هل يمكن للرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، ضمن سلسلة القرارات التي سارع بإلغائها في الساعات الأولى لولوجه البيت الأبيض، التراجع عن قرار دونالد ترامب بالاعتراف بمغربية الصحراء الغربية؟

هذا السؤال الذي يشغل بال الرأي العام المغربي، هو الترقب ذاته لدى حكام الجزائر، وإن كان بحدة مناقضة وتوتر أكبر، ففي الجزائر تمنوا لو كان قرار إلغاء اعتراف ترامب بين القرارات التنفيذية الأولى التي أقدم بايدن على إبطالها، وفي مقدمتها ما يتصل بجائحة كورونا وبمرسوم الهجرة واتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية.

لكن ما تزال عشرات الأوامر التنفيذية والقوانين التي سيحيلها الرئيس بايدن على الكونغرس في القادم من الأيام، بهدف العدول عن بعض السياسات الاستعراضية والصدامية التي تحمل توقيع سلفه. ما وصف بانقلاب على إرث "المرحلة الترامبية".

فهل سيكون من بينها القرارات المؤجلة قرار اعتراف ترامب بمغربية الصحراء الغربية؟. وبمقتضى فرضية إصدار بايدن لقرار مناقض لاعتراف ترامب، هل بإمكان المغرب التراجع عن تطبيعه مع إسرائيل؟ خصوصا وأن الرباط لم توقع على "اتفاقية إيراهيم"، كما فعلت أبوظبي والمنامة والخرطوم. فلم يحصل في المغرب احتفاء رسمي واضح بالتطبيع مع إسرائيل.

كما أن الإعلام الرسمي والموالي سلط الضوء أكثر على الاعتراف الأميركي بالصحراء الغربية، مقلصا اهتمامه بالتطبيع. وكان هناك إلحاح على أن "التطبيع" كلمة غير مناسبة في الحالة المغربية، إذ سبق فتح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط، قبل إغلاقه عام 2000، لكن العلاقة تواصلت خلف الكواليس.

خارطة مبتورة وقنصلية افتراضية

ما يبدو أنه "تريثٌ" ميز الرباط في إرساء علاقات دبلوماسية كاملة مع تل أبيب، فسره محللون برغبة مغربية في عدم الاستعجال حتى "تقر الإدارة الأميركية الجديدة بسيادة المغرب على صحرائه"، وهدأة الشارع المغربي المرتبط بالقضية الفلسطينية.

هكذا تتبع المغاربة، مراسم أقيمت في السفارة الأميركية بالرباط، حيث قام السفير الأميركي ديفيد فيشر بتوقيع خارطة جديدة للمغرب اعتمدتها بلاده، وأشار السفير إلى أنها خارطة تضم كامل أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها منذ عقود بين المغرب وجبهة بوليساريو. وصرح أن الخريطة الموقعة "ستقدمّ إلى الملك محمد السادس" الذي "بحكمته وبعد نظره اعترف بإسرائيل".

وفي الوقت الذي ظهر فيه على الشاشات بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وخلفه خارطة للمغرب مبتورة، مباشرة بعد اتصاله الهاتفي مع محمد السادس. ما أثار ردود فعل غاضبة في المغرب، اضطر بعدها الإسرائيليون إلى تقديم الاعتذار، وبأنه "لم تكن هناك خارطة جديدة متوفرة حينها لا تضم الخط الفاصل بين المغرب وصحرائه".

ثم أتى بيان لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بأن القنصلية الأميركية في الداخلة ستكون في البدء افتراضية تدار من السفارة في الرباط، وأن واشنطن ستواصل "دعم المفاوضات السياسية لتسوية الخلافات بين المغرب والبوليساريو في إطار خطة الحكم الذاتي المغربية". لتطفو على السطح استفهامات حول مدى ارتباط الأميركيين بتنفيذ التزاماتهم قبل نهاية يناير 2021.

وسرعان ما تم التخفيف من الضغط النفسي الذي خلفه فتور ما بعد الاتفاق الثلاثي، بوصول أول مسؤول أميركي رفيع يزور الصحراء الغربية عقب اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب عليها، وهو مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دافيد شينكر، بصحبة السفير دفيد فيشر، ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، للإشراف على حفل فتح القنصلية الأميركية في الداخلة بالصحراء. بالمناسبة أكد بوريطة على التعاون المغربي الأميركي لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وعلى الرؤية المنسجمة للبلدين حول عدد من القضايا الإقليمية والمواقف حول العلاقات مع إيران والوضع بليبيا.

وحرص المغاربة على ارتداء السفير الأميركي لعباءة "الدراعية" الصحراوية، برفقة زوجته التي لبست "الملحفة" التي ترتديها نساء المنطقة. ومن شدة حماسته أبدى فيشر إعجابه بمدينة الداخلة الساحلية، وقال إنه ينوي شراء بيت بها. إلا أن إدارة بايدن جعلت حدا لمهمته بالرباط. في انتظار تعيين سفير أميركي جديد بالمغرب.

في الجانب الآخر، كان لاعتراف ترامب بمغربية الصحراء وقع الصدمة على القادة الجزائريين وعلى جبهة البوليساريو. إذ انطلقت الانتقادات لهذا القرار الذي اعتبر "أحاديا" اتخذه الرئيس ترامب، قبل أن يبدأ الكلام والتمنيات حول إمكانية تراجع الرئيس جو بايدن عن اعتماده.

خلال زيارة دفيد شينكر إلى الجزائر، دعا وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم، واشنطن إلى التزام "الحياد" على الصعيدين الإقليمي والدولي. وكان رد شينكر: "لكل إدارة الحق في تقرير سياستها الخارجية".

ويوم تنصيب بايدن في 20 يناير 2021، حرص الوزير بوقدوم في تغريدة له بـ"تويتر" على تذكير الأميركيين بمناسبة مرور 40 سنة على تحرير الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى إيران سنة 1981، بفضل "المجهودات الدبلوماسية الجزائرية الشاقة"، حيث ساهمت الوساطة الجزائرية في إيجاد حل سلمي لهذه المسألة.

من جهة أخرى، روجت مصادر إعلامية، أن بايدن سيلغي قرار ترامب بمجرد توليه السلطة. وبعد 20 يناير انتشرت إشاعة أن إدارة بايدن حذفت بيان اعتراف الرئيس السابق ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية من على موقع البيت الأبيض. قبل أن يتضح أن الأمر يتعلق بإحالة جميع قرارات وبيانات إدارة الرئيس السابق إلى الأرشيف مباشرة بعد تولي الرئيس الجديد. نفس الإجراء يعتمد في وزارة الخارجية الأميركية، حيث تنقل قرارات الإدارة السابقة إلى الأرشيف، ومن ضمنها القرارات ذات الصلة بالصحراء الغربية.

ثم كبر التخوف والوسوسة من أن تعمد واشنطن إلى اعتبار جبهة البوليساريو منظمة إرهابية، وطرحت أسئلة حول وجود خطة لحضور عسكري أميركي في الصحراء الغربية، تليها إقامة قاعدة عسكرية في الإقليم. وهو ما نفاه ديفيد شينكر، بالتأكيد على أن "الولايات المتحدة لن تنقل مقر قيادة أفريكوم (القوات الأميركية بأفريقيا) إلى الصحراء الغربية".

إساءة ترامب وعقلانية بايدن

في برقية التهنئة التي بعثها الرئيس الجزائري إلى الرئيس الأميركي الجديد، أكد عبد المجيد تبون استعداده للعمل على "توطيد العلاقات الثنائية" و"رفع التحديات" التي تواجه البلدين في إطار الحوار الاستراتيجي بينهما.

لكن العلاقات الجزائرية - الأميركية تشهد منذ سنوات فتورا ملحوظا، خصوصا مع اعتماد الجزائر النموذج السوفياتي، الذي ورثته روسيا. أما على المستوى الاقتصادي فتهيمن في الجزائر الاستثمارات الصينية والروسية والتركية. مع تراجع كبير في توجهها للتسليح الأميركي، تاركة المجال للمغرب ليصبح أول زبون لواشنطن بهذا الشأن في شمال إفريقيا.

إضافة إلى الرفض الجزائري لقرار ترامب بشأن الصحراء الغربية، ارتفعت أصوات داخل الجزائر تقول بأن الأمن القومي الجزائري بات مهددا بعد وصول الكيان الإسرائيلي إلى حدوده".

لقد أساء الرئيس ترامب للعلاقات الجزائرية - الأميركية"، يقول جزائريون، وأن اعترافه المفاجئ بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابِل التطبيع مع إسرائيل، مثَّل ضربة قوية لعلاقة الصداقة والتعاون بين البلدين. لذلك بدأت المراهنة على عقلانية بايدن بتمتين العلاقات مع الجزائر من بوابة التعاون العسكري والأمني كمدخل لعلاقات اقتصادية قوية، في إطار المواجهة الاستراتيجية للولايات المتحدة للمد الروسي والصيني بالمغرب العربي وشمال إفريقيا التي تغطيها هيمنة فرنسية.

وأرجعت بعض القراءات "انحياز إدارة الرئيس ترامب إلى الرباط"، إلى قطع المغرب علاقاتها مع عدو أميركا: إيران. وأن الجزائر ارتكبت خطأ قاتلا عندما سمحت لحزب الله اللبناني تدريب قوات البوليساريو.

وعلى الرغم من تأكيد الطرفين الجزائري والأميركي على العلاقة بين البلدين طبيعية، واستمرار الأميركيين اعتبار الجزائر شريكاً أساسياً في مكافحة الإرهاب والحفاظ على استقرار المنطقة، فإن الجزائر بقيت خارج حسابات ترامب، إلى اللحظة التي وافق فيها هذا الأخير على مغربية الصحراء. مما سيشكل عائقا امام تطوير العلاقات الثنائية، إذا ما تمسك الرئيس جو بايدن بـ"القرار".

كما سوق الإعلام الجزائري لمواقف شخصيات أميركية انتقدت بشدة قرار ترامب. من بينها ما أدلى به جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، الذي وصف قرار الرئيس ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية بـ"تقويض خطير" لعقود من السياسية الأميركية تجاه قضية الصحراء.

وأوضح بولتون، أنه "كان من الممكن التوصل إلى اتفاق إسرائيلي - مغربي دون التخلي عن التزام الولايات المتحدة بالاستفتاء حول مستقبل الصحراء الغربية".

وأضاف أن ما سيفعله المغرب رداً على سياسةٍ جديدة من بايدن، لن يُؤثّر على إسرائيل كثيراً. لأن الصحراء الغربية لا تمثل قضيةً لإسرائيل... بل إن إلغاء بايدن لقرار ترامب لن يؤثر على التطبيع مع إسرائيل" حسب بولتون دائما.

الحل الأميركي الأمثل لقضية الصحراء

يترقب خبراء أميركيون أن يلجأ الرئيس الأمريكي الجديد لنفس الاستراتيجية التي تبناها سلفه باراك أوباما، عندما كان بايدن إلى جانبه نائبا للرئيس.

إن حل قضية الصحراء رهن بتفعيل الاتحاد المغاربي للإسهام في تنمية بلدانه والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.

ففي عهد باراك أوباما صدرت وثيقة هامة سنة 2009 بعنوان: "لماذا تستحق المنطقة المغاربية الاهتمام: المعاهدات والفرص والخيارات من أجل التزام أميركي حقيقي في شمال إفريقيا". أعدها مستشارون للرئاسة الأميركية، ضمن دراسة آفاق تغيير التعاطي الأميركي مع المغرب العربي لجعله "منطقة اهتمام استراتيجية"، أسْـوة بالشرق الأوسط، وليس مجالا ثانويا مُلحقا. صدرت عن معهد بوتوماك للدراسات السياسية في جامعة أرلينغتن وبرنامج إدارة النزاعات في جامعة جون هوبكينز بواشنطن، تحت اسم "مشروع ورقة عن سياستـنا في شمال إفريقيا". ولفتت الوثيقة الانتباه إلى أن شمال إفريقيا بقي يُنظر إليه في الولايات المتحدة على أنه مِـنطقة تخضع للمسؤولية الأوروبية "على رغم عراقة علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة وأهميتها، من حيث موارد الطاقة والأمن والاستقرار والتجارة والتنمية، وعدة مجالات أخرى".

ورأى الفريق، الذي صاغ الدراسة أن "الحلّ القائم على حُـكم ذاتي في إطار السيادة المغربية، هو خيار قابل للحياة ومؤهّـل للتطبيق، وقد حظِـي بوفاق بين الحزبيْـن الجمهوري والديمقراطي وبتزكية الإدارات الأميركية السابقة".

لدى موافقة الكونغرس على تعيينه وزيرا للشؤون الخارجية، صرح أنتوني بلينكن بأن الولايات المتحدة الأميركية تدعم اتفاقيات السلام بين إسرائيل ودول الجوار وسنبنى عليها مستقبلا".

ما يفيد أن أي كلام عن تراجع بايدن عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، أو احتمال تراجع المغرب عن التطبيع مع إسرائيل، يبقى مجرد تكهنات ورجما بالغيب، وهو أمر مستبعد، إضافة إلى أدوار اللّوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية لفائدة المصالح المغربية. لذلك يبقى قرار ترامب في هذا السياق قرارا ذو طابع استراتيجي بعيد المدى في السياسة الخارجية الأميركية.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024