منذ 7 سنوات | لبنان / الجمهورية

ما من مرحلة في تاريخ الرؤساء الأميركيّين تشبه وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض والانطلاق في مسؤوليات حكم أقوى دولة في العالم. وإذ يتّفق الخبراء على المشكلات والتحديات الكبرى التي ورثها الرئيس المثير للجدل من سلفه، أوّل رئيس اسود في التاريخ الاميركي، فإنهم يعتقدون أنّ قرارات ترامب تفاقم هذه المشكلات حدّة وتزيد التحدّيات تعقيداً وخطراً على امن الاميركيين ومصالحهم، وقد يكون الكلام الذي وجّهه سيناتور ديموقراطي بارز لسياسة ترامب هو التوصيف الدقيق لسلوكه، حيث قال: «ترامب يعتمد حلولاً مسطّحة ومبسّطة لمشكلات معقّدة ومتشابكة».

ليس بالحدث العادي تمرّد مسؤولين على قرارات البيت الابيض، ولو استُتبع ذلك بإقالات. ولا ايضاً استقالة اربعة من موظفي وزارة الخارجية الكبار، ولا توقيع 900 موظف في الخارجية عريضة ضد قرار ترامب منع دخول رعايا الدول السبع، ولا التظاهرات المستمرة منذ حفلة التنصيب والتي تسجّل ازدياداً واضحاً، ولا توقيع مّا يقارب المليونَي بريطاني عريضة للدعوة إلى إلغاء زيارة ترامب الاولى له كرئيس الى بلادهم.


وهناك كثير وكثير من الوقائع المشابهة والتي تنبئ بانعطافة كبيرة على مستوى السياسة الدولية. لكنّ الاسوأ هو طريقة تعامل ترامب مع كلّ ذلك، بدءاً من حذف صفحة القضاء عن الموقع الالكتروني الرسمي للبيت الابيض، مروراً بإصدار تعميم يستثني فيه عشرات الألوف من الاسرائيليين واليهود الذين وُلدوا في الدول السبع المحظورة والذين يحملون جنسيّتها من قرار منع السفر.


والواضح أنّ العالم يخشى من أن يؤدّي سلوك ترامب الى تصاعد الإرهاب ومنحه المبرّرات، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ منفّذ هجوم المسجد في كندا قال للمحققين إنه من انصار ترامب ومن المعجبين بمارين لوبان في فرنسا.


وحتى ولو صدقت التكهّنات التي يطلقها معارضو ترامب بأنه لن يصل الى منتصف ولايته، لكنّ فترة السنتين تبقى فترة كافية لتركيز سياسة مختلفة لواشنطن خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث يوجد ملفان أساسيان على الطاولة: سوريا ومن خلال ذلك الإرهاب، والملف الفلسطيني - الإسرائيلي. وحول كلا الملفين باشر ترامب وضعَ تصوّره السياسي.


فعلى المستوى السوري تحدّث عن إنشاء «مناطق آمنة» وطلب في الموازاة من وزارة الدفاع الأميركية وضع خطة حول سبل محاربة «داعش» والقضاء عليه محدِّداً مهلة شهر والتي انقضى منها نحو أسبوع.


ونقل ديبلوماسيون أميركيون عن مصادر وزارة الدفاع أنّ الخطة معروفة وترتكز أساساً على التعاون مع الجيش النظامي السوري والقوات الروسية والأكراد وإشراك كلّ من تركيا وإيران في تأمين الدعم المطلوب. ذلك أنّ الخطة ستراعي القرار الأميركي بعدم التورّط المباشر في الوحول السورية.


والخطة العسكرية لا بدّ من أن تترافق مع مظلّة حماية سياسية إقليمية تتولّى روسيا صوغها، إن من خلال إطلاق مسارٍ تفاوضي صعب ومعقّد عبر مؤتمر أستانة، أو من خلال تأمين المظلّة الإقليمية المطلوبة والتي بدأت طلائعُها بالظهور.


فخلال الاشهر القليلة المقبلة سيُعلن عن عودة العلاقات الطبيعية بين مصر وتركيا التي ستتجاوز موضوع «الإخوان المسلمين» واعتقال محمد مرسي، والبناء على نظرة متقاربة من الملف السوري.


في المقابل، تتوقّع تركيا قدوم نحو خمسة ملايين سائح روسي خلال السنة الحالية وسط وضع إقتصادي صعب ووضع أمني اصعب، وهي في الوقت نفسه تبدي قلقها من التطوّرات الأوروبية حيث التبادل التجاري يصل الى نحو 150 مليار دولار.


وروسيا تتقدّم في الملف السوري وفق ثلاثة مرتكزات:

- إصلاح النظام لا تغييره.
- إعادة تشكيل المعارضة السورية.
- التمسّك بالعلاقة مع الأكراد.


وروسيا تتقاطع بذلك مع رؤية ترامب، خصوصاً في النقطة الأخيرة حيث حاز الأكراد أخيراً على مدرّعات جديدة من الأميركيين. صحيح أنّ هذا القرار اتُخذ ايام إدارة أوباما كما يبرّر ترامب. لكنه كان قادراً على اجهاضه كما فعل في قرارات اخرى. هذه المساعدة العسكرية ستعرقل سيطرة الأكراد على مدينة «الباب» في اطار عملية «درع الفرات»، وهو ما يريح دمشق وطهران على حدٍّ سواء.


لكنّ السؤال يبقى حول المقصود بـ«المناطق الآمنة». فهل هي خطوة لوقف موجات اللاجئين؟ أم لتعزيز النفوذ الأميركي في سوريا وتعزيز وضع حلفائها المستفيدين من حماية هذه المناطق، بمَن فيهم الأكراد؟ والاهم أين ستكون؟ هل في المناطق التي ستُنتزع من «داعش» و«النصرة» في الرقة وادلب؟ أم إنها ستكون في مناطق سيطرة المعارضة مثل اعزاز وجرابلس والباب؟ أم في مناطق سيطرة الأكراد؟


والملف الاخطر والاكثر صعوبة يبقى الملف الفلسطيني - الإسرائيلي حيث لم تؤمن الحكومة الإسرائيلية يوماً بـ«حلّ الدولتين».


أخيراً، أعلن ترامب أنه سيعيّن صهره جاريد كوشنر مبعوثاً رئاسياً لتسوية سلمية في الشرق الأوسط، وقال إنه يثق بقدراته كثيراً، ومراهناً على نجاحه في الملف الذي لم ينجح به أحد كونه موهوباً بالفطرة كما نقلت عنه صحيفة «تايمز أوف لندن»، وبدا متريّثاً في نقل السفارة الأميركية الى القدس.


هذا الكلام يقلق الحكومة الإسرائيلية. فتعيين ترامب أقرب الاشخاص اليه يعني انه يريد نجاحه. لذلك ردّت إسرائيل من خلال وزير التعليم العالي نفتالي بينيت الذي تقدّم بمشروع ضمّ مستوطنات بُنيت على ملكية فلسطينية خاصة في الضفة الغربية الى الأراضي الإسرائيلية، ما يعني تشريع تقويض «حلّ الدولتين» وإنهاءه.


ونقلت الصحافة الإسرائيلية عن بينيت قوله: «حان وقت التغيير الكبير، فالواقع يتغيّر وعلينا توسيع طموحاتنا ونصبح اكثر جرأة وسرعة».

فهل سيعني كلّ هذا النزاع القائم إن كان في الداخل الاميركي، او حول تقاسم النفوذ في سوريا او إجهاض إسرائيل لأيّ حلول تسووية، أنّ الحلّ الوحيد المتبقي هو شنّ الحرب؟


ومعه هل إنّ اندفاع إسرائيل للقيام بحرب في اتجاه لبنان يساعد صقور ترامب على الإمساك بالقرار الأميركي أكثر، ويفتح آفاقاً أوسع للتسوية في سوريا ويفرض السياسة المتطرّفة للحكومة الإسرائيلية؟


عندما أُنجز التفاهم الاقليمي بين السعودية وإيران حول لبنان وأُنتِجت تسوية حول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، كان ذلك يجرى تحت عنوان اعادة تثبيت الحدّ الادنى من الاستقرار الداخلي، وهذا المطلب ما يزال مطلوباً، ما يعني أنّ الانتخابات النيابية حاصلة حكماً تحت عنوان تعزيز الاستقرار الداخلي. لكنّ ذلك لا ينفي أنّ المخاطر الاقليمية موجودة وقائمة وهي ازدادت مع وصول ترامب الى البيت الأبيض.





أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024