منذ 7 سنوات | العالم / السفير

هل ستبدأ الحرب العالمية بهذه الرصاصة؟
أصحاب الذاكرة القوية ربطوا بين الرصاصة التي وجهت إلى السفير الروسي المخضرم في أنقرة، وبين قتل الأمير النمساوي الذي كان شرارة الحرب العالمية الثانية. فهل تندلع الحرب الثالثة؟
هنا الاغتيال يكمل المذبحة في لحظة انهيار كل مستقر، وتشبث الاشرس بالوجود في «الحزمة القادمة».
الانهيارات يصاحبها شيء من استعراض القوة، وهذا ما حدث في كل المعارك التي راح ضحيتها الآلاف المؤلفة، بينما يتباهى طرف بالانتصار على الجثث، ويرد الطرف الآخر باستعراض مشابه تحت رايات مختلفة.
المشهد عبثي، السفير اندريه كارلوف، يلقي كلمة في معرض فن حديث، أمامه ميكرفونات في العاصمة القديمة لتركيا التي تحسنت علاقاتها مع روسيا بعد ازمة إسقاط الطائرة. تركيا وجدت لنفسها مكانا وحصة في حرب حلب، بينما الذي يحمل مسدسا أطلق منه الرصاصات التي اسقطت السفير كان يرتدي بدلة حديثة، ويقدم خطبة وحده عن مفردات يقولها بأكثر من لغة تتردد فيها كلمات: حلب، محمد، الجهاد.
من سيبقى منهما في «حزمة» ما بعد الانهيار: الضحية، الذي يصارع جسده موتا قويا، أم المجرم الذي وضع جريمته في اطار «حرب نبيلة.. يستعيد فيها «مملكة الله» التائهة والغريبة في الزمن. وماذا سيحدث عندما يتم تبادل الادوار في لحظات تكررت تاريخيا في زمن الحروب الصليبية وما قبل سايكس بيكو، حيث الحرب المقدسة، تخفى ظلالها الاجرامية بخطابات نبيلة تبرر القتل والدماء والاعتداء على أمان المدنيين الابرياء.
هكذا نحن نعيش زمن استعراضات حروب الدولة وآكليها، برابرة العصر الحديث، على الهواء ووفق تقنيات الرواية المربكة. كل الاطراف تلعب بلا خجل: أقوياء السلاح، ممولو الحرب، منظرو الخراب والمذابح، الضحايا، والضحايا المضادون! لن ننتظر لنقرأ عنهم، ونتخيل ونهتف خوفا: «البرابرة قادمون»
لقد أصبحوا تقريبا في السلطة. يلاعبون بعضهم بعضاً لعبة الاسهم المتحركة.
ـ 2 ـ
أي حرب عالمية؟ ومن أطرافها؟
أميركا وروسيا؟ وكلتاهما قادمة على عشق معلن بين بوتين وترامب؟ هل سيشعلها ترامب باكتمال دائرة مشعلي الحروب، آكلي الطبقات الناعمة من أخلاق وقيم راكمتها الانسانية ليكون «اكتساح امبرياليات الثروة والسلاح» مصحوبا بطبقة ناعمة من كريمات الترطيب.
الان تذوب الطبقات الرطبة، في جحيم تتصاعد منه النيران وصرخات الرعب والالم والقسوة العارية من حزمة الانسانية القديمة، التي ارتبط تعريفها بحدود الدول واحترامات علاقات القوة (سيادة الحكومات على الحدود والتعامل معها بقدسية، وتحكم المنتصرين في الحرب العالمية بمصائر العالم..).
تتكرر علامات زمن التفكيك والسقوط من التاريخ الى الآن، فتتساقط مبررات امراء الحرب مع ايقاع التحالفات ونزاعات الغرائز المتوحشة والمسافة بين القدرات والارادة، وهكذا مثلا تتداعى احلام الامبريالية الاقليمية عند الجيل الثالث من عائلة الحكم في السعودية، وتتداعى خيالات السيطرة عبر الآمال بهزيمة الحلفاء في بيروت وخسارة حليفهم في القاهرة، بل والحرب خارج «الكهف» الذي عاشت فيه المملكة 85 سنة. إلى درجة يبحث فيها الامراء عن امتدادات جديدة في أفريقيا وربما مع اطراف صادمة. ولن يعرف المدقق اليوم هل حرب السعودية الآن مع ايران أم روسيا أم ترامب أم السيسي، دفاعا عن المذهب أم عن السيطرة؟ الدين ام بقاء الارضية من تنظيمات تحول «السنة» إلى ايدلوجيا كما أصبحت الشيعة منذ زمن؟
اللحظة التي نعيشها عابرة، رغم قسوتها ومآسيها ومذابحها التي لم تعد كافية ولا تستوعبها ولا تمررها برفق «مرطبات» حقوق الانسان التي ظهرت مع الحرب الثانية. لم يعد مهما من سينتصر الان، لأن انتصاره سيفلت من اصابعه، ولن يكتمل، ولا من سيذهب الحظ باتجاهه وتصبح مذبحته نبيلة بالنسبة لجمهوره وصحبتهم الخائفين… النصر المؤقت سيمنح حرية للمنتصر أن يضع رايته، وطنية او دينية او طائفية أو أخلاقية. لكن المنتصر بالمذابح سيكون بعد قليل ضحية ويجمع الى جانب القوة الرثاء.
هذا الايقاع هل يقود الى حرب؟ أم الى خلخلة كل مستقر ومسيطر؟
ـ 3 ـ
لن يعود العالم كما كان.
ولا حتى أماكنه الوارفة الظلال التي شكلت «إنسانية» ما بعد الحربين، وعدم تحمل ما يحدث لا يعني أن كل أفكارنا تعطلت قدراتها عن الفاعلية، وهذا يستدعي التخلي لا التمسك، فلا هوية ستنتصر ولا ارض ستبقى ولا عالم منسجماً مطمئناً سيعاد إلى الوجود. التخلي هو الممكن الوحيد لعالم جديد ستشارك فيه روايات الضحايا لا المنتصرين ولا المهزومين وحدهم.. فالضحايا الآن كتلة خارج الانتصار والهزيمة.
وهذا يحتاج إلى «إنسانية» جديدة.




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024