منذ 7 سنوات | اقتصاد / السفير

ـ ١ ـ
.. وبينما تبيع الدولة في مصر، لأول مرة، شركات المرافق العامة، تحولت الخرطوم الى مدينة أشباح، بعد دعوة من مجموعة صغيرة للعصيان المدني.
الدولة تنسحب من «أبوتها» القديمة، والناس يعيدون تنظيم أنفسهم في عالم افتراضي خارج السيطرة (إلى حد ما) وخارج التوازنات والاصطفاف تحت راية «الوطن» التي تختصر في «الدولة»، التي تُختصر هي الأخرى في «الأب/ الحاكم» ومجموعته اللصيقة.
العصيان في الخرطوم بدأته النساء. الكتلة الحرجة في مجتمعات تحت حكم «شركة» بين الجنرالات والاسلاميين المحافظين، تمتص كل أطياف القوى التقليدية في جسد هزيل، وأذيال تتحرك يمينا ويساراً تحت إمرة رأس الحكم.
النساء، والشابات منهن، اخترن الدفاع عن الحياة، بعد ارتفاع سعر الادوية، بسبب قفزة سعر الدولار (وصل إلى 18 جنيها سودانيا)، وفي الدفاع عن الحق في الحصول على العلاج. طريق يُحفر من أجل إعادة توصيف السياسة خارج حسابات الصراع في «الصيغ القديمة» او التوازنات التي قامت عليها دول التحرر الوطني. دول تدور في عالم الهويات، والصراعات بين الشرق والغرب، من دون أن تبني علاقات مع السكان.
هذه حركة صغيرة خارج «الإيقاع السياسي» القائم على الرعب من سلطة متجبرة.
العصيان الذي قادته المجموعة النسوية، يكسر «ذكورة» السياسة، ويوسعها، ولا يجعلها استعارة من استعارات الصراع حول موقع «بطل القبيلة..».
من جديد تبدو الإشارات الصغيرة من عالم «السوشيال ميديا»، ملهمة في فعالية الحركات الصغيرة، أو في تفكيك الكتل المجنزرة، بما يسمي «أثر الفراشة..».
ـ 2 ـ
وماذا ستفعل الدولة في أبوتها؟
أي كيف ستمارس الحكم دولة «عتيدة في مركزيتها واستبداد الجالسين في قصورها» مثل مصر، من دون مسوغات الأبوة في تقدم الخدمات الضرورية (التي تقوم بها شركات عامة وليست خاصة في أشد دول الحد الأدنى ضراوة؟).
الدولة في أبوتها ليس أمامها إلا أن تكون «ترامب..» أو «داعش»، هما وجها آخر زمان «الذكورة» السلطوية، وهو الآخر، لا يعني أنه سينتهي أو سيزول، فالترامب والداعش، هما العودة الى بدائية ظن الجميع أنها ذاهبة بلا عودة.
كيف ستحتفظ الدولة بسكانها رهائن، أو زبائن؟
ليس أمامها غالبا إلا بث اليأس بأسئلة من نوع: «...وأين البديل؟» يطرح السؤال حتى لو كان جنرال الخرطوم متهما بإبادة جماعية، ولا يستطيع حتى ضمان حق العلاج لملايين قتل باسمهم... أو أن ينسف جنرال آخر كل أحزمة الأمان لملايين بايعوا الدولة وباعوا لها الولاء. وتتسع قطاعات الذاهبين الى الفقر أو المقيمين في هامش المجتمع، كما لم يحدث في أحلك ظروف الحرب او الإشراف على الإفلاس.
ـ 3 ـ
..الى متى يمكنك أن تشتري الوقت؟
اذا سألت حاكما / أو شريكا في الحكم /مؤسسة/ شطاراً وأصحاب مصالح، من ساكني بيوت الحكم، فلن تجد إجابة، إلا عبر السؤال عن البديل: وفي السودان لا بديل جاهزاً بعد أن «هرست» أجهزة البشير أحزاباً وتيارات سياسية كانت قادرة على خلخلة سلطة مستبدين عتاة مثل النميري وسواه… والسؤال في القاهرة ملغز، فكيف يخلق بديل بعد إغلاق المجال العام والحرب على السياسة بكل ما تملتك «الدولة» من أدوات وقدرات على التحول الى «شبه دولة» في قبضة الاجهزة.
إخلاء الشوارع أو الصمت الغاضب، هو إعادة تشكيل للعلاقة التي لا تحتاج إلى بديل أكثر من احتياجها إلى التخلص من ميراث البلادة في النظر إلى «قدرية» الحاكم والدولة والعلاقات بين الناس والسلطة، ومن فكرة أن «الرعية» جاهلة والحاكم يقودها بمؤسسات فاسدة، حتى تتحول المجتمعات الى رهينة الأجهزة الأمنية وهبة حاكمها.
هذه المجتمعات وعبر إعادة ترتيب نفسها في «أحداث صغيرة» وبحثا عن «مواقع» في الفراغات التي تتركها السلطة، تحتاج إلى حرية حركة، واتفاق على التعايش، من دون أبوة فاشلة.
هذه المجتمعات مستقبلها ليس أبا بديلا، ولا فاشلاً جديداً يعيد الماضي وما قبل الماضي.




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024