هناك حالات متعددة قد يعمد فيها البشر لأسباب مختلفة لتشويه أجسادهم رغم مخالفة ذلك للفطرة البشرية، والقدسية التي يحظى بها الجسد البشريّ من وجهة نظر دينية وأخلاقيّة وسياسية.

هذه القدسية التي تحيط بالجسد البشريّ لطالما انتهكت، وتم تحديها عبر طرق مختلفة، تمتد من الوشم حتى بتر الأعضاء، مما يؤدي لتغيير شكل الإنسان الطبيعيّ أو إدخال مواد غريبة للجسم، دون أسباب طبيّة، وإنما لأسباب سياسيّة أو جمالية أو نفسية أو اجتماعية.

هذا التقرير يقدم قائمة بأبرز نماذج ودوافع تشويه الجسد ووشمه، بعضها لن يدهشك فقط، بل يحتاج منك لقوة أعصاب لاستكمال قراءته.

تشويه الذات تحدياً للأعراف

يعمد الكثيرون إلى تشويه أجسادهم بالمعنى العام والدقيق، تعبيراً عن الوقوف بوجه السلطة الاجتماعيّة، ورفضاً للمعايير الموضوعة، وتحدياً للأعراف القائمة التي تتحكم بالجسد.

وهذه الممارسات نراها بكثرة في الجماعات التي تكسر الأعراف القائمة، كمن يمارسون نوعاً من التشويه الذاتي كإزالة أعضاء من جسدهم.

هذه التشويهات أو المخاطرة بالعطب في الأجساد تكثر لدى فناني الأداء مثلاً، في استفزاز للأنظمة الرأسماليّة أو أنظمة الهيمنة والتمييز، كحالة الفنان الياباني ماو سوغياما، الذي قام باستئصال أعضائه التناسليّة وطهيها وعرضها للبيع والأكل مقابل مبلغ ماديّ، وذلك تعبيراً عن الاحتجاج ضد التمييز على أساس الجنس في المجتمع.

قبضة حديدية في نهاية الذراع

البعض يسعى لخلق عوالم جماليّة موازيّة ومعايير مختلفة لما هو "جميل"، عبر كسر الصورة النمطية للجسد المثالي، التي تتمثل بتحوير شكل الجسد، والتي تبدأ من الوشم حتى قطع اللسان أو جزء من الأذن مثلاً.

الانحراف عن الشكل المثالي للجسد يحمل انتقاداً لمعايير الجمال الاستهلاكيّة، وخصوصاً فيما يتعلق بجسد الأنثى أو الرجل، والتي تروج لأشكال شديدة الكمال حتى لا تبدو واقعية، لتأتي هذه التشويهات بوصفها رفضاً ومحاولة لتأسيس معايير أخرى لا تنتمي لصور المجلات والإعلانات، وتأكيداً على الحرية الشخصيّة لأقصاها، والتي نراها في الكثير من الحالات كالبريطاني ماثيو ويلان الذي قد يفقد ذراعه بسبب عملية زراعة لقبضة معدنية فيها.



بتر الأعضاء للتهرب من الجيش

في هذه الحالات يخضع فيها الشخص جسده للتشويه، بهدف الفرار وتفادي قبضة السلطة، كحالات التهرب من الخدمة العسكريّة، وهي ظاهرة كانت موجودة منذ القدم، كأن يقطع مرشح للتجنيد إصبعاً للتهرب من خدمة العلم الإجباريّة.

وتحدث المؤرخون عن هذه الظاهرة على سبيل المثال في عهد محمد علي باشا حاكم مصر ومؤسس جيشها الحديث، الذي فرض التجنيد الإجباري، كما حدث في سوريا، حيث قيل إن شاباً قام بتشويه أعضائه التناسليّة، وقيل إن السبب أنه لا يريد أن يساق للخدمة العسكريّة، بينما فسر البعض ما حدث بأنه مختل عقلياً.

ففي مثل هذه الحالات يعتبر الشخص الذي يقوم بتشويه نفسه هذا هو المخرج الوحيد أمامه، فيفضل أن يفقد عضواً على أن يفقد حياته كلها في الحرب.

وشم عنصري على أجساد الضحايا

أحياناً يأتي التشويه وهنا بمعنى الوشوم، كدليل على الانصياع للسلطة، وتبني شعاراتها وموقفها، وهذا أيضاً ما نراه بشكل خاص ضمن المؤسسة العسكريّة، حيث يقوم بعض الجنود بوضع وشم يمثل الفصيلة الذين ينتمون لها، تعبيراً عن التماهي مع الوحدة أو المؤسسة.



أحياناً يكون الأمر بالعكس، إذ تقوم السلطة بوشم سجنائها مثلاً، لتمييزهم عن غيرهم، بفعل عنصريّ تمارسه السلطة، كما حدث في معسكرات النازية، حيث كان يتم وشم اليهود بأرقام متسلسلة، للدلالة عليهم، وهكذا أفعال ترى في أجساد البعض أعداء لا بد من تمييزهم دائماً عن غيرهم من المواطنين.




وشم جنائي يسجل تاريخ الجريمة

جوانب أخرى مرتبطة بالتشويه والوشوم نراها في عوالم السجون، حيث يعمد البعض إلىرسم وشم يدل على جرائمهم أو قتلاهم، وهذه الحالة منتشرة بين المجرمين، حيث يحاولون فيها إبراز أنفسهم حتى على الصعيد الجسدي بوصفهم خطيرين.

تشويه الأنف ليصبح مثل الأشرار

هناك جانب آخر مرتبط بالاستعراض أيضاً، هو ما يقوم به البعض عبر عمليات تحوير لأشكالهم لتوافق تلك التي يرونها على شاشات التلفزيون والسينما، وغيرها من وسائل الإعلام، كمن تحاول أن تصبح كباربي أو هنري دامون الذي قام بعدد من عمليات التجميل كإزالة أجزاء من أنفه ليصبح شبيه الشرير الخيالي المفضل لديه.

هنا التشويه يبدو أنه يأخذ منحاً استهلاكياً، وانصياعاً كاملاً لقوانين السوق والصور التي يبثها ويقدمها.

وفي هذه الحالة لا يكون تشويه الذات نابعاً من موقف سياسي أو ثقافيّ، بل مجرد انصياع كامل يثير الشفقة في الكثير من الأحيان بوصفه تفانياً هائلاً في سبيل الاستعراض والبروز، وتعبيراً عن الامتثال للمنتجات الاستهلاكية الإعلامية أحياناً.

قطع الأذن دليل نهائي على الحب

البعض يرى في عمليات التشويه وسيلة للحفاظ على الذاكرة، إذ تصبح عمليات الوشم والألم المرتبط بها تخليداً لحادثة ما أو حدثاً ما.

في حين أن البعض الآخر يرى في هذا الألم وسيلة للتعبير عن المشاعر والقدرة على البذل في سبيل الآخر.

والمثال الأوضح على ذلك فان غوخ، الذي قطع أذنه من أجل حبيبته، فالتشويه هنا يحمل منحى شعرياً واستعداداً لبذل الجسد في سبيل الآخر، لنيل حبه أو مكسب شخصيّ منه.









أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024