أدلت مختلف المؤسسات السيادية الأمريكية، خلال اليومين الأخيرين، بجملة من التصريحات "الحربية" وكأنها تستعد لحرب ضرورس مع أكثر من طرف.

التصريحات الأمريكية تضمن جملة من المحاور التي لا تمهد فقط لحرب موضعية ضد هذا الطرف أوذاك، أو حصار هذه الدولة أو تلك، بل وأيضا لتهديد الأمن والسلام العالميين، لما في هذه التصريحات من مخاطر على كل الأصعدة:

- الرقة هي المحطة المقبلة لحرب التحالف في المنطقة وسيتم البدء بعزلها.

- روسيا لن تشارك التحالف في التحضير والإعداد لمعركة الرقة.

- تحرير الرقة سيعتمد على قوات محلية من السوريين تعرف الأرض جيداً ويمكن للغرب دعمها.

- تركيا حليف رئيسي للتحالف، وأن كل من يتطوع لمساعدة الولايات المتحدة ينال احترامها وامتنانها.

- لقاء وزيري الدفاع الأمريكي والفرنسي بنظيرهما التركي في بروكسل الأربعاء 26 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي.

- القوات الجوية الأمريكية: قادرون على إنشاء منطقة حظر جوي في سوريا.

- روسيا قد تسقط المقاتلات الأمريكية في أجواء سوريا.

هذه التصريحات يتم إطلاقها على خلفيتين أساسيتين. الأولى، حرب قوات التحالف بقيادة واشنطن في الموصل. والثانية، قيام الولايات المتحدة بحشد دولي وإقليمي واسع من جهة أخرى.

لا أحد في الحقيقة يمكنه أن يؤكد انتصار قوات التحالف ليس فقط في الموصل، بل وفي المناطق العراقية الأخرى التي تتضمن عشرات الآلاف من القوات الخاصة والمستشارين العسكريين من الدول الغربية، وبالذات من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، إضافة إلى تواجد القوات التركية النظامية. والسبب بسيط للغاية، إذ يشير التحالف الأمريكي إلى أن هذه الحرب في العراق ضد تنظيم داعش، بينما كل الشواهد تؤكد أن تنظيم داعش يتجه إلى أماكن أخرى في العراق وسوريا، وربما إلى أوروبا، كما قال بعض الساسة الأوروبيين مؤخرا، معربين عن مخاوفهم بهذا الصدد. ويمكن أن نضيف أيضا، أن هناك إقرارا من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة لها بأن معركة الموصل لن تنتهي في وقت قريب.

وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر قال إن روسيا ليست مشاركة مع التحالف في التحضير لمعركة الرقة، لكن بلاده لديها قنوات مفتوحة معها، وهناك تعامل بطريقة مهنية جداً عندما يتعلق الأمر بالمسائل العسكرية. واعترف بأن معركة الرقة هي جزء من خطة الولايات المتحدة وهي مستعدة لها، وأن قوات محلية سورية هي التي ستقوم بهذه المهمة بدعم من التحالف.

هذه الاعترافات الخطيرة، تؤكد مجددا أن الولايات المتحدة كانت تتعمد المماطلة والتسويف لأهداف كثيرة بات العديد منها معروفا. بل وعاد الحديث مجددا حول مصطلح "عزل" المناطق، وإقامة "حظر جوي". غير أن الأخطر هو المبالغات الضخمة في حجم وقدرات القوات الروسية، الأمر الذي يكشف أيضا عن نوايا غير طيبة من جانب الغرب ووسائل إعلامه. وفي هذا السياق تحديدا، كشف مدير الاستخبارات القومية الأمريكية جيمس كلابر أن الولايات المتحدة تأخذ تنظر بجدية إلى أنظمة الدفاع الجوي الروسية في سوريا، وأن الروس لم يكونوا ينشروها هناك إذا لم تكن لديهم نية لاستخدامها. وذهب كلابر إلى أن القوات الجوية الروسية في سوريا ستسقط أي طائرة أمريكية إذا اعتقدت أنها تشكل خطرا عليها.

إن تصريحات كلابر لا تحمل أي جديد، ولكنها تشكل خطورة شديدة في ظل الحملة الإعلامية الغربية، وعملية "الحشد والتجييش" التي تقوم بها الولايات المتحدة، سواء لقوى إقليمية أو دولية، عبر الضغط والتهديد والابتزاز، أو من خلال الإغراءات والمغازلات والوعود بالدعم والمساعدات. إضافة إلى أن موقف الولايات المتحدة و"صقور" أوروبا لا يزال غير واضح وغير شفاف بالنسبة لدور تركيا، سواء في العراق أو في سوريا.

الولايات المتحدة وحلفاؤها يتجهون نحو الحرب، أو في أحسن الأحوال في اتجاه التصعيد وإثارة الفوضى العسكرية والأمنية التي تساعد التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، في بسط نفوذها، والانتشار في دول أخرى. هذا في الوقت الذي لا تزال موسكو تقدم المبادرة تلو الأخرى، سواء بخصوص وقف إطار النار وتنفيذ هدن إنسانية، أو بشأن دخول المساعدات الإنسانية إلى حلب. فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن استعداد موسكو لاستئناف الهدنة الإنسانية بحلب بعد الحصول على ضمانات من المنظمات الدولية حول إخلاء الجرحى والمدنيين من المناطق التي يسيطر عليها المسلحون. وانسحبت الأمور أيضا على وزارة الخارجية الروسية التي أعلنت بدورها نوايا موسكو الطيبة بالموافقة على وقف الأعمال القتالية، والاستعداد لتلبية أي طلبات بهذا الشأن، وبالشكل الذي يحرم الإرهابيين من الاستفادة منها لإعادة ترتيب صفوفهم والحصول على أسلحة أو الانتقال إلى مناطق أخرى لمواصلة النشاطات الإرهابية.

وفي الحقيقة، فموسكو ترى تصعيدا خطيرا للوضع في سوريا بعد انهيار الاتفاقات الروسية – الأمريكية، وأن الولايات المتحدة لم تستطع، أو ربما لم ترغب لأسباب وأهداف معروفة، تنفيذ التزاماتها، وبالذات في ما يتعلق بالفصل بين المعارضة "المعتدلة" والإرهابيين. إن روسيا، وفقا لتأكيدات نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، متفهمة لضرورة استعادة وقف الأعمال القتالية في سوريا، ولكن المفتاح لذلك هو فك الارتباط بين المعتدلين والإرهابيين، ويجب أن تكون هناك ضمانات وجهود حقيقية لذلك من جانب اللاعبين الخارجيين، ومن يمكن أن يؤثر على المعارضة المسلحة.

كل هذه المبادرات الروسية، والاقتراحات والأفكار، تسير في اتجاه، والتحضيرات الأمريكية للحرب تسير في اتجاه آخر تماما.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024