من المحزن أن يعود مطرب صاحب تاريخ كبير إلى الغناء ولا تحقق عودته نجاحًا ولا انتشارًا إلا بعد تعرضه للسخرية والانتقاد، وهو ما حدث مع ألبوم إيهاب توفيق «كل يوم يحلو»، الذي طرحه مؤخرًا بالتزامن مع طرح فيديو كليب «كل يوم يحلو»، الذي كان سيمر مرور الكرام مع الألبوم، لولا احتوائه على بعض المشاهد التي أثارت غضب جمهوره، وسخرية البعض الآخر، فحقق الكليب المثير للجدل أكثر من مليون مشاهدة، وارتفعت بعد حذفه وإعادته مرة أخرى على «يوتيوب».

وحدث ذلك أيضًا بالتزامن مع تحويل إيهاب للتحقيق بسبب مشاركته فى إحدى الحملات الإعلانية لمنتج وهمى يعالج مرض السكر، وذلك بعيدًا عن المنافسة التي أصبحت صعبة وشرسة على إيهاب توفيق ومعظم أبناء جيله، وتؤثر على اختياراتهم وتربك حساباتهم، وتزيد من حيرتهم وتخبطهم وهو يؤدي إلى خسارتهم قطاعات من جمهورهم الأصلى، وعدم الوصول إلى الجيل الجديد.

فألبوم إيهاب الجديد جاء في وقت تنحصر فيه المنافسة بين مجموعة من الأسماء الرابحة على رأسهم تامر حسني بألبومه «عمري ابتدا»، ورامي جمال بألبومه «ملهاش حل تاني»، بالإضافة إلى وجود عمرو دياب بالنسخة الصيفية لألبومه «أحلى وأحلى»، وتضامنت تلك الظروف مع عوامل أخرى لتؤكد غياب إيهاب توفيق إلى الآن، مثل فقر الدعاية، التى من المفترض أن تكون مضاعفة لتعوض سنوات الغياب التى –تقريبًا- تلازمه منذ انضمامه إلى شركة «روتانا» عام 2004 بألبوم «اسمك ايه»، وحاول أن يتخلص من تلك اللعنة فى ألبوم «أحلى منهم»، ولكنها كانت نفس ظروف وتجربة «كل يوم يحلو».

كيف ستكون عودة إيهاب لو لم يتعرض الكليب للجدل والسخرية؟

لولا الكليب ما كان الألبوم، فهو عبارة عن مشاهد تلخص المرحلة التي يمر بها إيهاب، فالمشهد الافتتاحى للأسرة اللبنانية التي تعرف خبر قدوم نجمهم المفضل إلى لوس أنجلوس ويتفقون فى لحظتها على حضور الحفل، بل تسهر إحداهن على أغاني إيهاب القديمة شوقًا لحفلته الجديدة، فذلك المشهد المفتعل المباشر يدل على نظرة إيهاب لنفسه، ما بين الفخر بماضيه والإشارة إلى أنه مطرب كبير، إلى الرغبة فى إضافة صفة العالمية إلى نفسه، التى لن تأتي بالطبع من تصوير الكليب في أمريكا، أو إقامة حفلة لعشرات معدودين من الجالية العربية كما جاء في الكليب.

واعتقد البعض أن السخرية من مشهد الراقصة في الكليب والهجوم عليه نابعان من دوافع أخلاقية، ولكن السخرية جاءت من طريقة توظيفها وتصويرها وإقحامها المبالغ فيه في الكليب، لذلك لم ينتبه المشاهدون للكليب والأغنية وانتبهوا إلى تلك الراقصة «النشاز»، خصوصًا أن طريقة تصوير رقصاتها تؤكد أنها مقصودة لإضافة ابتذال واضح ومعلن ولا يدل إلا على بؤس صانع الكليب وفقره الفنى.

الاعتراض على وجود الراقصة بمنطلق أخلاقي، هو نتيجة طبيعية للصورة الذهنية الخاطئة التي كرسها إيهاب توفيق مع بعض من أبناء جيله عن أنفسهم، وادعاء أنهم امتداد العصر الذهبي للغناء، وأن الأضواء انحسرت عنهم بسبب حفاظهم على الطرب وأصوله وعدم لجوئهم للعرى والتقليل من أنفسهم، لذلك من الطبيعي أن أي محاولة منهم للتجديد أو للتغيير تتعرض لهجوم وسخرية، ولأن هذه التغييرات تحدث فجأة ومتأخرة، تجعل السخرية لا بد منها بسبب غرابة الخليط غير المتناسق مع الصورة الذهنية للمطرب، التي قد تتضح أكثر إذا قدم عمرو دياب مثلًا كليبا صور فيه نفسه ببدلة رسمية وخلفه فرقة تخت شرقي!

آخر علامات الاستسهال في الأغنية الرئيسية للألبوم، كلماتها التي خرجت كأنها محاولة لملء وقت الأغنية فقط، كمقطع: «ده الحنان كله جوه عينه هو.. والدلع كله برضه فيه هو.. والجمال كله والدلل كله..»، بالإضافة إلى لحنها الذى يشبه لحن أغنية «يا أنا إنت» لمحمد حماقي، مع اختلاف سرعة الإيقاع.

محاولة العودة للشباب بالشعبى والمقسوم

أسلوب إيهاب توفيق الغنائى يعتمد بشكل كبير على الروح الشعبية في أغانيه، سواء الحزينة أو الراقصة، وجمهوره من الطبقات الشعبية هو سبب نجوميته التي اكتسبها في التسعينيات، ولكن إيهاب حاول أن يتخلص من هذه الصورة في نهاية التسعينيات، التي جاءت بالتزامن مع محاولاته إظهار نفسه كمطرب شاب، بعد أن سادت عنه صورة الدكتور والمطرب الكبير في فترة شبابه في التسعينيات!

والألبوم الجديد يحمل النقيضين: الروح الشعبية وادعاء الشبابية، ولأن مفهوم التجديد والشبابية عند معظم جيل التسعينيات يقتصر على الإيقاع السريع والمقسوم فقط (8 أغانى مقسوم من 12 أغنية)، كانت الضوضاء حاضرة في معظم أغاني ألبوم إيهاب الجديد، بسبب زحمة الآلات الموسيقية والأصوات والكورال والإيقاع في كل أغنية، بالإضافة إلى الفهم الخاطئ للأغنية الراقصة، التي تعتمد على «التيمبو» أو زيادة سرعة الريتم والإيقاع، حتى تصبح شبيهة بالمهرجانات الشعبية أو الريمسكات التي ينفذها المبتدئون، بخلاف الإسراف في تغيير الصوت إلكترونيا الذي جعل بعض الأغاني تخرج كأنها بصوت مطرب آخر غير إيهاب توفيق مثل «عمري ما أنسى» و«اللي خان يتخان».

ارتباك توفيق بين الماضي والحاضر جعل الألبوم ملائمًا لمطرب شعبي كمحمود الحسيني أكثر منه، حتى إن أغانيه العاطفية جاءت بألحان وتوزيع شعبي كاملًا، مثل أغنية «اللي خان يتخان» التي جاءت على خطى «قولو للي أكل الحرام» لآدم، وأغنية «سنة وتلاتين حتة»، بلحنها المتأثر بأكثر من أغنية، فالموال في مقدمة الأغنية يشبه موال عمرو دياب في أغنية «أمنتك»، وبعض الكوبليهات تشبه «الناس الرايقة» لأحمد عدوية، مع اختلاف زمن الإيقاع، ونفس الأمر في أغنية «أيوا أمال إيه»، التي تعتبر النموذج الأمثل لحالة الفوضى في استخدام الآلات والأصوات، وكذلك فى استنساخ الألحان، فجزء من الأغنية الشهيرة «don dale» إلى «إيه ده جماله ده» لمحمد فؤاد وآخرين، بالإضافة إلى توزيعها الأقرب إلى المهرجان لاحتوائه على «موسيقى شرقية وإلكترونية وإيقاع لاتينى ومقسوم» وإضافات أخرى، مع كورال بصوته، والخطأ الذى لا يتوقعه أحد أن يقع فيه مطرب يعتز بصوته كتوفيق، هو علو صوت ذلك الكوكتيل الموسيقى على صوته فى معظم الأغانى.

أقوى أغانى الألبوم هى اللى ابتعدت عن الإسراف فى الأصوات والآلات والزحمة و«الفذلكةۚ»، أو بالأدق التى أعادت الأغنية التسعيناتى كما هى دون إضافات، وهى أغنية «طالق»، التى يعود فيها صوت إيهاب توفيق للغناء دون إزعاج مصاحب له، ويعود فيها أيضًا للدراما وللحزن وأيضًا للموسيقى التسعيناتى.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024