ظهرت في السنوات الأخيرة بعض الفلسفات التربوية، التي تنصح الآباء بالتواصل والترابط مع أطفالهم منذ الولادة بشكل حميمي، والتواصل مع احتياجاتهم النفسية والعاطفية، لكن ما قد لا يعرفه الكثيرون هو أن لهذا التواصل والترابط مع الأطفال جانباً آخر يتعلق بالدماغ ونموه وتطوره.
ويساعد هذا التواصل الحميمي في تشكيل وصلات دماغ الأطفال، ويخلق أنماطاً داخل دماغه تمكّنه من تطوير علاقاته المختلفة فيما بعد.
فعلى سبيل المثال، يستطيع الطفل الذي ينعم بالتواصل الحميمي مع أبويه أن يتعامل مع مخاوفه وقلقه بشكل أفضل على مدار فترات نموه المختلفة، حيث يختزن الدماغ تلك الذكريات العاطفية الخاصة بالتواصل الحميمي، ورغم أن الطفل قد لا يستطيع تذكرها بشكل واعٍ، لكنها تؤثر بشكل مستمر على سلوكياته ونموه.
المقصود بالتواصل هنا هو التواصل الآمن، وهو التواصل الذي يشعر فيه الطفل بالأمان والحماية. يكون الطفل مطمئناً لوجود أبويه بجواره، وأنه ستتم تلبية احتياجاته النفسية والعاطفية، ليس لكل الوقت بالطبع، ولا بشكل مثالي في جميع الأوقات، لكن في أغلب الأوقات، فهو متأكد أن المربي متاح لتلبية احتياجاته. عندما يطمئن الطفل لذلك، ويتكرر ذلك بشكل مستمر يبدأ دماغه بالنمو، خاصة الفصّ الأمامي المسؤول عن التعاطف والمرونة وفهم الذات والتواصل مع الآخرين بشكل صحي وسليم واتخاذ القرارات بشكل جيد وصحيح.
إليكم أيضاً فوائد متعددة للتواصل الحميمي مع الأطفال:
يتفهم ويستمع لأبويه.
هناك مقولة شهيرة للعالم رودولف دريكرز تقول: "التشجيع للأطفال كالماء للنبات"، تخيّل أن طفلك مثل النبات الذي ينمو ويزدهر بشكل طبيعي. إن رأيت هذا النبات يذبل، وتصبح أوراقه بُنية اللون فأنت تفكر إن كان يحتاج المزيد من الضوء أو الماء وما إلى ذلك. ولكنك لا تتنقده أو تصرخ به لينمو جيداً ولا يذبل.
يكوّن الأطفال وجهة نظرهم عن أنفسهم وعن الكبار في محيطهم وعن العالم. فهم يحتاجون تشجيعك ليرون أنفسهم أشخاصاً جيدين قادرين على فعل أشياء صحيحة وجيدة، ويحتاجون أن يشعروا أنك بجانبهم ومعهم. أما إذا كان أغلب ما تقوله لهم هو تصحيح لأفعالهم أو انتقاد فلن يشعروا بأنهم أشخاص جيدون.
4. تذكر أن الاحترام يجب أن يكون متبادلاً. رغم أن هذا مبدأ أساسي لكننا ننساه مع أطفالنا، لأننا نعلم أنه يجب أن نكون زعماء. يمكنك وضع الحدود، بل ويجب عليك ذلك، لكن إن وضعتها باحترام وتعاطف فسيتعلم طفلك التعامل مع الآخرين باحترام، ولا يقبل من الآخرين إلا التعامل باحترام له أيضاً.
5. تذكر أن العلاقات هي نتاج تراكم التفاعلات اليومية. ليس عليك القيام بأفعال خاصة لبناء علاقة مع طفلك، فالخبر الجيد هنا، والسيئ أيضاً أن كل تفاعل يومي يؤثر في العلاقة بينكما.
التسوّق ووقت النوم ونوبات الغضب وخناقات الإخوة، لا يريد أن يشارك لعبته أو يقوم بعمل واجبه المدرسي أو النوم، تعاملك معه في كل تلك التحديات اليومية يعتبر حجر الأساس في علاقتكم الدائمة فيما بعد، وأيضاً يقدم له نموذج في كيف تكون العلاقات.
6. تبدأ عادات التواصل مبكراً. هل تستمع إلى مشكلات طفلك الصغير في الروضة أو مع أصدقائه، حتى لو لديك من المهام ما هو أهم من ذلك؟! فمن الأرجح أن يلجأ لك ويخبرك بمشكلاته عندما يكون مراهقاً؛ لأنه يعلم أنك موجود دائماً وتستطيع الاستماع له.
7. لا تأخذ الأمور بمحمل شخصي. إذا قام ولدك المراهق بغلق الباب بقوة، أو قال طفلك ذو العشر سنوات "أمي أنتِ لا تفهمينني أبداً!"، أو صاح طفلك ذو الأربع سنوات "أبي أنا أكرهك".
تذكر دائماً ألا تأخذ تلك التصرفات بمحمل شخصي، فالأمر لا يخصك كوالد، بل يخصهم هم، فهم بداخلهم العديد من المشاعر المتضاربة، ويجدون صعوبة في التحكم في أنفسهم بحكم السن وعدم نضوج قدرتهم على فهم المشاعر والتعبير عنها. في تلك الأوقات:
8. قاوم رغبتك في العقاب. تخيّل ما هو شعورك تجاه شخص يؤلمك أو يهددك أو يُهينك؟ يحتاج الأطفال إلى توجيهك، لكن العقاب يدمر علاقتكما ويزيد من سوء سلوك الطفل.
9. لا تسمح بتراكم الفجوات في علاقتكما. تذكّر أن كل تحدٍّ أو مشكلة هي فرصة للقرب أو لخلق فجوة أكبر. فحاول ألا تتجاهل المواقف العصيبة واستغلها في التقارب والتعاطف والتواصل مع طفلك.