لا تبدو الطبقة السياسية الحاكمة في العراق عابئة بقضايا امنية واقتصادية ومعيشية تثقل كاهل العراقيين على وقع الحرب الجارية ضد تنظيم «داعش« في اكثر من محور، يتطلب حسمها تعزيز السلم المجتمعي عبر رسائل طمأنة للمتخوفين من» ديكتاتورية الاغلبية» قابضة على السلطة، للخروج من مستقبل مجهول يثير قلقا على الصعيدين الاقليمي والدولي.


فاقرار البرلمان العراقي اول من امس لقانون يحصّن عمل مليشيات «الحشد الشعبي» اضاف ازمة جديدة الى سجل ازمات يزدحم بها المشهد العراقي المفتوح على كل الاحتمالات، اقلها الارباك الذي بات يخيم على العملية السياسية في البلاد بعد اصطفاف اغلب القوى السياسية السنية في جبهة رفض قانون «الحشد« ورفض تسلم مسودة مشروع «التسوية التاريخية» التي اعدها التحالف الشيعي.


ومنذ ظهور ميليشيات «الحشد الشعبي« على واجهة الاحداث بشكل رسمي بعد سقوط الموصل في مطلع حزيران 2014 عقب فتوى «الجهاد الكفائي» من قبل المرجع الشيعي الاعلى السيد علي السيستاني، كان الصراع على اشده بشأن هويته بين قادة الفصائل المدعومين من إيران. 


وطفا الانقسام بين من يريد تحويله إلى «فصائل مقاومة» وبين الدولة العراقية مدعومة من المرجعية الشيعية في النجف التي تريده رديفاً للجيش العراقي، وهي خلافات قد تعقد الجهود لمحاربة «داعش« التي اجتاحت نحو ثلث البلاد في 2014 وأعلنت «خلافة» تمتد إلى أجزاء من سوريا.


وبحسب ما ابلغت به مصادر سياسية مطلعة صحيفة «المستقبل«، فان «الولايات المتحدة وعبر ممثليها في السفارة الاميركية في بغداد، اطلقت اشارات إلى مسؤولين عراقيين تتضمن رفضها تشريع قانون «الحشد الشعبي« خصوصا ان بعض قياداته متهمة بالارهاب الدولي ومطلوبة للقضاء الاميركي وعليها عقوبات دولية»، لافتة الى ان «الولايات المتحدة ابلغت الجانب العراقي بعدم التعامل مطلقاً مع «الحشد الشعبي« وستخضع الاسلحة التي ستسلم إلى حكومة بغداد، الى رقابة صارمة لمنع تسربها الى بعض الفصائل الشيعية المعادية لاميركا«.


وتابعت المصادر ان «السفارة الاميركية اكدت لبعض الساسة العراقيين، امتعاضها ورفضها الشديد لطريقة اقرار قانون «الحشد الشعبي« من دون موافقة ممثلي المكون العربي السني في البرلمان العراقي، وهو ما يجعل الجهود المبذولة من قبل مسؤولين اميركيين وامميين لاجراء تسويات سياسية بين الافرقاء العراقيين في حكم الفاشلة»، موضحة ان «واشنطن من خلال ديبلوماسييها في العراق، ستعقد لقاءات مع اطراف شيعية لغرض حل الازمة «.


واشارت المصادر الى ان «بعثة الامم المتحدة في العراق حملت فشل اي مصالحة وطنية، إلى التحالف الشيعي الحاكم بعد لجوئه الى التصويت على قانون «الحشد« وفقاً للاغلبية السياسية، وبعيداً عن مبدأ التوافق السياسي المعتمد منذ اكثر من 13 سنة»، لافتة الى ان «المبعوث الاممي في العراق يان كوبيتش كان في موقف محرج بعدما عرض له النواب السنة طريقة تعامل التحالف الشيعي مع مطالبهم في البرلمان، خصوصا ان المبعوث الاممي كان يبذل جهداً دؤوباً لتصفير المشاكل الشيعية ــ السنية، وضمان الامن والاستقرار في المدن التي كانت خاضعة لسيطرة داعش«.


وفي خطوة تعبر عن السخط السني من تفرد الشيعة بصنع القرار والتحكم بالدولة، رفض ممثلو القوى السياسية السنية تسلم مسودة مشروع «التسوية التاريخية» التي اعدها التحالف الشيعي، من ممثلية الامم المتحدة في العراق.


وأكد مصدر برلماني ان زعيم تحالف القوى اسامة النجيفي ابلغ كوبيتش بإعادة ورقة التسوية إلى أصحابها «إلى حين تغيير سياسة التفرد« في اشارة الى التحالف الشيعي.


وتعد وثيقة «التسوية التاريخية» احدث عرض يقدمه التحالف الشيعي وخصوصاً زعيمه السيد عمار الحكيم، رئيس المجلس الاعلى الاسلامي، إلى القوى السياسية العراقية للمصالحة الوطنية، تشمل بنوداً عدة تتضمن اليات وشروطاً لتحقيق المصالحة في مرحلة ما بعد «داعش« من المفترض ان تخضع لمناقشة سياسية وتقديم القوى العراقية لرؤى جديدة والتفاوض بشأنها من اجل التوصل الى وثيقة مقبولة من الجميع.


وصوتت كل الكتل الشيعية في البرلمان العراقي لإقرار قانون الحشد في جلسة قاطعها النواب السنة التي تعارض وجود قوات مسلحة خارج إطار الجيش والشرطة بعدما وجهت لفصائل ضمن الحشد اتهامات بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين السنة في بلدات وقرى استعادتها من مسلحي «داعش«.


ويلزم قانون «الحشد الشعبي« رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالحصول على موافقة البرلمان العراقي على تعيين قادة الفرق التابعة له، لكنه لا يحدد اسم رئيس هيئة «الحشد الشعبي« او عدد المقاتلين المنضوين رسمياً ضمن صفوفه، ولا يحدد تقسيم أفراده من بين الطوائف المختلفة.


ولجأ رئيس هيئة «الحشد الشعبي« وزير الامن الوطني العراقي فالح الفياض الى الدفاع عن شرعنة عمل الميليشيات ومواجهة الرفض السني لسياسة الامر الواقع، عندما اكد بان قواته لا تعد شبيهة بقوات الحرس الثوري الايراني، لكنها رديفة للجيش العراقي .


وقال الفياض خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد امس، انه «لا يمكن مقارنة الحرس الثوري الإيراني بالحشد الشعبي، وهو ليس نموذجاً مستنسخاً، وهو حشد وطني يدافع عن العراق»، مذكّراً بان «الحشد الشعبي تشكل بفتوى السيد السيستاني والحكومة العراقية احتضنته ودعمته«.


واضاف أن «قانون الحشد الشعبي يحصر السلاح بيد الدولة، ويوجه رسائل تطمين لكل العراقيين» مشيراً الى إن «فصائل الحشد سيُعاد توصيفها، لتصبح تشكيلاً عسكرياً وفق الاطر العسكرية الكاملة، وسيتم منح الرتب العسكرية للمنتسبين بحسب مواقعهم القتالية الحالية وبآليات يضعها رئيس الوزراء العراقي«.


ميدانياً، مع دخول معركة استعادة الموصل اسبوعها السادس، تمكنت القوات العراقية حتى الآن من استعادة 12 حياً في الجانب الايسر من المدينة.


وقال مصدر امني إن «المعارك لا تزال مستمرة بين القوات العراقية ومسلحي تنظيم «داعش« داخل المدينة» موضحاً أن «الأحياء التي استعادتها القوات العراقية شرق مدينة الموصل وشمالها هي السماح، والتحرير، والزهراء، والقادسية الأولى، والقادسية الثانية، والخضراء، وعدن، والمحاربين، والقاهرة، والمصارف، والنهضة، والملايين«.


وفي سياق متصل، أعلن مصدر أمني عراقي مقتل 28 مدنياً واصابة نحو 50 اخرين بينهم نساء واطفال جراء قصف تنظيم «داعش« بقذائف الهاون وصواريخ «كاتيوشا« على احياء المصارف والجامعة والقاهرة المستعادة في الموصل.


في المحور الغربي، شن تنظيم «داعش« هجوماً على فصائل «الحشد الشعبي» غرب تلعفر، بحسب مصدر عسكري اشار الى ان الهجوم استهدف منطقة الشريعة، غرب تلعفر، ونفذه التنظيم بسيارات مفخخة عدة، مضيفاً أن «داعش فجر السيارات قرب فصائل الحشد واشتبك معهم لنحو ساعة قبل أن ينسحب«.


إلى ذلك، صرح قائمقام قضاء سنجار محمى خليل بأنه تم العثور على مقبرتين جماعيتين في شمال العراق تحويان جثثاً لعراقيين أيزيديين، يرجح ان يكونوا قتلوا على ايدي تنظيم «داعش«.


وقال خليل إنه «تم العثور على مقبرتين جماعيتين في قرية أم الشبابيك غرب سنجار». وأضاف أن «المسافة بين المقبرتين هي 150 مترا، وعثر في كل مقبرة على تسع جثث«، لافتاً إلى أن «اللجنة الأيزيدية للإبادة الجماعية أخذت عينات من الجثث». 


وأوضح أنه باكتشاف هاتين المقبرتين، يرتفع عدد المقابر الجماعية المكتشفة في سنجار إلى 29 منذ استعادة المنطقة من تنظيم «داعش» العام الماضي، مشيراً إلى أنه عثر في تلك المقابر على 1600 جثة على الأقل.





أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024