منذ 5 سنوات | لبنان / masdardiplomacy

يتسلّح فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كالمعتاد بإيمان لا يتزعزع متكلا على العناية الإلهية، ولا يزال لغاية اليوم متميزا بسعي لم تخمده السنون وبرغبة جامحة بتحدي العالم لم ينل منها ثمانون حولا من العمر. يستقبل الرئيس عون زواره يوميا في قصر بعبدا من الصباح ولغاية ساعة متأخرة، ويتابع تفاصيل الإجتماعات ويجري الإتصالات السياسية مزّودا مسشاريه بالتوجيهات اللازمة ومعطيا لكلّ ذي طلب طلبه، بلا كلل ولا …تعب.

فخامة العماد، الرجل الذي صار اسطورة بالنسبة الى محبيّه وتحوّل الى كابوس لخصومه لا يزال بصحّة جيدة. يطمئن جميع من يسألونه مبتسما بطريقة معبّرة.

فبعد أن تسبّب بـ”نقزة” للبنانيين إثر مقابلة صحافية نشرت أخيرا فهم منها بأنه فتح معركة رئاسة الجمهورية باكرا وهو لم يتمّم عامه الثاني في قصر بعبدا، ينفي فخامة الرئيس أن يكون فتح هذه المعركة. يشير ردا على أسئلة لزواره  يتفرّد بنشرها موقع “مصدر دبلوماسي” في هذا التقرير أنه كان يجيب على سؤال طرح عليه فحسب، فأعطى مثالا عن الإنتخابات النيابية الفائتة لكنّه فهم على غير نحو.

يشير فخامة الرئيس في أحاديث لزواره الى أن “البعض فتح معركة الرئاسة الأولى في الإنتخابات النيابية الفائتة حين وضعوا سباقا بين ثلاث شخصيات هي سمير جعجع وسليمان فرنجية وجبران باسيل معتبرين أن المسيحي الأوّل الذي تنتجه الإنتخابات هو المرشح الطبيعي للرئاسة الأولى، وتعليقا على سؤال طرح عليّ اجبت بأنه ربما يهاجمون الأول في السباق الإنتخابي…كان تعليقا ليس إلا”. ويشير مؤكدا كما تنقل عنه إحدى الشخصيات: “أنا لم أفتح معركة الرئاسة… ولم أفتحها؟ صحّتي ممتازة، والناس يصلّون من أجلي لإطالة عمري لأنهم يحبونني والمحبّة تزيد الحياة”.


هكذا لا يزال الرئيس القوي قويا بإيمانه، يعترف في أحاديثه بصعوبات أمام تشكيل الحكومة متجنّبا اتهام أحد بالتعطيل، ويعترف أيضا بصعوبة الوضع الإقتصادي لكنّه يسعى الى تغيير الواقع. برأيه أنه في الأيام الصعبة تتوجب مضاعفة الجهد وزيادة السعي. يعود الى أدبياته في التاريخ ولكن ايضا في الدين المسيحي المرتكز الى السعي الدائم والإيمان العميق بعيدا من اليأس والجمود. يردد في أحاديثه أنه  لا يوجد فشل في الحياة، بل توجد خسارة… أما الفشل فهو عدم المحاولة. حتى مريم العذراء طلبت من إبنها السيد المسيح أن يملأ الخوابي خمرا في أعجوبته الأولى في عرس قانا الجليل، فاستجاب لها لأنها طلبت. كما أن يسوع المسيح شفى الكسيح لأن ثمة من جلبه إليه ووضعه أمامه. وفي الأيام الصعبة لا بدّ من السعي والسعي والسعي وعدم اليأس مع الإقرار بأن في المحاولة ربح وخسارة لكن عدم المحاولة يعني الفشل الحتمي.

وهل يشعر الرئيس عون بأن ثمة حصار مضروب حول عهده؟  وبالأصح طوق إقليمي يحاصر العهد الآتي من تسوية وذلك من قبل بعض الدول عبر أدوات داخلية؟

يبتسم فخامته بطريقة معبّرة ويقول: “إذا كان من طوق فأنا سأكسره كما فعلت عام 2005 حين طوّقوني في الإنتخابات النيابية، يومها تسبب الحصار بـ “تسونامي” حقيقي من قبل الناس. وأنا أردد مقولتي المعروفة بأنني أشبه الطوافة (الهليكوبتر) المزوّدة بمروحة هوائية تجعلها تدور وترتفع وتخرج من أي مأزق”.

يردف فخامة الرئيس: “بالتأكيد أن ثمّة أناس لا يمكنها أن تتقبل استقلالية لبنان بسياسته وبعدم انحيازه، لكنني شخص اعتدت استنكار الجرائم حين تقع وقول الحقيقة لمصلحة الوطن ولا يمكنني أن أكون إنسانا ومسؤولا إذا سكتّ عن جريمة أو حقيقة تخدم وطني. ولبنان لغاية اليوم لم يطرد أحدا لأنه تكلّم بحقوق الإنسان، وبالتأكيد فإن البعض غير فرحين للجهد الدولي الذي قمت به من أجل أن يخسروا”.

وبالرغم من أن هذا الموقف الذي يتخذه يعرقل تشكيل الحكومة الأولى لعهده كما درج على تسميتها، فإن الرئيس عون يبدو مصرّا: “أنا صلب، ولدي طاقة غير محدودة منحني إياها الله، ولديّ نعمة الصبر”.

في أحاديثه أمام زواره، يقول الرئيس عون بأن الوضع الإقتصادي صعب لكن الوضع اللبناني برمته كان أسوأ قبل عامين حتى أمنيا. يشير بأن الوضع الأمني لم يتحسّن إلا بعد استكمال المعارك عند السلسلة الشرقية ما انعكس استتبابا على الأمن الداخلي، وتوطد الوضع  أكثر بعد كشف عدد كبير من الخلايا الإرهابية النائمة في عمليات استباقية أسهمت في ترسيخ الاستقرار، فتراجعت نسبة الجرائم الإرهابية وايضا عمليات الخطف، ما حسّن شروط عودة السياحة من قبل دول عديدة. كذلك شهد لبنان في العامين الفائتين تلزيم استخراج النفط والغاز، وتمّ إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية وأجري الإستحقاق الإنتخابي بعد جمود دام 13 عاما، وأقرت الموازنة مرتين.

ويبشر الرئيس عون زواره بخطة سيتم تطبيقها في عامه الرئاسي الثالث كاشفا بأن التحقيق في ما كان “التيار الوطني الحرّ “أعده من كتاب بعنوان “الإبراء المستحيل” قد انتهى وسيتم اعلان النتائج بعد تشكيل الحكومة الجديدة. يشير الرئيس عون الى أن ثمة شركاء في بعض القضايا التي تم التحقيق فيها قد ماتوا وبعضهم خارج السلطة وبعضهم في داخلها والكلمة الفصل في تحديد المسؤوليات ستكون للقضاء اللبناني تماما كما ذكر في مقدّمة كتاب “الإبراء المستحيل”، حيث يتم تقديم المعلومات والقرار هو للقضاء اللبناني. ويعلّق الرئيس عون بقوله” لا ثأر لي على اي شخص والقضاء هو الذي سيتخذ القرار”.

وتعني هذه  البشرى بأن رئيس الجمهورية ماض في تحقيق الأهداف الثلاثة التي حدّدها إبان الإفطار الرسمي الذي اقامه في القصر الرئاسي في شهر رمضان الفائت وهي: تقوية الإقتصاد وعودة النازحين ومحاربة الفساد.

وعن العلاقة الطبيعية مع سوريا التي ستساعد في تحسين الوضع الإقتصادي وخصوصا في حال تمّت عودة النازحين السوريين وفتح معبر نصيب، وعمّا إذا كانت توجد سياسة مزدوجة في هذا الموضوع بينه وبين رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري الذي يبدو الوحيد الذي يعارض فتح علاقة طبيعية مع سوريا؟ ينقل زوّار فخامة الرئيس عنه قوله:

“إن موقفي صريح حيال هذا الموضوع، وثمة اختلاف بالنظرة. بالنسبة إلي فإن مصلحة لبنان تأتي أولا.

في ما يخص  ملف النزوح السوري الى لبنان فقد أدّى الى مشاكل اقتصادية وأمنية جسيمة وهي تتحوّل الآن الى مشاكل سياسية. زادت معدلات البطالة بشكل ملموس والعبء يزداد يوميا لذا ينبغي السعي لكي يعود النازحون الى بلدهم بعد ان استتب الوضع الأمني.

وكيف ستتم الإفادة من المبادرة الروسية وهل سيستمر مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم موفدا رئاسيا من قبله لحل هذا الملف؟

يقول فخامة الرئيس في أحاديث ينقلها زواره: نعم سيبقى اللواء ابراهيم موفدا من قبلي في هذا الخصوص، وستبقى الأمور على ما هي عليه اليوم، وعندما يبدأ الروس بتطبيق مبادرتهم وبالعمل فأهلا وسهلا بهم. نحن لن نوقف العمل، بل مستمرون في معالجة هذا الملف وكأن شيئا لم يحدث. وعندما تبدأ المهمّة الروسية فنحن جاهزون، فالطرف الجاهز يستطيع التعاون بصورة أجدى مع أية مبادرة”.

بالنسبة الى معبر نصيب يقول فخامة الرئيس أمام زواره: “إن معبر نصيب هو المعبر الوحيد مع الخليج، ونحن كلبنانيين ندفع ملايين الدولارات من أجل النقل البحري ما ينعكس ارتفاعا في أسعار السلع وهو مكلف ماديا، وهذا المعبر يجب أن يفتح لكي تمرّ منه البضائع اللبنانية، لا يمكننا محاربة سوريا ثم نطلب منها أن تسمح لنا بالمرور عبر هذا المعبر. هنالك حاجة ماسّة للصناعيين وللزراعيين ولكل المواطنين اللبنانيين بفتح هذا المعبر. وأريد أن أكرر عبارة سبق وقلتها بأن الجغرافيا ثابتة لا تتغير والعلاقات مع جيراننا ثابتة جغرافيا، فإما تكون مميزة بالخير أو مميزة بالشر ولدينا المثلين سوريا وإسرائيل”.

وبالحديث عن إسرائيل، يطرح سؤال على فخامة الرئيس عمّا يردده الوسط الدبلوماسي من أنه وعد بتحقيق الإستراتيجية الدفاعية بعد الانتخابات… فما الجديد في هذا الشأن؟

يجيب الرئيس عون: “الإستراتيجية الدفاعية ستكون مطروحة بعد تشكيل الحكومة الجديدة”.

وفي أحاديث الرئيس عون الى زواره سئل عن موضوع الحريات العامّة وخصوصا بعد أن تم القاء القبض على عدد من الناشطين والمغرّدين، فقال:” الحرية ليست شتيمة وليست كذبة وليست شائعة وليست اتهاما للأبرياء، الحرية سقفها الحقيقة وتحتها فليحك المرء ما يشاء، لكن تجاوز الحقيقة وأذية الآخرين غير مسموحة. التكلّم بالحقيقة يخدم المجتمع، من هنا أمرت بوقف أية تعقبات ضد بعض الأشخاص الذين لم يتخطوا سقف الحقيقة”.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024