منذ 7 سنوات | لبنان / الجمهورية

أنهى الرئيس سعد الحريري استشاراته النيابية، وبدأ جوجلة مطالب النواب. ويبدو أنّ هذه الجوجلة قد تتطلب من الحريري وقتاً وجهداً استثنائيين للتوفيق في ما بينها ومحاولة إخراج الصيغة الحكومية بما يُلبّي عنوان الاجماع الذي طرحه، وبالحد الأدنى من الأضرار.

ما أفرزته الاستشارات، وما أحاط بها من حراك للمستوزرين وغيرهم، وضعَ الحريري أمام مشهدين:


- الأول، ظهر فيه خصومه، في موقع المتعاون والراغب في تسهيل مهمته. ويندرج هنا موقف الرئيس نبيه برّي، الذي أكّد للرئيس المكلف قراره الانفتاح والتعاون الى أبعد الحدود.


والأمر نفسه ينطبق على «حزب الله»، الذي عزف على وتر التعاون نفسه، ومحطة التظهير كانت اللقاء بين الحريري ووفد كتلة «الوفاء للمقاومة»، فخلافاً لكل ما كان متوقعاً عن لقاء فاتر بين الطرفين، كان لقاء «إيجابياً وصريحاً».


لم يأت الحزب على تفاصيل التشكيل والحكومة. كما أنّ الرئيس المكلف دخل بروحية جديدة، كان ودوداً، بدأ حديثه بالمجاملات والسلامات، سأل عن السيد حسن نصرالله، عن صحته، أحواله، وكيف حاله وأبلغ الوفد: «سلّمولي على سماحة السيد».


وفي الخلاصة كان اللقاء بين هذين الخصمين مريحاً، وحديث عام عن المرحلة المقبلة بكل ما فيها من ملفات ومشتركات، وعن الخطاب السياسي وضرورة الانتقال الى خطاب هادئ بعيد عن التشنج والتوتر. واللقاء بين النائب حسن فضل الله ونادر الحريري على هامش الاستشارات صَبّ في هذا الاتجاه.


- الثاني، ظهر في النّهم على الحقائب الوزارية الذي تبدّى في أداء بعض «الأقربين» الذين يروّجون لأنفسهم في المجالس وعلى الشاشات. كما تبدّى في مطالب وطروحات حلفاء الرئيس المكلف وأصدقائه، إذ انهم مارسوا ما يُشبه عملية ابتزاز مقنّعة للاستحصال على وزارات نوعية وبعدد يفوق أحجامهم. باعتبار انهم أعطوا، وكانوا أصحاب الفضل في بناء العهد الجديد وجسر عبور للحريري الى رئاسة الحكومة. وبالتالي، بَدت مرحلة الأخذ وتشكيل الحكومة فرصة لردّ الجميل لهم.


هنا يبرز السؤال: هل النّهم على الحقائب الوزارية يسهِّل مهمة الحريري، أم انه يكون السبب في عرقلة تشكيل الحكومة وهدر الوقت وتضييع الفرصة المتاحة لانطلاقة سليمة وفاعلة للعهد؟ وكيف سيتم إشباع هذا النّهم؟ ومن سيدفع عون أو الحريري، ومن حساب من وعلى حساب من؟


قد يربك هذا النّهم حركة الحريري، علماً أنّ قوى كثيرة قارَبته بالاستهجان، وبرّي اعتبره أمراً مضحكاً؛ قوى تضخّم دورها وحجمها، وكأنها وحدها في الميدان. المستغرب أنّ كتلاً من 8 نواب طالبت بـ4 وزراء مع اشتراط الحصول على حقيبة سيادية. إذا تمّ النزول عند رغبتها، فمعنى ذلك أنّ الحكومة يجب ألا يقلّ عددها عن 70 او 80 وربما 90 وزيراً... فقليلاً من التواضع!


يقول برّي: «لا أرى ما يوجِب بروز تعقيدات تعطّل إمكان الوصول الى حكومة في وقت قريب».


ويشير برّي الى أنّ «الأجواء جيدة ومريحة، ولمست أنّ النيات طيبة، وأنا أبادِل النيات الطيبة والرغبة في التعاون بمثلهما وأكثر. بل انا مع أن تكون خريطة طريق الجميع هي التعاون من الجميع لمصلحة الجميع وللبلد في الدرجة الاولى».


اللقاء قريب بين بري والحريري، تحادثا بعد الاستشارات وأبلغ الرئيس المكلف رئيس المجلس بأنه سيبدأ بـ«الجوجلة»، فرد برّي أنه «في الانتظار».


وهنا يقول برّي: «أتمنى تشكيل الحكومة قريباً، وظاهِر الامور يسير بشكل جيّد، لكنني واقعي لا اعرف متى ستتشكّل الحكومة فهذه مهمة الرئيس المكلّف، ولا استطيع أن أستبق الامور، أو أن أفرط في التفاؤل أو التشاؤم، بل اقول إنّ الامور في خواتيمها».


لا يغرق برّي الوضع الحكومي المستجِد بملفات ثقيلة، ربما لأنه يدرك أنّ العمر القصير للحكومة (عمرها لا يتجاوز 7 أشهر إن تمّ تشكيلها اليوم)، لا يتّسع للملفات كلها. ومن هنا، هناك أولويتان امامها، الاولى إعداد الموازنة العامة، او بالأحرى إقرار الموازنة خصوصاً أنّ وزير المالية علي حسن خليل قد أعدّها في مواقيتها الدستورية وأحالها الى مجلس الوزراء الذي مع الأسف لم يقاربها.


الثانية، إجراء الانتخابات النيابية، وهنا يقول بري: يجب أن تجري الانتخابات، وأؤكد انّ هناك اتفاقاً وتفاهماً على مستوى الرئاسات الثلاث، لإجراء الانتخابات في موعدها.


أمّا شكل القانون الذي سيعتمد، فلا استطيع أن أحدّد صورته ومعالمه من الآن، علماً أنّ موقفي معروف بأنني مع قانون عصري للانتخابات يعتمد النسبية ويؤكّد الكوتا النسائية ومشاركة الشباب في الاقتراع. ذلك أنّ العبور من الطائفية الى الدولة من دون إلحاق الضرر بالطوائف لا يمر إلّا عبر مِثل هذا القانون.


يضيف برّي: «من هنا استطيع أن أجزم بأنني والرئيس عون متّفقان على مبدأ النسبية، سواء على مستوى لبنان دائرة واحدة او على مستوى المحافظة، او على مستوى القانون التأهيلي (تأهيل أكثري كمرحلة أولى على مستوى القضاء، وانتخابات على أساس النسبية كمرحلة ثانية على مستوى المحافظة). امّا في ما خَصّ الرئيس الحريري فأنا لم أسمع منه كلاماً حول النسبية، والحق يقال إنني لم أسمع منه كلاماً بأنه ضد النسبية».


حتى الآن لم يحسم شَكل الحكومة، وإن كان النَّهم على الحقائب قد يرفعها من 24 وزيراً الى 30. أمّا الحصص الوزارية فلا يبدو أن برّي سيتخلى عن وزارة المالية ولا عن وزارة الاشغال، كما لا يبدو أنه سيقبل بوزارة الطاقة إن طُرحت عليه.





أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024