منذ 6 سنوات | أنت وطفلك / Huffington Post

"البدين القبيح" هو اللقب الذي كان يلاحقه في سنوات الدراسة، حتى جاء اليوم الذي لم يعد يتحمل. فاجأ زميله في الفصل بعدة طعنات أردته قتيلاً، ليضع حداً مؤلماً لمعاناته مع كلمة "بدين".

لعل الأكثر ألماً من رؤية طفل ذي وزن زائد يصعب عليه اللعب، هو نعته بالسمين، فوزن الكلام النفسي في هذه الحالة لا يمكن "حرقه" أو نسيانه. هذا ما يدعو إليه أطباء أميركيون من خلال تعديل المصطلحات الطبية عند تصنيف الأطفال، لأن الكلمات نفسها التي تسبب الداء، تملك في حروفها الدواء.

إذ تشير الكاتبة وطبيبة الأطفال الأميركية بيري كلاس إلى أن اختيار الكلمات عند التحدث إلى طفل زائد الوزن أمر أساسي لمقاربة الموضوع من زاوية إيجابية، بدلاً من تصنيفه في خانة ودفعه إلى تشكيل علاقة غير صحية مع الطعام.

مصطلحات الأطباء تخفف وقْع الحرج

كلاس أوضحت في تقرير نشر على صحيفة "ذا نيويورك تايمز" أن الهيئات الطبية الأميركية تصف الطفل بالسمين إذا كان مؤشر كتلة جسمه بالنسبة للعمر والجنس يساوي 95% أو أكثر.

كما قال الأستاذ المساعد في كلية ديل للطب بجامعة تكساس ستيفن بونت، إنَّ إلقاء اللوم على الآخرين وتحميلهم مسؤولية أمر ما لا يُحفِّزهم على تغييره، بل يؤدي بهم إلى شعورٍ سيئ، وحين ينتاب الناس شعورٌ سيئ، يفقدون الحماس لممارسة السلوك الصحي".

وبونت هو أحد الخبراء المشاركين في إعداد بيان سياسة جديد صادر بالاشتراك بين الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال وجمعية السمنة - The Obesity Society - تحت عنوان "الوصمة التي يعاني منها الأطفال والمراهقون المصابون بالسمنة".

البيان الذي نُشِر مؤخراً في مجلة الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، ينصح أطباء الأطفال باستخدام كلماتٍ محايدة مثل "زيادة الوزن" و"مؤشر كتلة الجسم" بدلاً من مصطلحات مثل "سمين" أو"بدين". ويقترح مؤلفو البيان كذلك استخدام لغة تضع الحالة بعد ذِكر الطفل، لا أن تنعته بها، كما في عبارة "طفل لديه وزنٌ زائد" بدلاً عن "سمين".

وينصح الخبراء بأن تخضع الإجراءات الطبية لإعادة نظر كي لا تساهم في زيادة التحيز ضد الأطفال زائدي الوزن. كما يشجعون الأطباء المختصين على المجاهرة بمعارضة هذه الوصمات والتعابير في المجتمع. وجاءت هذه النصيحة بعد بحوث مستفيضة حول مدى انتشار مضايقة الأطفال وتأثير التنمُّر والسخرية عليهم بسبب وزنهم.

وتقول المختصة في علم النفس السريري والأستاذة بقسم التنمية البشرية والدراسات الأسرية في جامعة كونيتيكت، ريبيكا بول: "في ظل تركيز الاهتمام كلِّه على زيادة الوزن وآثاره الصحية في الأوساط الطبية، غالباً ما يتم إهمال الجانبين النفسي والاجتماعي". وأضافت أن الوزن بات يُعد من الأسباب الأكثر شيوعاً لتعرُّض الأطفال للمضايقة أو التنمُّر عليهم، ما يؤدي لآثار ضارة على سلوك الأطفال في تناول الطعام، وزيادة خطر إصابتهم بالكسل وزيادة الوزن، ناهيك عن تردّي صحتهم العقلية وثقتهم بأنفسهم.

السخرية تقود إلى سمنة مضاعفة

وفي دراسةٍ نُشِرَت في وقتٍ سابق من العام 2017، في مجلة Preventive Medicine أو "الطب الوقائي"، دَرَست ريبيكا وزملاؤها الآثار بعيدة المدى على المراهقين الذين يتعرضون للسخرية بسبب وزنهم. وشملت الدراسة أكثر من 1800 شخصٍ تمت متابعة حالاتهم لمدة 15 عاماً، وهم الآن في الثلاثينيات من أعمارهم.

وقالت ريبيكا إن السخرية من الوزن في مرحلة المراهقة تزيد من احتمالية الإصابة بالسمنة، والإفراط في تناول الطعام لتخفيف المشاعر السلبية، لما لهذه المضايقات من تأثيرات طويلة الأمد على الصحة والسلوك الصحي.

وأضافت أنَّه بالنسبة للنساء على وجه الخصوص، ترتبط تجارب مضايقة المراهقات من جانب أقرانهن أو أفراد أسرهن بالإسراف في تناول الطعام بشراهة، وتصوُّر سلبي عن شكل الجسم والسمنة وزيادة مؤشر كتلة الجسم بعد 15 عاماً من التعرُّض لهذه المضايقات. أما بالنسبة للرجال، فهناك بعض الارتباطات المماثلة، بما في ذلك الإصابة بالسمنة عند بلوغ سن الرُشد.

وكشف بحث أنَّ ثُلثي المراهقين في معسكرات إنقاص الوزن أفادوا بأنَّهم يتعرضون للمضايقة أو السخرية بسبب وزنهم، وأكثر من 90% من هذه المضايقات تأتي من جانب أقرانهم. في حين ذَكر ثُلث المشاركين أنَّهم يتعرضون للمضايقة كذلك من جانب بعض أفراد أسرهم.

وقالت الطبيبة ماري جو ميسيتو، مديرة برنامج السمنة لدى الأطفال في مستشفى بيلفيو: "أسوأ شيء يمكن فعله هو دخول غرفة فتاة تبلغ من العمر 11 عاماً لنقول لها إنَّها سمينة، فحينئذٍ، ستجهش في البكاء". وأضافت أنَّها رأت في الآونة الأخيرة صبياً نشأ على سماع والدته وهي تقول له: "لا تريد أن تكون مثل عمك فلان الذي اضطر إلى إجراء تلك عملية إنقاص وزن وكاد أن يموت"، مضيفةً أنَّ "الطفل أصبح مذعوراً الآن".

الاهتمام الإيجابي يولّد سلوكاً صحياً

واستشهدت كاثرين باور، المتخصصة في علم الأوبئة والأستاذة المساعدة في قسم علوم التغذية بكلية الصحة العامة في جامعة ميشيغان بمدينة آن آربر، بما أسمته "الاعتقاد السائد بأنَّ الناس لا يعرفون أنَّ وزنهم زائدٌ، وأنَّنا إذا أخبرناهم بذلك فحسب سيتحفزون بطريقةٍ سحرية لتغيير سلوكهم".

وقالت إنَّ ما يحدث في حالة زيادة الوزن هو العكس تماماً، فانتقاد الناس وإثارة شعورهم بالوصم لن يُسفر إلا عن جعلهم يشعرون بشعورٍ فظيع حيال أنفسهم، بدلاً من تحفيزهم وزيادة قدرتهم على تغيير الحال.

تناقضات المجتمع تربك الأطفال

وما يزيد الامر تعقيداً هو الثقافة السائدة التي نعيشها، فبينما تنتقد الوزن الزائد بشدة، تُقدِّم في الوقت نفسه فُرصاً وإعلاناتٍ تدعو للإسراف والإفراط.

وقال بونت: "من الأهمية بمكان التركيز على التعزيز الإيجابي وعدم القفز إلى السلبية"، وما يعنيه ذلك بالنسبة للوالدين ومُقدِّمي الخدمات الصحية هو ضمان النظر إلى الطفل نفسه، وليس مجرَّد الرقم الظاهر على الميزان.

وأضاف بونت: "عليكم إدراك أنَّ الأطفال أكثر بكثير من مُجرِّد أوزانهم، وأن تثنوا عليهم عند قيامهم بأي أمورٍ إيجابية، حتى يظلوا قادرين على الحفاظ على ثقتهم بأنفسهم عند مواجهة المشكلات التي تُمثِّل تحدياتٍ أكبر".

ما يجب أن يتم الحديث عنه في غرفة الفحص:

  • الحديث عن التغذية وممارسة الرياضة
  • التركيز على الصحة والسلوك الصحي بدلاً من المظهر النحيف، والقدرة على ارتداء ملابس مُعينة
  • التحدُّث عن أنماط تناول الطعام، وأوقات الوجبات الأسرية، ونوعية الأطعمة التي يختارها الأطفال في المنزل والمدرسة
  • تحديد وقت الجلوس أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية

وبطبيعة الحال، يُسبِّب الإفراط في قضاء الوقت أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية أو تناول الكثير من الوجبات السريعة أضراراً، حتى إذا كنت نحيفاً.

الحل يبدأ على مائدة الطعام

ويرى بونت أنَّ الطريقة الأكثر فاعلية بالنسبة لأولياء الأمور في مساعدة أطفالهم تتمثُّل في إجراء تغييراتٍ صحية لجميع أفراد الأسرة بغض النظر عن هيئتهم أو وزنهم. ويمكن إضافة تعديلات حياتية ببطء، مثل إضافة أحد الخضراوات الخضراء الجديدة إلى النظام الغذائي الأسري، وعدم الاحتفاظ بمشروباتٍ سكرية في المنزل، أو السير إلى المدرسة بدلاً من ركوب السيارات.

ويجمع الخبراء على أنَّ إحدى الرسائل الأساسية بالنسبة للأطفال هي أنَّهم لا يزال بمقدورهم الاستمتاع بأيامٍ مميزة، ومفاجآت استثنائية، ووجباتٍ خاصة، فيقول بونت: "استمتعوا بالعطلة، ولتجعلوا التغييرات الصحية في أيامٍ أخرى بخلاف أيام العطلة".

وقالت كاثرين إن الغذاء هو طريقتنا للتواصل مع الناس، لا سيَّما في الأعياد، وهو طريقتنا للم الشمل وإظهار الشُكر والامتنان، والأفضل أن نحظى بمناسبات سعيدة من دون الإساءة إلى أحد.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024