منذ 7 سنوات | لبنان / المستقبل













أكد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي أن «لبنان في خطر بسبب الواقع الانشطاري والنزاعات في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية والفراغ الحاصل، ما سبب تعطيلاً للمجلس النيابي والحكومة وكأن البلد سيتهدم على رؤوس الجميع«، داعياً المسؤولين الى «تحمل مسؤولياتهم والعمل على إنقاذ الوطن«. وأشار الى أن «الكتل النيابية والسياسية تتقوقع على نفسها، بينما قيمة لبنان بتعدديته وفسيفساء الشراكة المسيحية ـ الإسلامية«، محذراً من أنه «إذا استمر هذا الركود الخطير فسيسقط الهيكل على رأس الجميع».


قام الراعي بجولة على قرى جبة المنيطرة ـ جبيل أمس، برفقة راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران ميشال عون، واستهلها من كنيسة مار بطرس تحت القلعة، حيث كان في استقباله المطران منجد الهاشم، رئيس بلديتي العاقورة منصور وهبي والمجدل سمير عساكر.


بعد الزياح، لفت إلى أنه «يكن كل المحبة لهذه الرعية، التي أحببناها ووضعنا حجر الأساس لترميمها، ونحن في أرض لنا فيها ذكريات كثيرة، ومع أن الظروف كانت تحول دون القيام بالزيارة، إلا أنها تمت ابتداء من اليوم ومن كنيسة الرسولين بطرس وبولس، في ظل الظروف التي نمر بها«.


أضاف: «انطلاقاً من القول «لا تكرهوا شيئاً لعله خير«، رأينا مشكلة المشاعات والمذكرة التي صدرت بخصوصها، والتي تبلغ خواتيمها السعيدة، ونحن غداً (اليوم) في القداس الرسمي في العاقورة، سنتحدث عن هذا الموضوع بإسهاب«.


وتابع: «نحن أبناء هذا الجيل، وهذا الجبل والمجتمع اللبناني، الذي سار فيه الموارنة، ومن هنا في يانوح حيث انطلقوا وفي مطرانية العاقورة، هذه البلدة التي قدمت سبعة بطاركة بالإضافة الى المطارنة، فحملوا الوديعة المارونية، ووديعة الإيمان والاستقلالية والحرية، في مسيرة صعبة سلكوا فيها، وواجهوا صعوبات جمة من الاضطهاد والمشكلات في كل العهود التي توالت«.


وتمنى «أن تكون هذه الزيارة الرعوية، التي نقوم بها اليوم، وتمنيناها منذ خمس سنوات، جاءت في وقتها على المستوى اللبناني، وحيث الوطن في خطر بسبب الواقع الانشطاري والنزاعات، التي أدت منذ سنتين وأكثر من ثلاثة أشهر الى عدم انتخاب رئيس للجمهورية، فسقط المجلس النيابي والحكومة في التعطيل، والمؤسسات والتعيينات والإجراءات دخلت في مرحلة التعطيل أيضاً، بما يهدد بأن يقع البلد على رؤوس الجميع»، مناشداً المسؤولين السياسيين «كي يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية، وحتى يتنادى أصحاب الإرادات الطيبة لنخلص هذا الوطن«. 


ثم انطلق موكب الراعي الى المقر البطريركي في سيدة يانوح، على وقع الزغاريد وقرع الأجراس والاحتفالات الفولكلورية، فأقيم احتفال حضره منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، كاهن رعية سيدة النجاة ـ يانوح الخوري ميشال صقر، كاهن الرعية في المغيري الخوري اسطفان الخوري، رئيس «كاريتاس» لبنان بول كرم، المونسينيور القاضي عبدو يعقوب، النائب القضائي في أبرشية جبيل للموارنة المونسينيور شربل انطون، ورؤساء بلديات ومخاتير المنطقة.


وشكر الراعي رؤساء البلديات والمخاتير على «دورهم في إنماء هذه المنطقة، التي يشعر فيها الفرد برهبة القداسة»، 


داعياً الى «التجذر بالأرض والتشبث بها، لكي نحافظ على أرث أجدادنا«. وأكد أن «هذه الارض عزيزة وثمينة بالنسبة الينا، ونحن مدعوون الى أن نحافظ عليها لأنها تختصر كل تاريخنا، ومنها استمددنا هويتنا التي تميزنا عن كل بلدان المنطقة الشرق أوسطية«. وقال: «الله يريدنا أن نعيش معاً في هذه البقعة الجميلة في العالم التي اسمها لبنان. ولغاية اليوم نحن نتعلق بالحجر وننسى موضوع الفسيفساء، الذي تتميز به تركيبتنا اللبنانية، فيضيع وطننا وهو التهديد الأكبر، وهذا ما يحصل مع الشغور الرئاسي منذ أكثر من سنتين، لأن كل مسؤول يتلهى بحجره الصغير وينسى الفسيفساء«.


وفي الختام تم تقديم «كرسي البطريرك» الى الراعي.


بعدها، انتقل الراعي الى كنيسة مار عبد ـ مزرعة السياد، حيث كان في استقباله النائبان سيمون أبي رميا وعباس الهاشم والنائب السابق مهى الخوري، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، قائمقام جبيل نجوى سويدان وكاهن الرعية الخوري جوزيف الخوري.


وقال الراعي: «إننا نعيش اليوم فرحة كبيرة بتواجدنا في جبة المنيطرة، هذه المنطقة التي تتميز بجمالها وعنفوانها رغم كل الصعاب، التي يمر بها الوطن». وأشار الى أن «هذه المنطقة قدمت المخلصين، وعلمتنا الصمود ومن هنا في هذه الجبال، والتي أدى جزء كبير منها الى قيامة لبنان بنظامه السياسي الديموقراطي الحالي وصيغته القائمة على العيش المشترك، لذا فلنحافظ على هذا اللبنان بحريته وتعايش أبنائه«.


وتوجه باللوم الى «الكتل النيابية والسياسية، لأنها دائماً تتقوقع على نفسها وتحاول أن تبحث في الأمور الثانوية وفي تناتش الحصص، في حين أن قيمة لبنان بتعدديته في هذا الشرق، وكونه فسيفساء تعني الشراكة المسيحية - الاسلامية«.


وبعد صلاة شكر في كنيسة سيدة النجاة، قال الراعي: «يجب ألا نصل إلى وقت من الركود السياسي المخيف الحاصل اليوم وكأننا لسنا معنيين بلبنان وننتظر الخارج، وفي الوقت نفسه يستمر الشعب اللبناني بعيشه الطبيعي وكأن الأمر لا يعنيه«. وأمل أن «يتحرك السياسيون لإيجاد مخارج للشلل الحاصل»، مؤكداً أن «المخرج موجود في لبنان، والشعب اللبناني بالرغم من كل الصعوبات لا يحب الركود، والجماعة السياسية في لبنان يجب أن تخرج من هذا الركود وتقف وتتحمل مسؤولياتها التاريخية، لأنه إذا استمر هذا الركود الخطير فسيسقط الهيكل على رأس الجميع«.


واختتم الراعي اليوم الأول لزيارته الرعوية لقرى وبلدات جبة المنيطرة في قضاء جبيل، بقداس احتفالي ترأسه في كاتدرائية مار الياس في قرطبا، عاونه فيه المطران عون والمطران منجد الهاشم، وخدمته جوقة الرعية بقيادة الاخ روي توما.


وحضر القداس النائبان أبي رميا ووليد الخوري، سعيد، القاضي صقر، نائب رئيس بلدية قرطبا غسان القسيس وأعضاء المجلس البلدي ومخاتير البلدة وفاعليات ولفيف من الكهنة والآباء وحشد من المؤمنين.


وبعد الانجيل، ألقى الراعي عظة بعنوان «ليكونوا واحداً، ليؤمن العالم أنك أنت أرسلتني وأنك أحببتهم كما أحببتني»، قال فيها: «لم يكن المسيحيون يوماً، بحكم طبيعتهم الكنسية واللاهوتية الرسالية، مجموعة منغلقة على ذاتها تعنى فقط بشؤونها، وكأنها في حالة تقوقع و»غيتو» فهم كأعضاء في الكنيسة، جسد المسيح، متواجدون في كل مكان، ويحملون إلى ثقافات الشعوب خميرة ثقافة الإنجيل، ثقافة الأخوة والمحبة والسلام، ثقافة الحقيقة والحرية والعدالة، ثقافة كرامة الشخص البشري وقيمة الحياة البشرية وقدسيتها، ثقافة العيش معاً كمواطنين متساوين مع سائر مواطنيهم ومشاركين بروح المسؤولية في حياة أوطانهم ومؤسساتهم دولهم الدستورية. وهذا ما حققوه بامتياز في لبنان، عبر مسيرة تاريخية طويلة بدأت مع البطريرك الأول القديس يوحنا مارون جيلاً بعد جيل، وصولاً إلى البطريرك الياس الحويك الذي قاد المسيرة الصعبة في بداية القرن العشرين، حتى إعلان دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920، فإلى البطريرك أنطون عريضه وإنجاز الاستقلال والسيادة الكاملين، وجلاء الجيوش الأجنبية، وإقامة الميثاق الوطني للعيش المشترك المسيحي- الإسلامي المنظم في الدستور، وصيغة تطبيقه بالمشاركة المتساوية والمتوازنة في الحكم والإدارة، في سنة 1943. هذه هي الوحدة الوطنية التي يضمنها ويسير على تحقيقها رئيس الجمهورية، ما يقتضي واجب الضمير الوطني انتخابه«.


أضاف: «بفضل هذه الجهود المارونية، التي كان يوحدها البطريرك، جاء لبنان مميزاً عن سائر بلدان المنطقة، في نظامه السياسي الديموقراطي القائم على اعتماد الحريات العامة، وشرعة حقوق الإنسان، والتعددية الدينية والثقافية في الوحدة الوطنية. وفي كل مرة كانت الجهود تتبعثر، كان التأثير يضعف والنظام السياسي يتراجع، ويتراجع معه الاقتصاد وسائر وجوه الحياة الاجتماعية. وهذا ما نشهده اليوم بكل أسف«. وحيا المجتمع المدني، مقدراً «وحدته التي هي الضامنة للوحدة الوطنية«.


وبعد القداس، زار الراعي والوفد المرافق كنيسة سيدة الحرزمانية ثم كنيسة مار تادي.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024