بين اللهجة الدبلوماسية التي اعتمدها وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان مع كبار المسؤولين (الرؤساء ميشال عون ونبيه برّي وحسان دياب)، والمكاشفة المباشرة لمن التقاهم، سواء وزير الخارجية ناصيف حتي، أو البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أو حتى رئيس مؤسسة «عامل» الدكتور كامل مهنا، والتي تضمنت أسئلة بلا اجوبة:
1 - ماذا ينتظر المسؤولون للبدء بالاصلاحات؟
2 - لماذا لم يقطع المسؤولون للوزير الفرنسي- الصديق- أية وعود، أو مهل للانتقال من الأقوال إلى الأفعال؟
3 - التباطؤ اللبناني في الشروع بالاصلاحات، بعد ستة أشهر من تأليف الحكومة الحالية.
الوزير لودريان أبلغ من التقاهم، بصورة حميمية، انه اسمع المسؤولين كلاماً عنيفاً جداً لجهة التباطؤ... وقال: ما فيهم يكملوا هيك، في إشارة إلى أداء الحكومة..
وخلال زيارة إلى «مؤسسة عامل الدولية»، المنظمة غير الحكومية التي تقوم ببرامج صحية وتعليمية، بدا لودريان أكثر قسوة تجاه المسؤولين اللبنانيين.
وقال «أكثر ما يذهلنا هو عدم استجابة سلطات هذا البلد» للأزمة الراهنة، مضيفاً «زيارتي بمثابة إنذار.. قرأت في الصحف اللبنانية أن لبنان ينتظر لودريان(...) لا، فرنسا هي التي تنتظر لبنان، تنتظر منه أن يأخذ المبادرات وهي جاهزة لدعمها».
وشدد على أن «المهم أن يحظى هذا البلد بثقة شركائه. اليوم هذه الثقة مفقودة».
وحذر لودريان بعد لقائه حتّي بأن «لا بديل لبرنامج صندوق النقد الدولي للسماح للبنان بالخروج من الأزمة»، مشدداً على ضرورة إعادة إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد، التي شهدت تباينات بين المفاوضين اللبنانيين أنفسهم، إن كان حول حجم الخسائر المالية أو إصلاح القطاع المصرفي.
وتطرق لودريان بشكل أساسي إلى قطاع الكهرباء، الذي كبّد خزينة الدولة اللبنانية أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، فصرح «أقولها بوضوح، ما تم حتى الآن في هذا المجال ليس مشجعاً».
وفي بكركي أكدت مصادر المجتمعين ان الوزير الفرنسي أكّد للبطريرك وقوف فرنسا الدائم مع لبنان سياسياً واقتصادياً.
وقالت المصادر لـ «اللواء» ان الزائر الفرنسي كرّر امام البطريرك الماروني ان الوقوف إلى جانب لبنان يجب ان يقترن مع خطوات معينة عليه ان يقوم بها، اننا دائما نسمع من المسؤولين عن إصلاحات ولكن لم نر بعد هذه الإصلاحات.
وكشفت ان الوزير الفرنسي أبلغ الراعي انه كان عنيفاً جداً في كلامه مع المسؤولين وانه ابلغهم بأنهم لا يستطيعون ان «يكملوا هيك»، مستغرباً كيف ان لدى لبنان كل مقومات النجاح، فيما المسؤولين فيه يتركونه يغرق.
وأكّد الوزير الفرنسي للراعي ان الوضع في لبنان يُشكّل حالة غير مألوفة في أي دولة، وقال: هل يعقل ان تقدّم الدول 11 مليار دولار للبنان، فيما الدولة التي رصد لها هذا المبلغ لا تقوم بأي مبادرات لتظهر جديتها في القيام باصلاحات.
وقد اعرب لودريان عن استيائه للوضع الراهن، وأبلغ الراعي انه أخذ وعوداً من المسؤولين بتنفيذ ما هو مطلوب، لكن فرنسا لن تحكم على الوعود بل على الأفعال.
وحسب بيان بعبدا، فإن البطريرك الراعي تناول «الظروف اللبنانية والاقليمية التي شجعته على طرح مشروع الحياد الايجابي والناشط في سبيل انقاذ لبنان، خصوصا وان لبنان تاريخيا هو بلد محايد ولطالما ادت سياساته السابقة المحايدة الى درء الاخطار العسكرية والسياسية والاقتصادية عنه، ما ادى الى ازدهاره وتميزه في محيطه».
واشار ايضا الى ان «نظام الحياد يقتضي قيام دولة قوية بمؤسساتها وجيشها لتتمكن من حل القضايا الداخلية العالقة والدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله».
من جهته عبر الوزير لودريان عن تقديره لـ«مبادرة البطريرك الراعي، لاسيما وان سيادة لبنان التي تتمسك بها فرنسا تستلزم ان يكون لبنان بلدا محايدا بعيدا عن الصراعات والمحاور» مؤكدا ان «لبنان يملك كل المقومات للنهوض من جديد».
وقالت مصادر ديبلوماسية مواكبة لزيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى لبنان إنها جاءت خالية من اي مبادرة سياسية او اي مسعى فرنسي كان لاخراج لبنان من ازمته، في حين أن مضمون لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين لم يخرج عن ثوابت الموقف الرسمي الفرنسي تجاه لبنان والذي اعلنه قبيل هذه الزيارة، وانما كان بمثابة إعادة تكرار وشرح من دون أي تغيير مع التشديد على التزام فرنسا بدعم سيادة واستقلال ووحدة لبنان وصيغة العيش المشترك بين جميع اللبنانيين.
وكشفت المصادر ان الوزير الفرنسي كان في منتهى الصراحة مع جميع من التقاهم بقوله، ان من يعتقد بحصول لبنان على مساعدات مالية دولية من دون القيام باتمام الاصلاحات المطلوبة فهو واهم وغير مطلع على حقيقة الموقف الفرنسي بهذا الخصوص.
واشارت الى ان ما ذكره لودريان في رده على أسئلة الصحفيين بالشروط والمطالب الواجب على الحكومة اللبنانية اتخاذها محددا بدايتها من ملف الكهرباء ومنع التهرب الضريبي والجمركي واصلاح القضاء وتقوية اجهزة الرقابة الحكومية بكل ما للكلمة من معنى يشكل المدخل المؤاتي لحصول الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان ليتمكن من المباشرة بحل الأزمة المالية التي يمر بها، مشددا امام جميع من التقاهم ولاسيما الرؤساء الثلاثة بان كل ماقامت به الحكومة بما يتعلق بالاصلاحات هو خطوات خجولة وهزيلة لا تلبي ما هو مطلوب منها فعليا لاعطاء الثقة بصدقية الحكومة والتزامها القيام بما هو مطلوب منه مشددا على وجوب الاسراع بالتنفيذ دون تردد ولاسيما منها مايتعلق بتعيين الهيئات الناظمة في كل من الكهرباء والاتصالات وغيرها نظرا لاهميتها وتاثيرها في اعادة انتظام عمل وزيادة انتاجية هذه المؤسسات ووقف الهدر والاستنزاف لمواردها المالية.
وتتابع المصادر الدبلوماسية ان ملف الكهرباء كان الابرز الذي تصدر جميع اللقاءات التي عقدها لودريان مع المسؤولين ولاسيما مع بري ودياب، وقد استوضح رئيس المجلس النيابي مدى إمكانية استعانة لبنان بالخبرات الفرنسية للنهوض بقطاع الكهرباء في لبنان بسرعة باعتبار ان هذه المشكلة المزمنة لم يعد ممكنا التهاون بوضع حلول سريعة لها في حين كان إلحاح من لودريان في كل احاديثه على الاسراع بحل مشكلة النفايات في كل لبنان من دون استثناء. وفي تفسيرها لعدم لقاء الوزير الفرنسي لزعماء وسياسيين في زيارته قالت ان جدول زيارة لودريان كان حافلا بالمواعيد ولم يكن بالامكان عقد لقاءات مع سياسيين دون غيرهم كي لا يفسر ذلك بانه انحياز لفرقاء معينين ومخاصمة اخرين وهذا ليس واقعيا، ولذلك اقتصرت لقاءات ألوزير الفرنسي مع كبار المسؤولين مع استثناء البطريرك الماروني وذلك لتأكيد الجانب الفرنسي دعم وتاييد المبادرة التي طرحها مؤخرا لتحييد لبنان عن الازمات والصراعات بالمنطقة.
وبالرغم من التفسيرات الدبلوماسية لعدم لقاء الوزير الفرنسي للزعامات السياسية الاساسية كعادة اي مسؤول فرنسي يزور لبنان، اعتبر البعض ان سبب ذلك يعود إلى تجنب عقد اي لقاء مع حزب الله على اي مستوى كان في هذا الظرف الصعب والمعقد الذي يمر به لبنان والمنطقة، كي لا يعطى تفسيرات وتحليلات في غير محلها.