منذ 6 سنوات | لبنان / الديار



ثمّة غضب كبير قائم اليوم في الشارع اللبناني من الأمن المكشوف، وغير الممسوك، ليس من جهة الإرهاب أو التهديدات الإسرائيلية المستمرة للبنان، فالجيش اللبناني يُمسك زمام الأمور ويُواجه المتطرّفين على الحدود، ما يُطمئن الداخل لدرجة كبيرة. أمّا الخشية فمن السلاح المتفلّت الذي يملكه العديد من المواطنين اللبنانيين وباتوا يستخدمونه لأتفه الأسباب، فيقع كلّ يوم ضحية أو أكثر إمّا جرّاء الخلاف على حادث سير بسيط أو أفضلية المرور، أو لأسباب تتعلّق بمسائل الشرف والثأر التي لم نكن نسمع بها الا لدى العشائر.

ويبدو أنّ الوضع ليس مطمئناً، ليس بالنسبة للبنانيين فقط، إنّما أيضاً لبعض المراقبين الدوليين الذين يشدّدون على ضرورة استمرار الهدوء والحفاظ على الاستقرار في لبنان، على ما تقول أوساط ديبلوماسية، وما يحصل اليوم ليس دليل عافية، ولا يدلّ على حسن التعايش المشترك سيما أنّ الجاني والضحية غالباً ما يكونان من طائفتين مختلفتين. وهذا الأمر، بحسب رأيها، يوحي بأنّ ثمّة مخططاً ربما لإعادة الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، على غرار ما كان عليه خلال سنوات الحرب الماضية، وهذا شيء خطر.

فإذا لم يتمكّن التكفيريون من توتير الوضع الداخلي، أو تحويل الساحة اللبنانية الى ساحة جهاد، على ما جرى في كلّ من العراق فسوريا، فإنّه لا بدّ للدولة من إمساك الأمن الداخلي بين اللبنانيين أنفسهم إذ يكفيهم ما يعانونه من مشاكل جرّاء النزوح السياسي ومزاحمة السوريين لهم على السكن والطبابة والاستشفاء، كما على مهن كثيرة. وعلى هذا الأساس، تقول الأوساط انّه لا بدّ من فضح الجهة السياسية التي تؤمّن السلاح للذين يستخدمونه، لا سيما الذين هم من ذوي السوابق، في الجنح والجرائم وتعاطي المخدرات وما الى ذلك.

الإجراء اليتيم الذي سجّلته وزارة الدفاع بإلغائها جميع تراخيص الأسلحة الصادرة عن العام 2016 جيّد، لكنها اعتبرته غير كافٍ، وتساءلت: لماذا لم تتخذ إجراءات أكثر حزماً، وماذا عن حاملي التراخيص في السنوات السابقة والسنة الحالية؟ وهل يكفي بالتالي إلغاء تراخيص الأسلحة لكي يخشى المتفلّتون من استخدامها، علماً أنّ عدّة جرائم حصلت حتى الآن بسلاح غير شرعي، أي غير مرخّص.

كثيرون نادوا بتطبيق حكم الإعدام ليكون رادعاً وللتخفيف من نسبة ارتكاب الجرائم، ولا سيما أنّ عددها تفاقم بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، فعندما تقوم الدولة بإعدام مجرم واحد، بحسب رأيها، عندئذ يعد الآخرون للمئة قبل أن يسحبوا السلاح ويُطلقوا النار على الأبرياء. غير أنّ المعلومات لا تشير حتى الآن الى أنّ الدولة تنوي إعادة تطبيق هذه العقوبة، ولو فعلت لكان هناك عدد كبير من الموقوفين الحاليين يستحقّون أن تُطبّق فيهم أحكام الإعدام الصادرة بحقّهم نظراً لارتكابهم الجرائم بوحشية ومن دون شفقة أو رحمة أو حتى ندم بعد ارتكابها، وأوّلهم طارق يتيم الذي قتل المواطن جورج الريف في منطقة الجميزة- الصيفي في 15 تموز من العام الماضي في وضح النهار من دون شفقة ولا رحمة، وعلى مرأى من زوجته والمارّة وأبناء المحلّة، بسبب اصطدام بين سيارتي القاتل والمغدور.

عقوبة الإعدام لا تزال قائمة في الدستور اللبناني، بحسب بعض المعلومات القانونية، وإن أُدخلت بعض التعديلات على بعض المواد، فبات تطبيق هذه العقوبة شبه نادر إذ تخفيضها الى أشغال شاقّة مؤقّتة أو مؤبّدة، علماً أنّ المحاكم لا تزال تتخذ الأحكام بالإعدام وهي كثيرة. ولهذا تقول الأوساط نفسها أنّه لا يجب إذاً اتخاذ أحكام بالإعدام ما دام القانون يعطي أعذاراً مخفّفة لها، وإن كانت بعض المواد في القانون مثل المادة 257 لا تزال تنصّ على تشديد العقوبة وإنزال الإعدام بدل الأشغال الشاقّة المؤبّدة. لكن لأنّ حذف النصّ القانوني قد يُضعف هيبة السلطة وعمل محاكمها، لهذا تبقى عقوبة الإعدام مُدرجة فيه أنُفّذت أم لم تُنفّذ. علماً أنّ عقوبة الإعدام طُبّقت للمرة الأخيرة في لبنان منذ 13 عاماً حين أعدم ثلاثة أشخاص في الوقت نفسه داخل سجن رومية، إثنان رمياً بالرصاص وواحد شنقاً، ومنذ ذلك الحين لم يعد أي قاتل تُطبّق عليه عقوبة الإعدام.. وقد جرى تنفيذ 53 حكماً بالإعدام من بداية عهد الرئيس بشارة الخوري إلى نهاية عهد الرئيس إميل لحود. وبين عامي 1994 و1998 (خلال ولاية الرئيس الياس الهراوي) تمّ إعدام 14 شخصاً.

واليوم، قبل أن تتزايد الجرائم في السنة الأخيرة، كان يجري الحديث عن إصدار رئيس الجمهورية قراراً بالعفو عن بعض الموقوفين أو المحكومين الذين يستحقّونه، وليس عن إعادة تطبيق الإعدام الذي يتطلّب موافقة رئيس الجمهورية ورأي لجنة العفو، على ما تنصّ عليه المادة 420 أ.م.ج. وما يليها، وبات حاجة رادعة يُطالب فيها الكثيرون، وإن كان الإعدام يبقى مرفوضاً لدى بعض الطوائف وجمعيات حقوق الإنسان، لأنّه من غير المنطقي، من وجهة نظرها تأمين العدالة بمعاقبة المجرم بالقتل نفسه.

وإذا كان تنفيذ أحكام الإعدام غير ممكن اليوم لأسباب كثيرة، إلاّ أنّه لا بدّ من أن تجد الدولة رادعاً قوياً يُخفّف من نسبة الجرائم اليومية، كأن تُطبّق القانون بحزم، لا أن تعمد الى إطلاق أحد القتلى بعد أشهر من ارتكاب جريمته لأنّه محمي من هذا الزعيم أو هذا السياسي أو المسؤول. فمثل هذه الأمور يُفاقم الجريمة بدلاً من أن يحدّ منها، لا سيما إذا ما وجد كلّ شخص محمي من قبل جهة سياسية ما، أنّه باستطاعته ارتكاب الجرم والإفلات من العقاب بسهولة.

أمّا في ما يتعلّق بالرصاص الطائش الذي يُستخدم في الأفراح والأتراح، وقبل كلّ إطلالة لهذا الزعيم أو ذاك، فإنّ الأحزاب قادرة، بحسب المعلومات، على ضبطه بشكل كبير، والدليل أنّ الضحايا جرّاء هذا الرصاص قد خفّ تدريجاً، مع اتخاذ بعض الأحزاب قراراً بمنع إطلاق النار في الهواء في أي من هذه المناسبات المذكورة. كذلك فإنّ الدولة باستطاعتها ملاحقة المخالفين في هذا السياق، لا سيما وأنّه ممنوع قانوناً.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024