في مقال له في مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، يتحدث ستيفن كوك عن الفرق بين الانقلابين اللذين وقعا في كل من مصر وتركيا، والأسباب التي أدت إلى نجاح الأول وفشل الأخير.

في أوائل يوليو (تموز) من عام 2013، جذبت مصر انتباه العالم حين انتشرت صور المواطنين وهم يحيون بفرح دبابات ومدرعات الجيش المصري، التي كانت قد نزلت إلى الشوارع لإطاحة أول رئيس منتخب. وقد أوضح ذلك مكانة الجيش المصري ونفوذه في البلاد. وفي الجمعة الماضية، عجَّت وسائل الإعلام بصور المواطنين الأتراك وقد تقاطروا على شوارع أنقرة وإسطنبول، وذلك للتصدي لمحاولة انقلابية يقوم بها الجيش التركي على الرئيس رجب طيب أردوغان. فشلت المحاولة، وشن أردوغان حملة تطهير عنيفة على ثاني أكبر جيش في حلف الناتو. فلماذا نجح الجيش المصري فيما فشل فيه نظيره التركي؟

يقول الكاتب إن أول خطأ وقع فيه المتآمرون هو أنهم لم يقوموا باعتقال أردوغان. وفشلوا في السيطرة على مؤسسات الدولة، التي ظلت تعمل بشكل طبيعي. بل إن رئيس الوزراء علي بن يلدرم ظهر على التلفاز يندد بتحركات الجيش، وتعهد بمعاقبة المتورطين. أما في مصر، فقد تمكن عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، من إنجاز هذه الخطوات الهامة للغاية باقتدارٍ تام. وفي مصر أيضًا، كانت أجهزة الأمن من جيش وشرطة على قلب رجلٍ واحدٍ، متحدين للإطاحة بمحمد مرسي. ولكن في تركيا، ما يجهله الكثيرون هو أن هناك انقسامًا حادًا داخل المؤسسة العسكرية التركية.

072016_1112_1.jpghttp://samate.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/072016_1112_1-300x200.jpg 300w, http://samate.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/072016_1112_1-768x512.jpg 768w" sizes="(max-width: 650px) 100vw, 650px">

إلا أن هذه التبريرات تتجاهل فرقًا جوهريًّا بين مكانة الجيشين في الحياة السياسية في كلا البلدين. فلطالما أشار المحللون إلى أن جنرالات الجيش التركي يتمتعون بسلطة عظيمة، فكان يتعين على السياسيين عدم إغضاب الجنرالات حتى لا يطيحوهم عن سدة الحكم. بل إن بولنت أجاويد، رئيس الوزراء التركي في أواخر التسعينيات، كان قد ألمح إلى أن بقاءه في منصبه يعتمد على رضا العسكر عنه.

أما في مصر، يقول الكاتب، فكان الانطباع السائد هو أن المؤسسة العسكرية منصاعة للإرادة السياسية نسبيًّا. اعتقد المحللون أن علاقة الجيش المصري بالحياة المدنية قد انقطعت مع قيام الرئيس السابق حسني مبارك بإعفاء المشير عبد الحليم أبو غزالة من منصبه، في عام 1989. وقد بدا أن الساحة قد أصبحت خاليةً لوزارة الداخلية المصرية في العقد الأخير الذي سبق اندلاع الانتفاضة التي أطاحت مبارك.

ادعى الجيش التركي أنه يحمي الجمهورية، ويدافع عن المبادئ التي أرساها الأب المؤسس، مصطفى كمال أتاتورك، عندما قاد أربعة انقلابات عسكرية بين عامي 1960 و1997. كان عدنان مندريس يقود الحكومة في عام 1960، وقد أطاحه الجيش بزعم مخالفته قيم المجتمع، وإهانة القوات المسلحة. اتخذ الانقلاب شكلًا مختلفًا في عام 1971، فقد جرى استفتاء لإدخال تعديلات على الدستور، لكن اعتبرها الجيش «متحررة للغاية». وفي عام 1980، سيطر الجيش على الحكم لثلاث سنوات، فأعد دستورًا جديدًا سلب بموجبه العديد من الحريات بزعم حماية الدولة من السياسيين الذين لا يؤتمنون على المبادئ العلمانية. وفي عام 1997، ضغط العسكر على الحكومة لتنفيذ بعض المطالب، لكن الحكومة رفضت التنفيذ، فحشدوا مؤسسات الدولة المختلفة، وأطاحوا الحكومة.

يقول الكاتب إن على المراقبين النظر في الأسباب التي دعت الجيش إلى التدخل في الحياة السياسية التركية. فقد شعر الجنرالات أن هناك حالةً من الردة عن الكمالية تنتشر بين أوساط الأتراك. ولو أن الجيش تمكن من غرس الأفكار الكمالية في عقول الشعب، لما اضطر إلى تعيين ضباط على رأس المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون، أو المجلس الأعلى للتعليم، أو اشترط مادةً في الدستور تنص على أن توصيات مجلس الأمن القومي لها الأولوية لدى الحكومة، أو نفذ أربعة انقلابات خلال أربعة عقود.

072016_1112_2.jpghttp://samate.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/072016_1112_2-300x188.jpg 300w, http://samate.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/072016_1112_2-768x482.jpg 768w" sizes="(max-width: 698px) 100vw, 698px">

بعبارات أخرى، اضطر الجيش إلى إكراه الجميع على الانصياع له بعد أن شعر أن الأتراك ما عادوا مقتنعين بمبرراته. إلا أن الجيش بعتاده المتطور وجودة أفراده، يبدو في حالة ضعف بسبب تلك التدخلات المستمرة. فقد أصبحت المبادئ الكمالية بلا معنى بالنسبة لمعظم الناس.

على النقيض من ذلك، يشير التقرير، فلم يضطر الجيش المصري إلى التدخل في الحياة السياسية المصرية، باستثناء عامي 2011 و2013؛ فحافظ على الدعم الذي يحظى به أفراده الذين نادرًا ما كان يراهم أحد خارج ثكناتهم أو نواديهم. إن مكانة الجيش المصري لدى الشعب ظلت غير قابلة للتشكيك. فالفكرة السائدة عنه هو أنه منذ أن أطاح الملكية الفاسدة في عام 1952، صد الجيش عدوانًا ثلاثيًّا، شنته كل من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، في عام 1956، ثم مُني بهزيمة نكراء في حرب عام 1967، ثم أعد العدة واستطاع تحقيق المستحيل بعبور خط بارليف في حرب عام 1973، فاستعاد كرامة الأمة وأرضها، وهو ضمانة استقرار البلاد والاعتدال، ويحافظ على القيم الإسلامية.

إن الترحاب الذي قوبل به الجيش من قبل السياسيين وشريحة لا بأس بها من المجتمع حين أطاح محمد مرسي، يظهر مدى رسوخ الأساطير الشائعة عن المؤسسة العسكرية في مصر. ولهذا السبب، لن ينضب الدعم للسيسي ورفاقه، حتى لو انخفض بسبب تدهور الاقتصاد والوضع الأمني في البلاد.

يختم الكاتب بالقول إن عدم كفاءة الانقلابيين في تركيا صدمت العالم، إلا أن فشلهم لم يكن كذلك. فالجيش التركي ضعيف من الناحية السياسية، ولا أدل على ذلك من قيامه بأربعة انقلابات في مدة قصيرة.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024