع إنتاج السيارات في أوروبا واليابان لتلبية الطلب المتزايد.

أصبحت الصناعة التي كانت يومًا ضروريةً لتوسيع مراكز الحضارة الأميركية، مؤسسةً عالميةً مع ظهور اليابان مُصنّعًا رائدًا للسيارات بحلول 1980. بالرغم من تأثير السيارة الاجتماعي والاقتصادي الكبير في الولايات المتحدة، إلا أنها أُتقنت بدايةً في ألمانيا وفرنسا في نهاية القرن التاسع عشر من قبل رجال مثل جوتليب ديملر وكارل بنز ونيكولاس أوتو وإميل ليفاسور.


متى اخترعت السيارات؟

تستحق سيارة مرسيدس عام 1901، التي صممها فيلهلم مايباخ لشركة سيارات دايملر، التقدير كونها أول سيارة حديثة تلبي كل الضروريات. كان محركها ذو الخمسة وثلاثين حصانًا يزن أربعة عشر رطلًا فقط لكل حصان، حقق سرعة قصوى تبلغ ثلاثة وخمسين ميلاً في الساعة.

بحلول عام 1909، مع أكثر مصنع متكامل للسيارات في أوروبا، وظفت شركة دايملر نحو 1700 عامل لإنتاج أقل من ألف سيارة سنويًا.

لا يوجد تفسير أفضل لتفوق التصميم الأوروبي من التناقض الحاد بين طراز مرسيدس الأول ورانسوم أولدز (1901_1906)، السيارة المنحنية بقوة 3 أحصنة وتوجيه بالتيلر، التي كانت مجرد عربة أحصنة آلية.

شركة أولدز باعت سياراتها مقابل 650 دولار فقط، ما جعلها في متناول الطبقة المتوسطة الأميركية، وتجاوز إنتاجها 5,508 وحدة سنة 1904.

المشكلة المركزية لتكنولوجيا السيارات على مدى العقد الأول من القرن العشرين تتمثل في التوفيق بين التصميم المتقدم لمرسيدس عام 1901 والسعر المعتدل ونفقات التشغيل المنخفضة لطراز أولدز. هذا ما سيكون إنجازًا أميركيًا ساحقًا.


هنري فورد وويليام دورانت

صمم ميكانيكيا الدراجات ج.فرانك وتشارلز دوريا من سبرينجفيلد، ماساتشوستس، أول سيارة أميركية ناجحة تعمل بالبنزين عام 1893، ثم فازت بأول سباق سيارات أميركي عام 1895، وباعوا أول سيارة أميركية الصنع تعمل بالبنزين في العام التالي.

أنتج ثلاثون مصنعًا أميركيًا 2500 سيارة عام 1899، لتدخل في العقد التالي نحو485 شركة في هذا المجال. في عام 1908 قدم هنري فورد الموديل تي-T وأسس ويليام ديورانت شركة جنرال موتورز. الولايات المتحدة بمساحتها الواسعة ومستوطناتها النائية المتناثرة والمعزولة، تحتاج السيارات للتنقل أكثر بكثير من دول أوروبا.


فورد: موديل تي

نظراً لتقاليد التصنيع الأميركية، كان مُحتمًا إنتاج السيارات بحجم أكبر وأسعار أقل مقارنة بأوروبا. شجع عدم وجود حواجز جمركية بين الولايات على المبيعات في منطقة جغرافية واسعة، إضافة إلى مواد الخام الرخيصة والنقص المزمن في العمالة الماهرة على مكننة العمليات الصناعية في الولايات المتحدة. ما تطلب توحيد المنتجات وأدى إلى إنتاج كميات كبيرة من السلع مثل الأسلحة النارية وآلات الخياطة والدراجات والعديد من الأصناف الأخرى. في عام 1913، أنتجت الولايات المتحدة نحو 485,000 سيارة من إجمالي 606,124 سيارة في العالم.

تفوقت شركة فورد للسيارات بقوة على منافسيها في التوفيق بين أحدث التصاميم والأسعار المعتدلة. أطلقت مجلة دورة وتجارة السيارات على موديل فورد إن-N (1906-1907) ذو الأربع اسطوانات وخمسة عشر حصانًا بسعر 600 دولار أميركي، (أول مثال على سيارة منخفضة التكلفة بمحرك غازي).

بعد أن غمرتها الطلبات، قامت فورد بتركيب معدات إنتاج محسنة وبعد عام 1906 تمكنت من تسليم مئة سيارة يوميًا.

مشجَّعًا بنجاح النموذج إن ، كان هنري فورد مصممًا على بناء (أفضل سيارة للجمهور العظيم). عرض لأول مرة في أكتوبر 1908 الموديل تي المكون من أربع أسطوانات وعشرين حصانًا، وبيع بمبلغ 825 دولار.

سهّل ناقل الحركة الكوكبي ذو السرعتين القيادة، كما أن الميزات مثل رأس الأسطوانة القابل للفصل جعلت من السهل إصلاحه. صُمم هيكلها العالي لإزالة المطبات في الطرق الريفية. جعل فولاذ الفاناديوم سيارة نموذج تي أخف وزنًا وأكثر صلابة، وساعدت الطرق الجديدة في صب الأجزاء (خاصة صب كتلة المحرك) في الحفاظ على انخفاض السعر.

التزامًا بإنتاج الموديل تي بكميات كبيرة، ابتكر فورد تقنيات الإنتاج الضخم الحديثة في مصنعه الجديد في هايلاند بارك، ميشيغان، الذي افتتح عام 1910. في عام 1927 سُحب الموديل تي من الإنتاج، انخفض سعره إلى 290 دولار، وبيعت 15 مليون وحدة منه.


صعوبة نمو صناعة السيارات

اعتمدت تقنيات الإنتاج الضخم لفورد بسرعة من قبل شركات تصنيع السيارات الأميركية الأخرى. الإنفاق المثقل لرأس المال وحجم المبيعات الأكبر الذي استلزمه هذا الأمر أنهى عصر الدخول السهل والمنافسة الحرة بين العديد من صغار المنتجين في الصناعة الأميركية. انخفض عدد مصنعي السيارات النشطين من 253 عام 1908 إلى 44 فقط في عام 1929 ، مع 80% من إجمالي الإنتاج من قبل شركة فورد و جنرال موتورز وكرايسلر.

كان القصد من الطراز تي أن تكون (سيارة مزارع) تخدم احتياجات النقل لدولة مزارعين. فكان مُحتمًا تناقص انتشارها مع تحضر البلاد وخروج المناطق الريفية من الوحل عقب إقرار قانون طريق المساعدات الفيدرالية لعام 1916 وقانون الطريق السريع الاتحادي لعام 1921.

علاوة على ذلك، ظل الموديل تي دون تغيير فترة طويلة بعد أن عفا عليه الزمن تكنولوجيًا. فبدأ مالكوه بالمقايضة بسيارات أكبر وأسرع وأكثر سلاسة وأناقة.


مماطلة بيع السيارات

بحلول عام 1927 كان الطلب على استبدال السيارات الجديدة يتجاوز الطلب من مالكي السيارات لأول مرة ومشتري السيارات المتعددة معًا. نظرًا للدخل اليومي، لم يعد بوسع صانعي السيارات الاعتماد على سوق تتوسع. فبدأ صانعوا السيارات ذات الأسعار المعتدلة البيع بالتقسيط في عام 1916 للتنافس مع الموديل تي، وبحلول عام 1925 بيع نحو ثلاثة أرباع السيارات الجديدة عن طريق الائتمان.

تمكنت مبيعات السيارات بالتقسيط خلال العشرينات من جعل شراء السلع الاستهلاكية الباهظة الثمن، عن طريق الائتمان عادة من الطبقة المتوسطة ودعامة أساسية للاقتصاد الأميركي.


جنرال موتورز تقدم (التقادم المخطط)

تزامن تشبع السوق مع الركود التكنولوجي. كانت الاختلافات الأساسية المميزة لنماذج ما بعد الحرب العالمية الثانية في أواخر العشرينات عن الموديل تي: المحرك الذاتي والهيكل المغلق المصنوع بالكامل من الفولاذ والمحرك عالي الضغط والمكابح الهيدروليكية وغيرها.

الابتكارات المتبقية جاءت في الثلاثينيات. علاوة على ذلك، صنعت السيارات بنفس الطريقة في أوائل الخمسينيات كما كانت في العشرينيات مع بعض الاستثناءات.

لمواجهة تحديات تشبع السوق والركود التكنولوجي، ابتكرت جنرال موتورز تحت قيادة ألفريد ب. سلون في العشرينيات والثلاثينيات، تقادمًا مخططًا للمنتج ووضعت تركيزًا جديدًا على التصميم، يتجلى ذلك في تغير النموذج السنوي التجميلي وهو تغيير كبير يُعتزم إجراؤه كل ثلاث سنوات ليتزامن مع اقتصاديات الحياة الميتة.

الهدف منه، جعل المستهلكين غير راضين بما فيه الكفاية للتبديل إلى نموذج جديد تكلفته أعلى قبل فترة من انتهاء العمر الإنتاجي لسياراتهم الحالية. كانت فلسفة سلون «الهدف الأساسي للشركة، كسب المال، ليس فقط صنع السيارات».

كان يعتقد أنه من الضروري فقط أن تكون سيارات شركة جنرال موتورز «متساوية في التصميم مع أفضل منافسينا، وليس من الضروري التفوق في التصميم أو المخاطرة بالتجارب التي لم تُجرب». لذا، تخضع الهندسة لإملاءات المصممين ومحاسبي خفض التكاليف. أصبحت جنرال موتورز النموذج الأصلي لشركة عقلانية تديرها بنية تقنية.

إلا أن فورد فقدت صدارة المبيعات في مجال السعر المنخفض المربح لصالح شيفروليه عامي 1927 و 1928.

وبحلول عام 1936 استحوذت شركة جنرال موتورز على نسبة 43% من سوق الولايات المتحدة، وتراجعت شركة فورد بنسبة 22% إلى المركز الثالث خلف كرايسلر بنسبة %25.

على الرغم من انهيار مبيعات السيارات خلال فترة الكساد الكبير، كان بإمكان سلون التباهي بشركة جنرال موتورز التي لم تفشل في تحقيق الربح في أي عام. (حافظت جنرال موتورز على ريادتها في الصناعة حتى عام 1986 عندما تجاوزتها شركة فورد في الأرباح).


الحرب العالمية الثانية وصناعة السيارات

لعبت صناعة السيارات دورًا حاسمًا في إنتاج المركبات العسكرية والعتاد الحربي في الحرب العالمية الأولى.

خلال الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى إنتاج عدة ملايين من المركبات العسكرية، صنعت الشركات الأميركية المصنعة للسيارات نحو خمسة وسبعين قطعة عسكرية أساسية، أغلبها لا يتعلق بالسيارات. بلغت قيمة هذه المواد 29 بليون دولار، أي خمس الإنتاج الحربي للدولة.

بسبب توقف تصنيع السيارات للسوق المدنية في عام 1942 والتقنين الشديد للإطارات والبنزين، انخفض السفر بالسيارات كثيرًا خلال سنوات الحرب. أما السيارات التي خُزنت خلال فترة الكساد، أُصلحت، مما ضمن الطلب الكبير على السيارات الجديدة نهاية الحرب.

أطاحت شركة الثلاثة الكبار بفلسفة سلون في فترة ما بعد الحرب. تكاثرت النماذج والخيارات، وأصبحت السيارات في كل عام أطول وأثقل وأكثر قوة ومزينة بالأدوات مع كلفة أعلى للشراء والتشغيل، وذلك باتباع حقيقة مفادها أن بيع السيارات الكبيرة أعلى ربحًا من السيارات الصغيرة.


صعود صنّاع السيارات اليابانية

كانت الهندسة في فترة ما بعد الحرب مشكوك فيها من ناحية التصميم غير العملي على حساب الاقتصاد والسلامة. تدهورت الجودة لدرجة أنه بحلول منتصف الستينيات كانت السيارات أميركية الصنع تُوصل إلى مشتري التجزئة بمتوسط أربعة وعشرين عيب في الوحدة الواحدة، وكثير منها مرتبط بالسلامة.

علاوة على ذلك، أرباح الوحدة الأعلى التي حققتها ديترويت على (طرادات الطريق) التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز كانت على حساب التكاليف الاجتماعية وأدت لزيادة تلوث الهواء واستنزاف احتياطي النفط العالمي المتضائلة.

انتهى عصر طرادات الطريق الذي أعيد تصفيفه سنويًا بفرض المعايير الفيدرالية لسلامة السيارات (1966)، وانبعاث الملوثات (1965 و1970)، واستهلاك الطاقة (1975)، ومع تصاعد أسعار البنزين عقب الصدمات النفطية عامي 1973 و1979، خاصةً مع تزايد اختراق الولايات المتحدة والأسواق العالمية على حد سواء أولًا من قبل فولكس فاجن الألمانية (باغ) (طراز حديث من تي) ثم من قبل السيارات اليابانية الصغيرة العملية الموفرة للوقود.

بعد أن بلغت ذروتها في 12.87 مليون وحدة قياسية عام 1978، انخفضت مبيعات السيارات الأميركية الصنع إلى 6.95 مليون عام 1982، حيث زادت الواردات حصتها من السوق الأميركية من 17.7% إلى 27.9%.

في عام 1980 أصبحت اليابان المنتج الأقوى للسيارات في العالم، وهو المركز الذي لا تزال تحتله إلى حد اليوم.


شركات صناعة السيارات الأميركية Retool

شهدت صناعة السيارات الأميركية في الثمانينيات إعادة هيكلة تنظيمية ضخمة ونهضة تكنولوجية. أدت الثورات الإدارية والتخفيضات في قدرة المصنع و أعداد الموظفين في شركة جنرال موتورز وفورد وكرايسلر إلى ظهور شركات أصغر أكثر صرامة وأكثر قوة مع نقاط تعادل أقل، ما مكنها من الحفاظ على الأرباح مع أحجام أقل في الأسواق التنافسية.

أُعطيت جودة التصنيع وبرامج تحفيز الموظفين ومشاركتهم أولوية قصوى. أقامت الصناعة عام 1980 برنامجًا مدته خمس سنوات بقيمة 80 مليار دولار لتحديث المصنع وإعادة تجهيزه. حل التصميم الديناميكي الهوائي العملي محل التصميم في استوديوهات ديترويت، وتُخلي عن التغيير التجميلي السنوي. أصبحت السيارات أصغر حجمًا وأكثر كفاءة في استخدام الوقود وأقل تلويثًا وأكثر أمانًا.


إرث صناعة السيارات في الولايات المتحدة

كانت السيارات قوة أساسية للتغيير في أميركا في القرن العشرين. خلال العشرينيات أصبحت الصناعة الأساسية لمجتمع جديد موجه نحو السلع الاستهلاكية. بحلول منتصف العشرينيات احتلت المرتبة الأولى من حيث قيمة المنتج، وفي عام 1982 وفرت واحدة من كل ستة وظائف في الولايات المتحدة.

في العشرينيات أصبحت السيارات شريان الحياة لصناعة البترول، وأحد العملاء الرئيسيين للصناعة المعدنية، وأكبر مستهلك للعديد من المنتجات الصناعية الأخرى. أحدثت هذه الصناعات الفرعية، تحديدًا المعدن والنفط، ثورة بسبب متطلباتها.

حفزت السيارات نمو السياحة والصناعات المتصلة بها، مثل محطات الخدمات والمطاعم والفنادق على جانب الطريق. بلغ تشييد الشوارع والطرق السريعة، وهي من أكبر بنود الإنفاق الحكومي، ذروته عندما افتتح قانون الطرق السريعة بين الولايات لعام 1956 أكبر برنامج للأشغال العامة في التاريخ.

أنهت السيارات العزلة الريفية وجلبت وسائل الراحة الحضرية إلى المناطق الريفية في أميركا. فالمدينة الحديثة مع ضواحيها الصناعية والسكنية المحيطة بها هي نتاج السيارات والشاحنات.

غيرت السيارات الهندسة المعمارية للسكن الأميركي النموذجي، كما غيرت مفهوم وتكوين الحي الحضاري، حررت ربات المنازل من حدود المنزل الضيقة.

في عام 1980، كانت نسبة 87.2% من الأسر الأميركية تمتلك سيارة أو أكثر، و%51.5 تمتلك أكثر من سيارة، %95 من مبيعات السيارات المحلية كانت للاستبدال. مع أن ملكية السيارات أصبحت عالمية تقريبًا، السيارة لم تعد قوة تدريجية للتغيير.

بل إن القوى الجديدة: الوسائط الإلكترونية والليزر والحاسوب والروبوت الذي ربما يكون أهمها ترسم خريطة للمستقبل.

فترة من التاريخ الأميركي من الممكن تسميتها عصر السيارات تذوب في عصر جديد من الإلكترونيات.


(من المصدر)


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024