منذ 6 سنوات | صحة عامة / Huffington Post

إذا استيقظت كل صباح وأنت تحمل ذكريات حية لأحلام الليلة الماضية، فهذا يعني أنك محظوظ، فقد حصلت على قسط أكبر من النوم ذي الجودة العالية، الذي تتحرك فيه العين بسرعة وهي مغمضة.

ولسنوات طويلة، حذَّر الأطباء من أن عدم الحصول على قدر كاف من النوم، يؤدي لمضاعفات صحية تتراوح بين الشعور بالدوار أثناء قيادة السيارة، وسرعة الانفعال والعصبية، ناهيك عن تزايد احتمالات الإصابة بالخرف وأمراض القلب وحتى الموت المبكر. ومؤخراً، ظهرت دراسة جديدة، تؤكد أن هناك نوعاً معيناً من النوم، يعتبر مهماً جداً في تعزيز قدرة الدماغ على التعامل مع حالات الخطر والتهديد، وفقاً لما ذكرته مجلة Time الأميركية.

ما العلاقة بين حركة العين السريعة وجودة النوم؟

وتوصلت هذه الدراسة، التي نشرت في المجلة الأميركية لعلوم الأعصاب، إلى أن الأشخاص الذين قضوا وقتاً أكبر في مرحلة نوم "حركة العين السريعة" (REM)، حيث تولد الأحلام، سجلت أدمغتهم معدلات خوف أقل، عندما تعرضوا في اليوم التالي لصدمات كهربائية متوسطة التأثير.

وقد تعني هذه النتائج أن الحصول على قدر كاف من النوم العميق، الذي تتحرك فيه العين بسرعة أثناء الأحلام، قد يجعل الإنسان أقل عرضة لمشاعر الخوف والتوتر ويحميه من الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة.

هذه الدراسة ليست الأولى التي تثبت أن حالة النوم العميق، حيث يصل الإنسان لمرحلة حركة العين السريعة، له فوائد مهمة. إذ يعتقد بعض الخبراء أن نقص هذا النوع من النوم ونقص التعرض للأحلام في الليل يسببان العديد من المشكلات الصحية التي يعاني منها معظم الأشخاص خلال اليوم.

وأجريت دراسة مؤخراً من قبل باحثين في جامعة روتجرز الأميركية، توصلت إلى أن جودة النوم الذي يحظى به الإنسان قبل التعرض لصدمة نفسية يمكن أن تلعب دوراً في طريقة تفاعل الدماغ مع الحادثة المخيفة التي كان سيتعرض لها. وكلما تمتع الإنسان بمرحلة نوم حركة العين السريعة، كانت آثار الخوف أقل في دماغه.

متى تحدث حركة العين السريعة؟

تتكون عملية النوم من عدة مراحل مختلفة يمر بها الدماغ والجسم عدة مرات خلال الليلة واحدة. وتتضمن الأولى انتقالاً من النوم السطحي والبطيء إلى النوم العميق. ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة "حركة العين السريعة"، بسبب ازدياد نشاط الدماغ ودخوله في تجربة الأحلام الحية.

وعن هذا يقول البروفيسور روبن نايمان، المتخصص في دراسة النوم والأحلام بمركز الطب الاندماجي بجامعة أريزونا، ومؤلف كتاب "نظرة حديثة حول الأحلام"، إن مرحلة حركة العين أثناء النوم تكون قصيرة نسبياً، وتحدث خلال الثلثين الأولين من الليل، حيث يميل الجسم في تلك المراحل إلى التقليل من نشاطه والاستغراق في الراحة.

كيف تحدث؟

وخلال مرحلة نوم حركة العين السريعة، يشهد الدماغ نشاطاً متزايداً على المستوى البصري العصبي والحركي، وحتى على مستوى وظائف الذاكرة، كما يشرح الدكتور ماثيو ووكر، أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب "لماذا ننام"، "بينما يكون هناك نشاط متناقص في أماكن أخرى في الدماغ، مثل المنطقة المرتبطة بالتفكير المنطقي، لذلك يرى الإنسان غالباً أحلاماً واضحة، ولكنها غريبة وغير مفهومة".

كما يؤكد الدكتور ووكر أن الأحلام التي نتذكرها عند الاستيقاظ من النوم هي فقط جزء مما رأيناه في مرحلة نوم حركة العين السريعة، مع العلم بأن الدماغ يكون نشطاً لفترة أطول بكثير مما نتذكره.

من يبتكر الأحلام؟

انقسمت آراء العلماء حول ما إذا كانت الأحلام هي نتاج نشاط عصبي عشوائي أثناء فترة النوم، أم أنها تنطوي على أسرار أعمق، مثل عملية فرز المعلومات في الدماغ، والتفريق بين المهم والتافه منها، أو أنها طريقة يعتمدها العقل البشري للاستعداد للتحديات المقبلة، ودراسة السيناريوهات المحتملة قبل خوضها.

كما يصف الدكتور نايمان نشاط الدماغ أثناء مرحلة النوم التي ترافقها حركة العين السريعة بأنه يشبه معدة ثانية، يتم فيها هضم كل المعلومات التي تم جمعها خلال النهار. يقول الدكتور نايمان إن "كل ما نراه، وكل ما نخوضه، يتم مضغه وابتلاعه ثم تصفيته أثناء نومنا".

هل يمكن تقوية حركة العين السريعة؟

في السنوات الأخيرة، توصلت العديد من الدراسات إلى أن مرحلة حركة العين السريعة تؤثر على قدرة الإنسان على قراءة مشاعر الآخرين وفهم المحفزات الموجودة في محيطه. فعلى سبيل المثال، أوضح الدكتور ووكر في دراسة له أن الأشخاص الذين تمتعوا بمرحلة حركة العين السريعة أثناء القيلولة كانت لديهم قدرة أكبر على قراءة تعبيرات الوجه بعد ذلك بشكل أفضل، مقارنة بأولئك الذين أخذوا قيلولة، ولكن دون الوصول إلى مرحلة النوم العميق.

كما اكتشف الدكتور ووكر وزملاؤه أن الأشخاص الذين يشاهدون صوراً لمختلف المشاعر الإنسانية قبل الحصول على ليلة نوم طويلة وهادئة، أقل عرضة لإظهار ردود أفعال قوية على نفس تلك الصور في اليوم التالي، مقارنة بأولئك الذين لم يحصلوا على نوم كافٍ. وفي هذا السياق، يقول الدكتور ووكر: "أنا أنظر إلى النوم على أنه علاج يتم خلال الليل، إذ يوفر شيئاً من الشفاء والهدوء الذي يعالج عواطفنا، ويجعلنا نشعر بشكل أفضل خلال اليوم التالي".

ما التأثير الإيجابي لحركة العين السريعة؟

لا يزال الباحثون غير متأكدين من سبب هذه الظاهرة، إلا أن جزءاً الدماغ الذي يُنتج هرمون النوربينفرين المشابه للأدرينالين أثناء الاستيقاظ والنوم غير العميق، يدخل في مرحلة خمود أثناء نوم حركة العين السريعة. وهذا ما أكده الدكتور إيتامار ليرنر، الباحث في شؤون النوم في جامعة روتجرز، حيث قال "إن هرمون النوربينفرين مرتبط بالضغط والتوتر العصبي، وهو يؤثر على نشاط مركز الخوف في الدماغ، الذي يعتبر حساساً للمحفزات الخارجية".

ومن بين إحدى النظريات التي تُعرف باسم "فرضية قياس الحركة السريعة للعين"، فإن هرمون النوربينفرين يرتفع خلال ساعات النهار، ويمكن إعادته إلى مستوياته الطبيعية خلال مرحلة نوم حركة العين السريعة. ويقول الدكتور ليرنر "عندما يحدث ذلك فإن مركز الدماغ المسؤول عن الخوف يصبح أقل حساسية تجاه المحفزات الخارجية، وأقل استعداداً لرد الفعل المبالغ إزاء أشياء يفترض أنها غير مخيفة".

ما الفائدة الصحية للأحلام؟

كما أشارت دراسات أخرى إلى أن مرحلة النوم التي تحدث فيها الحركة السريعة للعين ربما تكون مهمة لأسباب أخرى، حيث كتب الدكتور نايمان أن للأحلام تأثيراً كبيراً على الذاكرة والمزاج، بدليل ما توصلت إليه الأبحاث التي ربطت بين عدم جودة النوم والإصابة ببعض الأمراض مثل الزهايمر والاكتئاب.

كما يعتقد الدكتور ووكر أن الأحلام وحركة العين السريعة يحملان منافع صحية كبيرة، لكنه يشير إلى أن هذه المرحلة من النوم ليست الوحيدة التي تعد مهمة. فهناك مؤشرات قوية على أن النوم البطيء الذي يسبق مرحلة نوم حركة العين السريعة لا يزال الأكثر نفعاً، حيث يساعد الجسم على تعديل تدفق الدم ومستويات الجلوكوز في الدم، والتخلص من الصفيحات المتسببة في مرض الزهايمر في المخ.

كيف نحسن النوم ونزيد من الأحلام؟

وهناك بعض المشكلات التي تتسبب في تقطع النوم واضطراباته، وخفض العدد الإجمالي للساعات التي نحظى فيها بنوم حركة العين السريعة. ومن بين هذه المشكلات نذكر مثلاً توقف التنفس أثناء النوم، وهي مشكلة تعطل الحصول على الأكسجين، التي تجبر الشخص على الاستيقاظ من النوم عدة مرات في الليل.

وفي هذه الحالة، ينصح الدكتور ليرنر بالحصول على المساعدة الطبية لتجاوز مشكلة اضطرابات النوم، مثل الحصول على آلة التنفس الاصطناعي المتنقلة لتجاوز مشكلة انقطاع النفس، كما أن بعض العادات المنتشرة ضمن نمط الحياة العصري، مثل تعاطي الكحول، والمخدرات، والنيكوتين، واستخدام الضوء الصناعي والاعتماد على المنبهات، من العوامل التي تسهم في تشويش نوم حركة العين السريعة.

وهنا ينبه الدكتور نايمان إلى أن "الاستيقاظ بشكل روتيني على صوت المنبه يقاطع المرحلة التي تحدث فيها أهم وأفضل مراحل النوم، ويمكن تشبيه الأمر بمقاطعة شخص في قاعة السينما أثناء مشاهدته للمقطع الأخير من فيلم مشوق".

وللحصول على نوم أفضل ينصح باختيار مكان مظلم ودرجة حرارة معتدلة، والحفاظ على وقت الذهاب إلى السرير كل ليلة. كما أن المحافظة على بعض العادات الإيجابية مثل غلق كل الأجهزة الإلكترونية وتخفيف الملابس يمكن أن يحسن جودة النوم ويمنحنا رؤية أفضل للأحلام.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024