منذ سنتين | صحف / الجمهورية

وسط الدخان الأسود العابق في الاجواء الداخلية، تنشط الحركة ‏الديبلوماسية في محاولات متجددة لإيقاظ تأليف الحكومة من حال ‏الموت السريري الذي دخلت فيه منذ ما يقارب التسعة أشهر.‏
‏ ‏
الحركة الديبلوماسية الاميركية والفرنسية والسعودية التي تكثفت في ‏بيروت بعد "الاجتماع الثلاثي" بين وزير الخارجية الأميركية انتوني ‏بلينكن ووزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ووزير الخارجية ‏السعودية فيصل بن فرحان، تتسرّب عنها تأكيدات لجهة التعجيل ‏بتشكيل حكومة مهمة وفق مندرجات المبادرة الفرنسية تشرع في ‏إصلاحات تلبّي تطلعات الشعب اللبناني.‏


ولفتت مصادر موثوقة الى ما اعتبرتها أجواء ديبلوماسية شديدة ‏الأهمية تعكسها أجواء اللقاءات بين سفراء الإجتماع الثلاثي، خصوصاً ‏بين السفيرة الاميركية دوروثي شيا والسفير السعودي في لبنان وليد ‏البخاري. وقالت هذه المصادر لـ"الجمهورية": "وفقاً لكلام موثوق ‏سمعناه مباشرة من المعنيين المباشرين بهذه اللقاءات، فإنّ واشنطن ‏والسعودية على خط واحد وموقف واحد في ما خَص حفظ الاستقرار ‏في لبنان والتعجيل في الاتفاق على حكومة إصلاحات فورية".‏


ولفتت المصادر الموثوقة ايضاً الى انّ الكلام الديبلوماسي الذي ‏يشجّع على تشكيل حكومة سريعاً، لا يلمّح من قريب أو بعيد إلى ‏وجود أيّ "فيتوات" مطروحة من قبل جهات دوليّة أو اقليميّة على أيّ ‏كان في رئاسة الحكومة في لبنان، وتحديداً على الرئيس المكلف سعد ‏الحريري، مشيرة الى انّ ترويج هذه "الفيتوات" مصدره لبناني.‏
ونقلت المصادر عن سفير دولة عربية كبرى قوله انّ بلاده "تضع لبنان ‏في رأس أولوية اهتماماتها، ولدينا ملفات وخطط جدية جاهزة ‏لمساعدة لبنان والقيام باستثمارات ضخمة فيه بمليارات الدولارات، إلا ‏أنها تحاذر التوجّه نحو لبنان في ظل الظروف التي يعيشها هذا البلد، ‏سواء على مستوى الفساد الرهيب في مؤسسات الدولة اللبنانية، او ‏على المستوى السياسي الذي يُعاكس مع الأسف مصلحة لبنان ‏واللبنانيين، ويُسيء الى علاقات لبنان بأصدقائه واشقائه العرب. هذا لا ‏يعني اننا مكتوفين حيال مساعدة الشعب اللبناني الذي نعتبر أنفسنا ‏ملزمين في تقديمها له لتخطي الازمة الصعبة التي يعانيها".‏
‏ ‏
باريس: الحريري
في هذا الوقت، قالت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية ‏لـ"الجمهورية": "انّ باريس، ومعها دول الاتحاد الاوروبي لن تتوانى عن ‏ممارسة ضغوط ملموسة على معطّلي الحلول في لبنان"، مشيرة ‏الى انّ اجتماع الوزراء بلينكن ولودريان وبن فرحان "أرسل اشارة ‏واضحة وعاجلة الى المسؤولين في لبنان لحسم ملف تأليف الحكومة. ‏وانّ سياسة التعطيل المتّبعة منذ أشهر طويلة تتسَبّب بمزيد من ‏انهيار الشعب اللبناني، واستمرارها يعني تحدي الاسرة الدولية بأسرها، ‏ولذلك عواقب وخيمة على المعطلين".‏
ورداً على سؤال عن إمكان اعتذار الرئيس المكلف، قالت المصادر ‏الديبلوماسية: "لا معطيات لدى الادارة الفرنسية تؤكد حصول هذا ‏الامر، بل على العكس ثمّة معطيات تؤكّد عكس ذلك".‏


ولفتت المصادر الى انّ باريس "لم تعطِ اي اشارة الى تخلّيها عن ‏دعمها للحريري في رئاسة الحكومة، صحيح أنّ غيمة سوداء طغت في ‏سماء العلاقة معه بسبب رفضه التجاوب مع دعوة الرئيس ايمانويل ‏ماكرون لعقد لقاء بينه وبين النائب جبران باسيل، الا انّ ذلك لم يبدّل ‏في موقف باريس لجهة الاصرار على حكومة مهمّة بصورة عاجلة، ‏وهي بالتالي تشدّد على الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري ‏التفاهم على حكومة في أسرع وقت ممكن".‏


ورداً على سؤال حول مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري قالت ‏المصادر: "مبادرة رئيس مجلس النواب اللبناني تكمّل المبادرة ‏الفرنسية، وباريس أعلنت تأييدها هذا المسعى في وضوح، لأنه يصبّ ‏في النهاية في هدف تشكيل حكومة تلبّي تطلعات اللبنانيين وتُشرع ‏في تطبيق الاصلاحات الانقاذية لبلد صار وضعه شديد الصعوبة، ‏وهذا ما يجب أن يَعيه القادة في لبنان ويغلّبوا مصلحة بلدهم على ‏مصالحهم الذاتية وحساباتهم السياسية والحزبية. لقد آن الأوان ‏ليتحمّلوا مسؤولياتهم".‏
‏ ‏
قطر على الخط
في موازاة ذلك، يَبرز الدخول القطري المباشر على هذا الخط ‏الحكومي، من خلال زيارة وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن ‏آل ثاني الى بيروت اليوم، لإجراء محادثات مع رئيس الجمهورية العماد ‏ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف سعد ‏الحريري. وأدرجت قناة "الجزيرة" هذه الزيارة في إطار مساعي قطر ‏للمساعدة في حلحلة الازمة السياسية في لبنان.‏


وعَوّلت مصادر مسؤولة على زيارة الوزير القطري، لما تشكّله قطر ‏في هذه المرحلة من نقطة تقاطع اميركية ـ فرنسية ـ سعودية ـ ايرانية، ‏وقالت لـ"الجمهورية": "إنّ زيارة وزير الخارجية القطرية للبنان لا ‏نستطيع عزلها عن "اللقاء الثلاثي" بين وزراء خارجية الولايات المتحدة ‏وفرنسا والسعودية، ومن هنا ننظر إليها على أنّها بالغة الأهميّة، وقد ‏تؤسّس لانفراج، لكنّ الشرط الأساس لذلك يبقى في تجاوب اللبنانيين ‏مع الرغبة الدولية والعربية في بلورة حلول ومخارج سريعة للمعضلة ‏الحكومية القائمة".‏
ونقل قريبون من بري تأكيده أنّ زيارة وزير الخارجية القطري لبيروت ‏اليوم تكتسب أهمية، آملاً في أن تكون لها انعكاسات إيجابية، علماً انّ ‏بري سيستقبل الزائر القطري مساء.‏


وبالنسبة إلى الملاحقة القضائية لبعض النواب في ملف انفجار مرفأ ‏بيروت، شدّد بري على انه سيطبّق القانون ولن يقف عائقاً أمام رفع ‏الحصانة وفق الاصول المعتمدة.‏
امّا في الشأن الحكومي، وفيما تضاربت المعلومات عن انّ بري التقى ‏الحريري في عين التينة مِن عدمه أمس، فإنّ الاتصالات ستنشط خلال ‏الساعات المقبلة تحت سقف مبادرة بري ومظلة "حزب الله"، فيما ‏يبدو أنّ الضغط يزداد على الحريري لحسم خياره في أقصر وقت ‏ممكن، سواء في اتجاه الاعتذار او في اتجاه رفع تشكيلة جديدة من 24 ‏وزيراً الى رئيس الجمهورية بعد تدوير زوايا عقدتَي تسمية الوزيرين ‏المسيحيين وحصول الحكومة على ثقة تكتل "لبنان القوي".‏
‏ ‏
‏"أمل" لقرارات جريئة
الى ذلك، نبّهت حركة "أمل" من "خطورة تخلّي الدولة عن دورها في ‏ترك الناس فريسة للمحتكرين الذين يمنعون عنهم سِلعهم الحياتية ‏الضرورية من محروقات وكهرباء وخبز ودواء، ويبتزّونهم برفع أسعارها"، ‏وقالت: "أصبح كل ملفٍ يشكّل أزمة قائمة في حد ذاتها يَستصرخ ‏المواطن فيها ضمائر المعنيين من دون أن يلقى أي صدىً لصرخاته ‏وآلامه، بل يستمر في اتخاذ القرارات الترقيعية الجزئية التي لا يمكن أن ‏تصل إلى مستوى الحلول الناجعة، وكأنّ حكومة تصريف الاعمال ‏ووزاراتها استسلمت أمام المافيات الاحتكارية المنظمة خوفاً أو تآمراً ‏على مصالح الناس، وقرّرت ترك أعظم مهماتها في حَمأة الأزمة ‏الاقتصادية، فعجزت عن إيجاد الحلول التي تحدّ من التداعيات السلبية ‏للأزمة، والتي لا تتطلب جهداً أكثر من تنظيم وصول حاجات الناس ‏إليهم ومنع المحتكرين من التلاعب والاستغلال".‏


واعتبرت الحركة في بيان لمكتبها السياسي "انّ الكل مطالب بتفعيل ‏دوره لمواجهة الأزمة واتخاذ قرارات جريئة بدلاً من الاستمرار في ‏توصيف الواقع المزري الذي وصلت اليه الحال على الصعد كلها". ‏واكدت "انّ المطلوب فتح انسداد الأفق السياسي والكَف عن المراوحة ‏في دوامة الأزمة بالتوجّه إلى باب الحل المطروح وإنجاز تشكيل ‏حكومة واعادة بناء ثقة العالم بلبنان ودوره، والاستماع الى صوت ‏العقل والمنطق، والى النداءات التي تريد خير لبنان، وآخرها نداء ‏قداسة البابا فرنسيس والاسراع الى ملاقاة دعوته وما تضمنته من ‏صلاة وتضرّع في دعوة صادقة من أهل الارض لرب السماء، من أجل ‏إنقاذ لبنان واللبنانيين، ذلك الدعاء وتلك النوايا الصادقة تستوجب ‏العمل الصادق لإنقاذ لبنان والإبتعاد عن "النكد المتحور"، ليبقى لبنان ‏الوطن الرسالة".‏


بدوره، قال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في افتتاح ‏اللقاء الوطني الاعلامي أمس، إنّ الأزمة الحكومية في لبنان "ناتجة ‏من أزمة سياسية وفساد مُستشر وسرقات واحتكار بلا حدود".. معتبراً ‏‏"انّ السبب الأساسي للأزمة هو الحصار الأميركي الذي يريد أن يعاقب ‏ويمنع أي مساعدة تأتي إلى لبنان". وقال: "السفيرة الأميركية التي ‏تخرج وتُنظّر على اللبنانيين، حكومتها هي التي تمنع أي مساعدة ‏للبنان، كما أنّ إدارة بلادها هي التي تهدد بالعقوبات وهي التي تمنع ‏لبنان الاستعانة بأيّ صديق شرقي". وسأل: "أليست الإدارة الأميركية ‏هي التي تمنع المصارف اللبنانية من إحضار أموالها من الخارج"؟ ‏واشار الى أن ّالهدف من الحصار الأميركي هو إثارة الشعب اللبناني ‏وبيئة المقاومة على المقاومة، مشدداً على أنّ الشريك في تدمير ‏العملة اللبنانية هي السفارة الأميركية.‏


وحول ملف تأليف الحكومة قال نصرالله: "من المفترض أن تكون هذه ‏الأيام حاسمة لتشكيل الحكومة، حيث يمكن للقاءات التي ستعقد ‏اليوم (أمس) وغداً (اليوم) وبعد غد (غداً) أن ترسم المسار الحكومي ‏في شكل واضح".‏
وفي قضية تفجير مرفأ بيروت، أسف نصرالله أن يعرف المدعى عليهم ‏في قضية مرفأ بيروت عبر الاعلام. وسأل: "هل هناك عمل قضائي ‏حقيقي أم استهداف سياسي في مسألة المرفأ؟". كذلك رأى "أنّ ‏العدالة ما زالت بعيدة والحقيقة ما زالت مخفية في القضية".‏
‏ ‏
جريمة المرفأ
قضائيّاً، أحال النائب العام العدلي بالتكليف في جريمة انفجار مرفأ ‏بيروت القاضي غسان الخوري طلبات المحقق العدلي القاضي طارق ‏البيطار الى المجلس النيابي برفع الحصانة عن النواب علي حسن ‏خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، والأذونات من نقابة المحامين في ‏طرابلس في حق المحامي يوسف فنيانوس ونقابة المحامين بيروت ‏في حق خليل وزعيتر، ورئيس مجلس الوزراء لجهة المدير العام لأمن ‏الدولة اللواء طوني صليبا، ووزير الداخلية لجهة المدير العام الأمن ‏العام اللواء عباس إبراهيم، كلّ الى مرجعه المختص، بحسب ما أفادت ‏‏"الوكالة الوطنية للاعلام" الرسمية.‏
وعلمت "الجمهورية" انّ مجلس النواب تَسلّم قبل نهاية الدوام ‏الرسمي امس طلبات رفع الحصانة عن النواب الثلاثة، عبر وزيرة ‏العدل. ويفترض أن تسلك هذه الطلبات مسارها، بحيث يُعقد اجتماع ‏مشترك لهيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الادارة والعدل لدرس هذه ‏الطلبات واتخاذ الموقف المناسب في شأنها، ومن ثم يُحال الى الهيئة ‏العامة لمجلس النواب للتصويت عليه بأكثرية نسبية من بين عدد ‏النواب الحضور، وليس بأكثرية موصوفة.‏
‏ ‏
خطة تقشّف غير مُعلنة
من جهة ثانية بدأت تتضِح خطة التقشف التي يتّبعها مصرف لبنان ‏المركزي لخفض الانفاق من الاحتياطي الالزامي قدر المستطاع. وبعد ‏انحسار الدعم بنحو كامل عن المواد الغذائية باستثناء الطحين، واختفاء ‏السلع المدعومة من على رفوف المحلات، واجَه البلد أزمة فقدان ‏الادوية، ولا سيما منها ادوية الامراض المستعصية. وقد نجح المركزي ‏في الحصول على تعهّد تمّ بموجبه خفض لائحة الادوية المطلوب من ‏وزارة الصحة أن تدعمها من مليار و200 مليون دولار سنوياً، الى نحو ‏‏400 مليون دولار. لكنّ المفارقة انّ الادوية باتت مفقودة منذ فترة، ما ‏أدى الى رواج "تجارة الشنطة"، حيث يتم جَلب الادوية من تركيا ‏بأسعار مقبولة، مع تسجيل ارباح بالدولار الطازج لهؤلاء التجار الذين ‏يتولون هذه العملية.‏


في المقابل، ورغم رفع سعر صفيحة البنزين، وتغيير سعر الدعم من ‏‏1500 ليرة الى 3900 ليرة، استمرت أزمة الطوابير امام المحطات. وفي ‏المعلومات انّ هذه الأزمة ستستمر من حيث المبدأ، ولو انها ستنفرج ‏لفترة ومن ثم تتأزم، لأنّ المشكلة مرتبطة بالترشيد غير المعلن الذي ‏يمارسه مصرف لبنان لجهة فتح الاعتمادات. وهذا الوضع مرشّح ‏للاستمرار في الاشهر المقلبلة، بما يعني ان لا حل لأزمة الاذلال امام ‏المحطات سوى بنحو جزئي وظرفي.‏


مقابل هذا المشهد القاتم، برزت أزمة فقدان السيولة بالليرة كأزمة ‏مستجدة تهدّد بزيادة الضغط على المواطنين، خصوصاً بعد إقدام ‏مصارف على خفض سقوف السحوبات، واشتراط أخرى على ‏المؤسسات ان تؤمّن رواتب موظفيها نقداً، بما سيؤدي الى خلق أزمة ‏ستكون معها المؤسسات امام خيارين أحلاهما صعب: إمّا ان تبيع ‏شيكاً بحسم 20 % أو اكثر للحصول في مقابله على السيولة، وإمّا ان ‏تدفع لموظفيها بموجب شيك بما سيضطرّ الموظف الى بيع الشيك ‏وفقدان اكثر من 20 % من قيمته. كما انّ استمرار هذا الوضع قد يؤدي ‏الى رواج تجارة الشيكات، وارتفاع نسبة الحسم فيها بحيث انّ الحصول ‏على السيولة نقداً قد يصبح مُكلفاً اكثر، وترتفع النسبة التي يتقاضاها ‏تجار الشيكات، بما قد يُلحق ظلماً إضافياً بالمواطنين.‏
‏ ‏
وقفات احتجاجية
وعلى صعيد الشارع، عقدت مجموعات من الحراك المدني مؤتمراً ‏صحافياً عند مدخل المجلس النيابي قبالة بلدية بيروت، تحت عنوان ‏‏"صرخة ونداء" تحضيراً لتحركات مركزية في مناطق عدة من لبنان. ‏وقالت: "لأنّ الشعب مصدر السلطات علينا كشعب لبناني ان نوحّد ‏الرؤية والتحرك والتمسّك بملكية الدولة اللبنانية والانتفاض في وجه ‏هذه المنظومة، والانتفاضة والتعبير بكل الوسائل المتاحة هما حق ‏وواجب وطني، من ارتياد الساحات يومياً ودوماً، وإقفال المحال ‏التجارية والإضراب العام". ودعت الى أوسَع مشاركة في التحركات ‏والتسكير العام ووقفات احتجاجية على كافة الاراضي اللبنانية، في ‏تحركات لامركزية ابتداء من اليوم.‏


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024