منذ 4 سنوات | حول العالم / فرانس24


اختار مئات المغاربة أن يفتحوا نقاشا "هادئا" حول الحريات الفردية في بلادهم عبر عريضة، تحمل عنوان: "نحن مغربيات ومغاربة، نعلن خروجنا عن القانون"، والتي نشرتها الاثنين الكثير من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. وجاءت هذه العريضة على خلفية قضية الصحافية هاجر الريسوني، التي تقبع في السجن منذ أسابيع بتهمة "الإجهاض غير المشروع" و"ممارسة الجنس خارج إطار الزواج"، والتي ترفض هذه الاتهامات، معتبرة أن "القضية سياسية".

قرر مئات المغاربة خوض معركة جديدة لأجل توسيع مجال الحريات الفردية من خلال توقيع عريضة غير مسبوقة، تحمل عنوان "نحن مغربيات ومغاربة، نعلن خروجنا عن القانون"، لم يتوقف نشرها على وسائل الإعلام المغربية فقط، بل تناولتها صحف دولية كصحيفة لوموند الفرنسية. 

وجاءت هذه العريضة على خلفية قضية الصحافية هاجر الريسوني، التي تقبع في السجن منذ اعتقالها في نهاية آب، بتهمة "الإجهاض غير القانوني" و"ممارسة الجنس خارج إطار الزواج". وترفض صحافية يومية "أخبار اليوم" الاتهامات الموجهة لها، معتبرة ما حدث "قضية سياسية". وأدى اعتقالها إلى إعادة النقاش حول الإجهاض والحريات الفردية.

وتزامن إطلاق العريضة الاثنين، التي كانت بمبادرة من الكاتبة المغربية الفرنسية ليلى سليماني (الفائزة بجائزة غونكور العريقة لعام 2016) ومواطنتها المخرجة صونيا تراب، مع جلسة جديدة في محاكمة الريسوني، التي تأجلت مرة أخرى. ووقع نسختها الأصلية 490 شخصا. ولهذا العدد رمزيته الخاصة، لأنه يشير إلى فصل في القانون الجنائي المغربي (الفصل 490)، يعاقب بالسجن النافذ العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. وتكشف العريضة ذاتها، أن حوالي 14503 أشخاص حوكموا خلال سنة 2018 طبقا لنفس الفصل. ويبقى الباب مفتوحا لجمع المزيد من التوقيعات.


"مغاربة خارجون عن القانون"

أعلن موقعو العريضة من الجنسين، وبصوت مشترك، نوعا من التمرد على التشريعات الحالية، التي تقيد الحريات الفردية، خاصة وأنه لم يعد فيها النظر منذ عقود، إذ ظلت وفية لفكر محافظ، وضعتها في تناقض يومي مع طبيعة مجتمع في تحول مستمر.

ونقرأ في العريضة: "نحن مغربيات ومغاربة نعلن خروجنا عن القانون، نخرق كل يوم قوانين جائرة، قوانين بالية، أكل عليها الدهر وشرب. لقد أقمنا علاقات جنسية خارج إطار الزواج مثل الآلاف من مواطنينا. عشنا أو مارسنا أو كنا شركاء في عملية إجهاض".

وأضافت: "كل يوم، كل ساعة، وفي السر، نساء مثلي، رجال مثلك، محافظون أو تقدميون، شخصيات عمومية أو مجهولون، من كل الأوساط ومن كل الجهات، يجرؤون ويتحملون اختياراتهم، يستمتعون... يكسرون الأغلال، وينتهكون القانون، لأنهم يحبون بعضهم البعض"، لتتحدث العريضة بصوت امرأة قائلة: "كل يوم، أنا مذنبة ومجرمة أمام القانون إذا أحببت أو أحبني أحد..."، قبل أن تخلص إلى القول: "مع كل امرأة يتم اعتقالها، أنا شريكة في الجرم...".

وتلفت العريضة إلى أن كل النساء معنيات بوضع الحريات الفردية في البلاد، ولا يقتصر الأمر على امرأة دون أخرى، إذ تقول: "يمكن أن يحصل نفس الشيء معي، وأصمت بعدها، أواصل مشواري، وأحاول أن أنسى... لكن لا أتمكن من ذلك".

وتصدر العريضة صرخة تذمر بلسان امرأة من هذا الواقع، الذي فرض على النساء خاصة. "لم يعد بإمكاني التحمل أكثر. جسدي ينتمي إلي، ولا ينتمي لا إلى أبي، ولا لزوجي، ولا لمحيطي، ولا للرجال في الشارع، وحتى الدولة أيضا".

وانتقد الموقعون ما أسموه بـ"ثقافة الكذب والنفاق الاجتماعي التي تؤدي إلى العنف والتعسف وعدم التسامح"، موجهين سهام عتابهم للقوانين المعمول بها بخصوص الحريات الفردية. فهذه القوانين "المدمرة للحرية، والتي لا يمكن تطبيقها، باتت أدوات انتقام سياسي أو شخصي".


الدفاع عن كل النساء

وتسعى العريضة إلى "الدفاع عن كافة النفسيات المحطمة بالعار والخزي أو السجن"، بحسب ما صرحت ليلى سليماني لوكالة الأنباء الفرنسية. من جانبها أشارت المخرجة سونيا تراب "أنها حملة تشارك فيها نساء من كل الفئات، مدرسات وموظفات بنوك وربات بيوت وطالبات وفنانات ومثقفات".

وقالت تراب في حديث لفرانس24 إن "حالة الصحافية هاجر الريسوني ليست معزولة، وتوجد الكثير من الحالات مثلها"، والغرض من العريضة أن "نقول لا" لهكذا وضع، "ونقر أن هناك مشكلة حقيقية"، تضيف تراب، بهدف مواجهتها على الجبهة التشريعية.

ويأمل الموقعون على العريضة، وفق تصريحات تراب، إلى "تمرير رسالة إلى السياسيين والمشرعين، لأجل فتح نقاش جدي حول الحريات الفردية في المغرب، في علاقتها بجملة من القوانين المرتبطة بالإجهاض، المثلية، ممارسة الجنس خارج إطار الزواج...".

وتعتقد تراب أن المجتمع يفتقد للحركية بخصوص الأسئلة المجتمعية، ويغيب لديه التحرك المنظم في إطار عمليات مشتركة لتغيير مجموعة من القوانين. وتعتبر أنه "إذا تحركنا يمكن أن نحصل على مكاسب عديدة"، بخصوص الحريات الفردية تحديدا.


دستور في وادٍ وقوانين في وادٍ آخر

الباحث في العلوم السياسية رشيد لرزق يعتبر "أننا كدولة، قطعنا أشواطا كبيرة في مجال الحريات، خاصة فيما يتعلق بتحرير الفضاء العام وتكريس الحريات العامة، وباعتراف سمو حقوق الإنسان بمعناها الكوني على التشريع الوطني، وكذا التنصيص على حرية الفكر والتعبير في حدود معينة طبعا، برغم وجود بعض الانتهاكات، لكن يمكن القول إن مناخ الحريات مشجع...".

لكن كل ذلك يبقى حبيس دستور 2011، بحسب الباحث المغربي، إذ لم يتم تفعيل المضامين المرتبطة بالحريات الفردية فيه على أرض الواقع، من خلال جملة من التشريعات. ويرى أن "المناسبة مفتوحة لسد هذا الفراغ عند مناقشة القانون الجنائي المغربي المعروض الآن على لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب".

ولا يزال مشروع قانون حول الإجهاض عالقا في ردهات البرلمان المغربي منذ عرضه عليه في 2016، بعد مصادقة الحكومة. وطالب ناشطون حول حقوق المرأة مؤخرا بالتسريع في تبنيه، والدخول إلى مرحلة جديدة في علاقة المجتمع المغربي بهذا الأمر. وإن كان المشروع لا يقنع كليا النخب الحقوقية والنسائية التقدمية، إلا أنه ينظر له كمكسب أولي يمكن أن تتبلور على خلفيته قوانين أخرى ذات ارتباط بالحريات الفردية.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024