منذ 7 سنوات | العالم / المستقبل

ينتظر العالم بأسره الصورة التي ستكون عليها الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب، وما سيحمله الرئيس المنتخب في جعبته من سياسات خارجية واقتصادية. 


وتسود التوقعات والترجيحات شتى وسائل الاعلام الاوروبية بسبب القلق البالغ الذي تشعر به الحكومات الاوروبية من احتمال تملص ترامب من التزامات بلاده الدفاعية تجاه شركائها في حلف شمال الاطلسي.


وصباح امس، عنونت صحيفة «صانداي تايمز» صفحتها الدولية بأن «الروس يتحضرون لفتح الشامبانيا والصينيون يأملون في الأفضل، اما الاوروبيون فيرتعشون»، اذ بينما يبدي ترامب تراجعا في ما بعض ما يتعلق بسياساته الداخلية باستثناء «طرد المجرمين والذين يملكون سجلا اجراميا وافراد 


العصابات وتجار المخدرات، وهم كثر» حسب تعبيره، تبين المؤشرات انه ماض في اغلب ما توعد به في اطار السياسة الخارجية وابرزه التقارب مع روسيا الذي من شأنه ان يقض مضاجع الاوروبيين امنياً.


وتحضيرا لهذا التسونامي الاميركي ـــــــــ الروسي المرجح حصوله بعد زلزال الانتخابات ووصوله الى الشواطئ الاوروبية مع استلام ترامب السلطة في 20 كانون الثاني المقبل، عقد مجلس خارجية الاتحاد الاوروبي امس اجتماعا طارئا غير رسمي عقد خصيصا للبحث في مستقبل العلاقة بين بروكسل وواشنطن، يليه اليوم وغدا اجتماعات ديبلوماسية ودفاعية رسمية مشتركة بين الاتحاد الاوروبي والناتو الذي لم يخف قادته قلقهم من مصير الحلف على يد الرئيس الاميركي المنتخب. 


وفي هذا السياق، كتب الامين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ مقالا تحذيريا لترامب نشرته امس صحيفة «الأوبزرفر» (نسخة الاحد من صحيفة الغارديان) البريطانية، يذكره فيه بأن الغرب حاليا يمر بأكبر تهديد لأمنه منذ الحرب الباردة، وانه لا ينبغي في هذه المرحلة ان تقوم الولايات المتحدة بالتصرف بشكل أحادي في ما يتعلق بالدفاع والسياسة الخارجية.


واقر ستولتنبرغ في مقاله بأن «ترامب محق في ما يتعلق بضرورة اسهام الدول الاوروبية في الحلف، بالمزيد في الميزانية (يشار هنا الى ان الولايات المتحدة تسهم منفردة بنحو 70 في المئة من ميزانية الحلف)، ولكن جميع الرؤساء الاميركيين كانوا يعترفون بأهمية امن اوروبا كعمق استراتيجي مهم لأمن الولايات المتحدة». 


واضاف انه «من السهل جدا ان نعتبر حرياتنا وامننا والازدهار الذي ننعم به امورا مضمونة. ولكن في الواقع وفي عالم متغير متقلب لا يمكن التيقن من اي شيء، ولهذا نحتاج اكثر من اي وقت مضى الى قيادة اميركية قوية وان يسهم الاوروبيون بما عليهم الاسهام به لتمتين دفاعنا المشترك». 


وتابع ستولتنبرغ: «يجب الا يكون خيار التصرف بشكل أحادي واردا على الاطلاق، سواء اكان ذلك من قبل الاميركيين او الاوروبيين. نحن نواجه اكبر تهديد لأمننا منذ الحرب الباردة، وليس هذا هو الوقت المناسب لوضع الشراكة بين اوروبا والولايات المتحدة موضع شك». 


وذكّر ستولتنبرغ ترامب بتضحيات «اكثر من 1000 جندي اوروبي فقدوا حياتهم في سلسلة الحروب ضد الارهاب التي ساهموا فيها كحلفاء للاميركيين في الناتو منذ هجمات 11 ايلول 2001.


وزعماء الاتحاد الاوروبي (باستثناء رئيسة الديبلوماسية الاوروبية فيديريكا موغيريني)، لم يستخدموا لغة لينة مع ترامب، وخصوصاً رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر الذي هاجم الرئيس الاميركي المنتخب وما يمثله من عنصرية، قائلا «سنعلم الرئيس الجديد للولايات المتحدة ما هي أوروبا، وكيف تعمل، وان حلف شمال الاطلسي اصبح موضع تساؤل». 


وفي ما يتعلق باللاجئين والمهاجرين الذين كرر ترامب مرارا انه لن يقبل لاجئين من سوريا ومناطق الصراع، شدد يونكر على ان «ترامب لديه نهج لا يتماشى بأي حال من الأحوال مع النهج المتبع في أوروبا». 


ووعد الرئيس الاميركي المنتخب بطرد ملايين المهاجرين غير الشرعيين من البلاد بعد تسلمه منصبه، ليستعيد بذلك لهجة التشدد التي ميزت حملته الانتخابية.


وقال ترامب حسب مقتطفات من مقابلة معه في برنامج «60 دقيقة» على شبكة سي بي اس «ما سنفعله هو اننا سنطرد المجرمين والذين يملكون سجلا اجراميا وافراد العصابات وتجار المخدرات، وهم كثر». واضاف ترامب انه يتوقع ان يكونوا نحو «مليونين على الارجح او حتى ثلاثة ملايين» مضيفا «سنطردهم من البلاد او سنودعهم السجن. لكننا سنبعدهم عن بلادنا، فهم هنا خلافا للقانون».


وبعد ان كانت تميزت تصريحاته بعيد فوزه بالاعتدال خصوصا بالنسبة لملف التغطية الصحية «اوباما كير»، ومسألة ملاحقة هيلاري كلينتون قضائيا، عاد واستخدم لهجة متشددة في مقابلته المتلفزة هذه.


وكان ترامب وعد في فينيكس (جنوب غرب) بالعمل منذ اليوم الاول من ولايته الرئيسية على طرد هذين المليونين «من المجرمين الاجانب» المتواجدين بشكل غير شرعي في الولايات المتحدة.


ويسعى رئيس المفوضية الاوروبية وغيره من كبار مسؤولي مؤسسات الاتحاد الى تأليف جيش اوروبي موحد كبديل عن الناتو الذي لم يعد بالامكان الوثوق به كمظلة دفاعية لأوروبا بعد قرار البريطانيين الانفصال عن الاتحاد وتقارب تركيا مع روسيا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد رجب طيب اردوغان، وترجيح شبك ترامب يديه بيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 


فقط موغيريني قامت بواجبها الديبلوماسي واعربت عن تطلع الاتحاد الاوروبي الى العمل مع الادارة الاميركية الجديدة من اجل مواصلة مشوار القيم والمبادئ المشتركة التي تربط الطرفين. 


اما على الصعيد الفردي لدول الاتحاد، فبدت المانيا الاكثر حذرا عندما اعربت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ان المانيا مستعدة للتعاون مع اميركا ترامب، ولكن ذلك مشروط بمدى احترام ترامب لمبادئ وقيم الشراكة التي تقوم على احترام حقوق الانسان والمرأة ونبذ التمييز العنصري والعرقي والديني. 


اما فرنسا فتتريث لترى ما سيكون شكل الادارة الاميركية الجديدة وما وجهة سياستها الخارجية. 


وفي بريطانيا يتم التركيز على توطيد العلاقة مع نائب الرئيس الاميركي المنتخب مايك بنس الذي تعتبر آراؤه في السياسة الخارجية مناسبة اكثر لبريطانيا واوروبا من آراء ترامب. 


وبحسب «صانداي تايمز» هاتف بنس وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون اول من امس وتحدث الطرفان في امور السياسة الخارجية. وبحسب الصحيفة ستحاول لندن جاهدة اقناع ترامب بعدم التخلي عن الثوار السوريين ومواصلة تقديم الدعم لهم.


وتجدر الاشارة الى ان بريطانيا ليست قلقة اقتصاديا على مستقبل العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة، لأن ترامب امه بريطانية (اسكتلندية) ولديه مصالح كثيرة وبزنس في بريطانياـ وكان اكد فور فوزه انه سيمنح بريطانيا اتفاقية تجارة حرة ممتازة، وانه سيضعها في اولويات واشنطن اقتصاديا، وبعد تصريحاته تلك قفزت قيمة الجنيه الاسترليني حيال الدولار الاميركي واليورو في تعاف غير مسبوق منذ قرار البركزيت.


وواصلت بريطانيا تطبيق الاجندة الاستراتيجية الاخيرة التي وضعها الناتو، وارسلت الاسبوع المنصرم بطاريات دفاعية الى دول البلطيق في تأكيد منها عن مواصلة التزامها تجاه شركائها في الحلف، لكن تصريحات زعيم المعارضة البريطانية، رئيس حزب «العمال» جيريمي كوربن (المتفهم لموسكو) الذي طالب الناتو بتقليص انتشاره العسكري في محيط روسيا، لفتت الانظار. 


ويرى مراقبون متابعون بدقة لأروقة السياسة البريطانية انه في حال فشلت حكومة تيريزا ماي (وتحديدا جونسون) في اقناع ادارة ترامب بدعم الثورة السورية ومواصلة العقوبات على روسيا بشأن اوكرانيا، فإن ماي قد تضطر تحت وطأة ضرورة الحفاظ على التوأمة البريطانية ـــــــ الاميركية في حال سلوك ترامب سياسة شراكة واضحة مع روسيا الى الدعوة لانتخابات عامة مبكرة يرجح ان ينتج عنها فوز «العمال» و»حزب استقلال المملكة المتحدة»، فكوربن زعيم الحزب الاول يعتبر السياسي البريطاني المفضل لبوتين، ونايجل فاراج الزعيم السابق للحزب الثاني مقرب جدا من ترامب. 


وستكون تلك الخطوات في حال تمت بمثابة خطوة تقوم بها المملكة المتحدة لحماية نفسها امنيا واقتصاديا في حال حصول حرب ما بين الروس والاوروبيين واتبع الاميركيون سياسة انعزالية وآثروا عدم التدخل بما يجري وراء الاطلسي.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024