منذ 7 سنوات | حول العالم / Sputnik

تنشب على الدوام نقاشات حامية داخل إسرائيل حول مسألة الاندماج وصهر كل المكونات اليهودية في بوتقة واحدة، ومحاولة التجسير بين منابتها الثقافية المتنوعة، والتخفيف من مظاهر إبراز علاقات قوة متضاربة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين، إلا أن كل المحاولات لم تنجح، وهو ما تؤكده رموز مهمة في صفوف النخب السياسية والفكرية والثقافية الإسرائيلية.

يُسَجلُ لرئيس الكنيست الأسبق، إبراهام بورغ، بأنه يمتلك شجاعة يستحق التقدير العليا، بعدم الخشية من التفكير بصوت عال في قضايا مازالت تعتبر من المحرمات في إسرائيل، أو على الأقل من المحذورات على من يريد الإبقاء على مستقبل سياسي له هناك، ومرّة أخرى يقتحم بورغ في مقالة له، نشرتها صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية بتاريخ  20/7/2016، معترك النقاش الدائر بخصوص العلاقة بين اليهود الغربيين والشرقيين في إسرائيل، (الأشكناز) و(السفارديم)، لجهة مستقبل إسرائيل، على ضوء فشل محاولات الصهر والاندماج بين المكونين ضمن القوالب التي أرادتها النخب الغربية (الاشكنازية) والتي هيمنت على السلطة والمنظومة الحزبية في إسرائيل منذ عام 1948.

تفيد المراجعات التاريخية لما بعد إنشاء دولة إسرائيل أنه كانت هناك مشكلة تؤرق صناع السياسة الإسرائيلية، تتمثل في الأعداد الكبيرة للمهاجرين اليهود، أو بالأحرى (المهجرين)، القادمين من الدول العربية، والذين كان استقدامهم يمثل عنصراً أساسياً لتحقيق الشرط الديمغرافي لإنشاء دولة إسرائيل، ووجد منظرو الحركة الصهيونية الحل لهذه المشكلة عبر تأكيدهم على أن "إسرائيل جزء لا يتجزأ من  الثقافة الأورو- مركزية"، وبأن عبء ترجمة هذا على الأرض في بناء مجتمع متجانس يقع على عاتق المهاجرين الأشكيناز (اليهود الأوروبيين)، عبر صهر المهاجرين الشرقيين في جسم متبلور وديناميكي يؤسس لمجتمع حديث ضمن المواصفات الغربية، وبما يمنع كما قال ابا إيبان من "تحويل المهاجرين من بلدان الشرق كجسر نحو دمجنا في العالم الناطق بالعربية".

وكانت هذه نقطة البداية لاضطهاد اليهود الشرقيين في إسرائيل، وهذا ما أدى لاحقاً كما تقول د. إيله شوحاط إلى: "وقوع عدد لا بأس به من يهود الشرق تحت نير منظومة ثقافية يهودية أرثوذكسية"، بما حمله هذا من ممارسات عنصرية ضد اليهود الشرقيين، ومن المعروف أن شوحاط يهودية من أصول عراقية ولدت في إسرائيل وتحمل الجنسية الأميركية، وتعمل أستاذة للدراسات الثقافية في جامعة نيويورك.

 وجرى في سياق ما اصطلح على تسميته عمليات (تحضير اليهود الشرقيين) استلاب لهويتهم وثقافتهم، وقد كان هذا الحافز الأيديولوجي- أي تحضير اليهود الشرقيين- الذي وقف وراء سلسلة فعاليات استهدفت تجريد يهود الشرق من ثقافتهم. لكن منظري الصهيونية يرون أن السياسات التي اتُبِعت بحق اليهود الشرقيين وثقافتهم كانت صائبة، لأن هذا  حسب زعمهم (كان لازماً من أجل وحدة النسيج الاجتماعي، وقد حقق  نتائجه المرجوة)، لكن في حقيقة الأمر، كما تؤكد إيلة شوحاط، "أضفى عزل المركّب (اليهودي) عن المركب (الشرق أوسطي) ليهود البلدان الإسلامية على العملية التي أسفرت عن تفكيك الطوائف اليهودية واقتلاعها من العالم الإسلامي..".

لقد تنبأت شوحاط، وكثيرون يشاطرونها وجهة نظرها، بفشل عملية الاندماج القسري لليهود الشرقيين (السفارديم) ضمن المنظومة الأشكنازية، لكن الفشل لم يعد مجرد تنبؤات بل واقعاً يدب على الأرض ويهدد مستقبل إسرائيل، يصفه إبراهام بورغ بالقول: "في حمأة التوتر البنيوي بين المؤسسين وبين المنضمين المتضررين تسير إسرائيل نحو الهلاك. لقد تحولنا إلى مكان منعزل، ابتعدنا عن مرافئ المغادرة في دول مسيحية وفي دول إسلامية، ولم نصل أبداً إلى الغاية المقصودة، أي مجتمع ديمقراطي ودولة ديمقراطية، على الرغم من أنهما يشكلان جزءاً طبيعياً من النسيج الجغرافي والثقافي للبيئة الذي من حولنا. إن الهوس بإقامة الجدران حولنا ليس مجرد ضرورة أمنية فقط، بل هو جهد متواصل لتخليد الانفصال عن المرفأ الشرق أوسطي الذي نرفض أن نرسو فيه".

الحل يتطلب كما يعتقد بورغ الإقرار بمقولة "إن إسرائيل أكثر شرقية سيكون لديها ما تربحه، ويضيف: "وأنا أؤمن بأن تنازل المكوّن الإشكينازي عن الهيمنة، على المجتمع الإسرائيلي، والاعتراف بالإجحاف الذي لحق بالقادمين من دول إسلامية، المقصود (المهجرين اليهود) سيسمح بتهوية حيوية لأسس قديمة وفاسدة ولبعض الحقوق الزائدة التي كان يجب ألا تكون موجودة..".

هل يمكن ذلك، سبق لبورغ نفسه الإجابة على هذا السؤال قبل سنوات بعيدة، في مقالة له نشرها في صحيفة (واشنطن بوست) 5/8/2003، عرى فيها مقولة (الديمقراطية الإسرائيلية والأقلية الضعيفة المهدَدَة)، ووصف ما انتهت إليه هذه المقولة بالقول: "إن ألفي سنة من الصراع انتهت إلى دولة من المستوطنات تديرها عصبة غير أخلاقية من الفاسدين.. لا بد أن تنهار بنية قائمة على القسوة الإنسانية، راقبوا تلك اللحظة جيداً: إن بنية الصهيونية السوبر ستار تنهار مثل قاعات الأفراح الرخيصة في القدس".


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024