منذ 7 سنوات | العالم / وكالات

ربّما كانت محاولة الانقلاب المتسرّعة في تركيا الأسبوع الماضي محكومًا عليها بالفشل. فإنشاء القادة لمجموعة واتساب لتنسيق عمليّة السّيطرة على البلاد كان بدون شكّ إشارة على عدم جهوزيّتهم.

بدأت المحاولة ليلة 15 تموز/يوليو وانتهت بعدها بوقت قصير. وفي المحصّلة الحاليّة، حتّى صباح 19 تموز/يوليو، قتل مدبّرو الانقلاب 60 شرطيًا، وثلاثة جنود و145 مدنيًا. وقد قُتِل أيضًا حوالي 100 من قوّات الانقلاب. جرى القبض على أكثر من 6,000 جندي، بمن فيهم حوالي 4,000 مجنّد إلزامي وحوالي 2,000 من ذوي الرّتب، منهم 15% برتبة رائد أو أعلى. ومن بين المعتقلين 188 جنرالاً، وهذا ثلث العدد الإجمالي للجنرالات في القوّات المسلّحة التّركيّة.

ومن بين المعتقلين، جرى حجز حوالي 2,400 جنديّ في أنقرة و1,500 في اسطنبول. وبحلول 19 تموز/يوليو، كان قد جرى استجواب حوالي 60 من الجنرالات المعتقلين وتوقيفهم، وإطلاق ثلاثة منهم. لم تقتصر الاعتقالات الجماعيّة على القوّات المسلّحة التّركيّة: أوقف حوالي 8,000 شرطي عن أداء مهامهم، واعتُقِل 4,000 غيرهم من وزارة الدّاخليّة بما في ذلك قيادة قوّات الدّرك وغير ذلك من المناصب الحكوميّة.

السّبب الرّئيسي لفشل الانقلاب كان ولادته المبكرة. كيف؟ أوّلاً، جرى التّخطيط للانقلاب لتاريخ لاحق لكنّه تطوّر سريعًا. ثمّ جرى تغيير موعد الانقلاب، فكان من المخطّط أن يبدأ عند الثالثة فجرًا من يوم 16 تموز/يوليو، لكن جرى تقديمه مرّة أخرى خمس ساعات، إلى حوالي السّاعة العاشرة من مساء 15 تموز/يوليو، بعد أن جرى اكتشاف محاولة الانقلاب.

قالت مصادر مطّلعة في أنقرة تحدّثت مع المونيتور شرط عدم الكشف عن هويّتها، إنّ قوّات الانقلاب تألّفت من مجموعة متنوّعة من أعضاء ما يسمّى بتنظيم فتح الله كولن الإرهابي (FETO)، وهم علمانيّون يعارضون حكومة حزب العدالة والتّنمية الحاكم والرّئيس رجب طيّب أردوغان؛ ومن براغماتيّين انضمّوا إلى مدبّري الانقلاب للتقدّم الوظيفي ولمصالح شخصيّة؛ ومن جنود اضطرّوا للانضمام تحت الضّغط أو الابتزاز؛ ومن جنود أدنى رتبًا لم يكن بإمكانهم تحدّي الأوامر بسبب ثقافة الطّاعة المطلقة للقوّات المسلّحة التّركيّة. وقد فشلت الخطّة لأنّهم تحرّكوا قبل الوقت المخطّط. لماذا كانوا بهذا التّسرّع؟

السّبب الرّئيسي هو أنّهم علموا أنّ المجلس العسكري الأعلى القادم، الذي يتّخذ قرارات التّرقيات والتّعيينات للجنرالات والأميرالات في القوّات المسلّحة التّركيّة، كان من المزمع انعقاده في الأسبوع الأوّل من شهر آب/أغسطس. وتجدر الإشارة إلى المقال الذي كتبته في المونيتور بتاريخ 3 آب/أغسطس 2015 والذي يحمل عنوان "إعادة تنظيم متوقّعة في القيادة العسكريّة التّركيّة"، حيث قلت إنّ إحدى المهام الأكثر أهميّة لرئيس هيئة الأركان العامّة الذي جرى تعيينه حديثًا، الجنرال خلوصي أكار، ستكون محاربة مناصري كولن في القوّات المسلّحة التّركيّة؛ وإنّ هناك عدّة لوائح متداولة ترد فيها أسماء مثل هؤلاء الضّباط. وكانت حكومة حزب العدالة والتّنمية تؤيّد تطهير الجيش من هؤلاء الضّباط، لكنّ القيادة العسكريّة دعت إلى عمليّة متدرّجة ومدروسة تقوم على أدلّة دامغة.

إذًا نجا مناصرو "تنظيم فتح الله كولن الإرهابي" في القوّات المسلّحة التّركيّة وهم سالمون نسبيًا من اجتماع المجلس في العام 2015، لكن كانت هناك علامات مؤكّدة على أنّ هذا العام سيكون مختلفًا.

فالتّطوّرات التي سبقت اجتماع المجلس العسكري الأعلى هذا العام تشير على ما يبدو إلى أنّ اختلاف وجهات النّظر بين الحكومة والجيش قد جرت تسويته إلى حدّ ما. في خلال جلسات الاستماع الأسبوع الماضي في قضيّة التجسّس العسكري في إزمير، جرى اعتقال ستّة ضباط في الخدمة، بمن فيهم أميرال وجنرالين. وجرى في أثره توقيف أربعة من الضّباط المعتقلين. وفي "قضيّة تجسّس عسكري" سابقة أيضًا في إزمير، جرى تبرئة 359 مدّعى عليهم، بمن فيهم ضباط في الخدمة، من تهم الاحتفاظ بوثائق سريّة.

ومع الاتّهامات في قضيّة التجسّس في إزمير الأسبوع الماضي، كان القضاء التّركي يستعدّ لاستهداف حوالي 1,000 شخص من مناصري كولن في القوّات المسلّحة التّركيّة قبل اجتماع المجلس الأعلى. ومع هذا العدد الكبير من الاعتقالات قبل الاجتماع مباشرة، كانت تنوي الحكومة إجبار قيادة القوّات المسلّحة التّركيّة على تنفيذ عمليات تطهير شاملة.

فعندما علم مخطّطو الانقلاب بهذه النيّة، قدّموا الموعد ليسبق اجتماع المجلس، وتبيّن أنّ ذلك أشبه بمحاولة انتحار.

لم اختيار ليلة 15 تموز/يوليو؟ إنّ قائد القوات الجويّة السّابق برتبة أربع نجوم، الجنرال أكين أوزتورك، المتّهم الآن بقيادة الانقلاب، علم أنّ الرّئيس الحالي للقوّات الجويّة، الجنرال عابدين أونال، وغيره من أبرز جنرالات القوات الجويّة سيكونون جميعهم في حفل زفاف، ما سيعطي القوات الجويّة حريّة التّحرّك ضدّ الحكومة.

وأفادت التّقارير بأنّ قادة الانقلاب أعلموا جميع الوحدات المشاركة بأنّهم سيبدؤون العمليّات عند الخامسة فجرًا، واعتبارًا من السّادسة صباحًا سيسري حظر التجوّل على الصّعيد الوطني.

وقالت مصادر المونيتور إنّ قادة الانقلاب كانوا قد خطّطوا للتحرّك عند الثالثة فجرًا لفرض سيطرتهم بحلول الخامسة، عندما سيكون الجميع نيامًا والشّوارع خالية. لكنّ الخطّة لم تنجح. فحاولي السّاعة الرّابعة بعد الظّهر من يوم 15 تموز/يوليو، أي قبل 11 ساعة من بداية الانقلاب المفترضة، علم جهاز الاستخبارات الوطني التّركي - من خلال اعتراض خطوط الإذاعة والهاتف لأفراد في القوّات المسلّحة التّركيّة يُعرَف أنّهم من مناصري كولن - أنّ بعض الوحدات تستعدّ للتّحرّك. وقام جهاز الاستخبارات بإطلاع رئيس هيئة الأركان على الأمر عند الخامسة بعد الظّهر. وفي اجتماع في مقرّ رئيس هيئة الأركان، قرّر المسؤولون إغلاق المجال الجوّي التّركي أمام جميع الرّحلات اعتبارًا من السّادسة بعد الظّهر ومنع الوحدات العسكريّة من مغادرة ثكناتها. وأثناء كتابة هذه الأوامر، جرى استدعاء قائد القوات البريّة الجنرال صالح زكي جولاق إلى مقرّ هيئة الأركان العامة.

وبحلول السابعة مساء، أدرك مدبّرو الانقلاب أنّ خطّتهم انفضحت وتمكّنوا من أخذ أكار رهينة لديهم. وبعد أن رفض أكار طوال ساعتين التّوقيع على أمر يجبر جميع الوحدات على الانضمام إلى الانقلاب، ورفض الظّهور على التّلفزيون لإخبار الأمّة بأنّ الجيش بكامل سلسلة قيادته قد استولى على البلاد، كانوا قد تأخّروا أكثر بعد. في النّهاية، لم يتمكّن مدبّرو الانقلاب من الحصول على توقيع أكار، فأرسلوا أمرًا موقّعًا من عميد وأطلقوا انقلابهم حوالي التّاسعة والنّصف مساء – أي قبل الوقت المحدّد بخمس ساعات ونصف. وفي أول مؤشّر على الخطوات المتسرّعة والمتهوّرة لجناح الانقلاب في اسطنبول، جرى إرسال وحدات صغيرة يقودها أعضاء برتب دنيا إلى الشّوارع بحجّة التّدرّب أو محاربة الإرهاب.

وإنّ هؤلاء العسكريّين الذين كانوا يحاولون تنسيق خطواتهم عبر تطبيق الواتساب اقترفوا خطأ جسيمًا بإغلاقهم الجسرين فوق مضيق البوسفور عندما كان الجميع قد خرجوا من منازلهم للاستمتاع بليلة الجمعة وكانت حركة المرور كثيفة. عندها علمت تركيا بأكملها أنّ محاولة انقلاب تلوح في الأفق.

في غضون ذلك، قام قائد الجيش الأوّل في اسطنبول، الجنرال أوميت دوندار، وقائد القوّات الخاصّة، اللّواء زكائي أقسقالي، اللّذين فشلت محاولة إقناعهما بالانضمام إلى الانقلاب، بالتّصريح علنًا بأنّ الانقلاب لم يجرِ بقرار من سلسلة القيادة في القوّات المسلّحة التّركيّة، وأنّه كان غير شرعي ولا يمتّ بصلة إلى الجيش. وقد شكّلت تصريحاتهما ضربة قويّة لمدبّري الانقلاب. وعند العاشرة مساء، أرسل قادة الانقلاب 12 طائرة أف-16 للتّحليق على علوّ منخفض فوق أنقرة واسطنبول، في محاولة لتخويف النّاس كي لا يخرجوا من منازلهم. وأتى القصف الجنوني الذي نفّذته الطّائرات، مستهدفة أماكن رمزيّة كمبنى البرلمان ومقرّ الرّئاسة، عندما أدرك مدبّرو الانقلاب أنّهم فقدوا السّيطرة.

لم يكن لمدبّري الانقلاب أيّ خطط مرسومة للسّيطرة على الموجات الرّاديويّة. وعلى نحو غير متوقّع، ظهر رئيس الوزراء بن علي يلدريم عند السّاعة الحادية عشر مساء على التّلفزيون لإعلام الرّأي العام بمحاولة الانقلاب، ثمّ عند الحادية عشر والنّصف، اتّصل الرّئيس رجب طيب أردوغان ودعا الجماهير للنّزول إلى الشّوارع والتّصدّي للانقلاب. واتّصل مجدّدًا عند الثالثة فجرًا من مطار أتاتورك باسطنبول، ليضع وحدات الانقلاب وجهًا لوجه أمام حشود غاضبة تسير باتّجاه مناطق حسّاسة.

بحلول ذلك الوقت، كان الانقلاب يتداعى والمخطّطون له يبحثون عن طرق لإنقاذ أنفسهم.

بذلك، تكون تركيا قد نجحت في المرور بسلام عبر منحنى خطير. لكنّ السّؤال هو، هل فازت الدّيمقراطيّة مع انهيار الانقلاب؟ سيتوجّب علينا الانتظار قليلاً لمعرفة الجواب.

في الوقت عينه، وفي بيان صدر يوم 19 تموز/يوليو، قالت القيادة العليا إنّ القوّات المسلّحة التّركيّة حاربت ببسالة ضدّ قتلة دمويّين لم يكونوا أهلاً لارتداء زيّ البلاد المشرّف. وقالت إنّ "القوّات المسلّحة التّركيّة، من أصغر مجنّد فيها إلى جنرالاتها وأميرالاتها من أعلى الرّتب، كلّهم في مناصبهم يخضعون لأوامر الدّولة والأمّة".

ولا يسعنا إلا أن نأمل في أن تستعيد القوّات المسلّحة التّركيّة بطريقة أو بأخرى هيبتها الضّروريّة لأمن البلاد ورفاهه.

Read more: http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/07/turkey-coup-attempt-basic-cause-was-premature-birth.html#ixzz4F2nYXtTE


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024