منذ 7 سنوات | العالم / الجمهورية














في ظلّ التطوّرات التي يشهدها الشمال السوري، والتي يُمكن أن تخلق واقعاً حدودياً جديداً مع تركيا، معطوفة على التحدّيات التي يُثيرها التغيّر المناخي، لم يعد هناك وقت لإضاعته في الشرق الأوسط في مجال إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، وفق ما يؤكّد مدير منظمة «Hydro Politics Academy» في أنقرة دورسن يلدز.

«لقد تأخّرنا 30 عاماً»، والدرس الأوّل الذي تعلّمناه من الرحلة الميدانية إلى مبادرة حوض نهر النيل في عنتيبي أنّه «قبل تشارك المياه وإدارتها، علينا بناء الثقة بين الدول المتشاطئة في الشرق الأوسط»، في نظر يلدز.


ويُشدّد يلدز في مقابلة مع «الجمهورية» التي التقته في أوغندا على هامش مشاركته في الرحلة التعليمية إلى مقرّ مبادرة حوض النيل (NBI) في عنتيبي بين 8 و10 آب، والتي نظّمتها منظمة «Strategic Foresight Group» الهندية للأبحاث بدعم من الوكالة السويدية الدولية للتنمية والتعاون (سيدا)، على أنّ شبكة القياس هي ضرورية لدول جوار تركيا، ويجب إدراك الخطر الكبير الذي يُثيره التغيّر المناخي، وخصوصاً الدول التي تعاني من نقص في المياه.


ويقول: «إنّ دول حوض نهر النيل بدأت إدارة مواردها المائية منذ 50 عاماً، في حين أن لا اتفاقات متعدّدة الأطراف تجمع تركيا وسوريا والعراق، لإدارة مواردها المائية العابرة للحدود، أو بروتوكول للتعاون التقني لقياس الأرصاد الجوّية المائية».


ويضيف: «لقد بنت دول حوض النيل الثقة في ما بينها وأطلقت مشاريع، ونحن لم نبدأ بعد، بناءُ الثقة مهمّ وليس سهلاً، ويجب أن يقوده الإندماجُ الاقتصادي واتفاقات تحقق المنفعة المتبادَلة للدول. لذلك، فإنّ محاولة للتوصل إلى اتفاق على أساس نهج تبادل المنفعة أمر لا بدّ منه، خصوصاً أننا لا نرى أنّ هناك تقدّماً يُذكر في تطوير وتفعيل الأطر المعمول بها لتعاون دولي واقعي في مجال المياه في العقود الماضية، فضلاً عن أنّ المتغيّرات العالمية في كثير من النواحي يتطلّب دبلوماسية مائية مبتكرة».


ويحذّر يلدز من أنّ الشرق الأوسط «سيُعاد تشكيله ليس بفعل الظروف السياسية وحدها بل بفعل الظروف الطبيعية». ويقول: «المياه والطعام والأمن البيئي، قضايا ستلعب دوراً أكثر من قبل، ما يدفعنا الى التنبّه إلى المخاطر، فأوّل شيء يجب فعله أن نبدأ التعاون على الفور وتبادل المعلومات، ووضع شبكة قياس ذات صدقية، ليس فقط لقياس كمية المياه بل سماكة الثلوج في الجبال أيضاً».


ويقرّ مدير Hydro politics Academy بأنّ الشرق الأوسط يمرّ في أدق مراحله السياسية، حيث يصعب جمع كلّ الأطراف والدول للبدء في حلّ مشكلاتها وانخراطها في معادلة السياسة المائية أكثر من قبل، ولكن مع مرور السنوات، الحلّ بات يتسرّب من أيدي الدول، لأنّ القدرة على إدارة المياه في الوقت الراهن غير فاعلة منذ 5 سنوات، وسط تدمير شبكات الري والأنابيب بسبب الحرب الدائرة في سوريا والعراق. حرب دمّرت القدرات المؤسساتية ولم تعد هناك آلية لتبادل المعلومات أو الإستجابة الطارئة في أحواض الأنهار.


ولكن رغم ذلك، تسعى تركيا والعراق الى بناء نوع من التعاون في إدارة المياه من خلال تدريب تركيا 200 مهندس عراقي زراعي وتقني فيها خلال السنتين الأخيرتين، يؤكّد يلدز.


وببراغماتية عالية لا تنادي Hydro

Politics Academy بخلق حلول فورية بل وقف التدهور الحاصل، وجمع كلّ المعلومات، وأن نكون مستعدين معاً لمستقبل الشرق الأوسط، قبل أن تطرق كارثة ضخمة أبوابنا.


إذاً يحتاج الشرق الأوسط الى دبلوماسية مائية جديدة، خصوصاً بعد أن قلبت «داعش» الوضع فيه رأساً على عقب، Hydro Politics Academy تضع هذه الشروط في الصدارة، وتقترح أن تقود تركيا والعراق هذا النوع من التنمية لأننا في المأزق نفسه، وإذا مارست أيّ دولة بعض الجهد يمكن تحقيق الوحدة».


ولكن هل يمكن لروسيا أن تكون وسيطاً لتسهيل الحوار؟


يجيب يلدز أنّ «ما سمعناه من دول مبادرة حوض نهر النيل أنّها لا تعارض المساعدة الخارجية، وهذا مختلف عما هو عليه الوضع في الشرق الأوسط. عندما ستعيد دول الشرق الأوسط بعد 100 عام على اتفاقية سايكس - بيكو رسم حدود المنطقة، القوى الخارجية ستفكّر في مصالحها أوّلاً.


في الحقيقة إنّ الشرق الأوسط القديم لم يعد على حاله مع ظهور كميات هائلة من الغاز الطبيعي شرق البحر الأبيض المتوسط. إذاً روسيا لا يمكنها فعل شيء لحلّ هذه المسألة المعقدة، ولا حلّ في الشرق الأوسط من «دون موافقة» أميركا.


ولذا فإنّ «مصلحة القوى الخارجية في الإقليم هي واقع، لكنّ التدخل الدولي لتسهيل الأمور مطلوب. لذا قواعد الحلّ يجب أن تأتي بها دول المنطقة، وأن لا تُفرَض من الخارج، ونحن لدينا الكفاءة والحكمة الكافية لحلّ مشكلاتنا من دون أيّ تدخلات، ولتعزيز السلام والإستقرار في الإقليم. دول الأحواض المائية العابرة للحدود يجب أن تكون على مقدار من الحكمة لعدم تعطيل الحوار ولتجنّب دعوة الأطراف الخارجية إلى التدخل».


ويتابع يلدز: «تغيير الحدود لا يُثير قلقاً للمنطقة فقط بل للأسرة الدولية برمّتها، ولقد رأينا كيف أنّ 5 مليون لاجئ سوري أربكوا الغرب». ويشدّد على أن «لا أحد يمكنه التكهّن كيف ستتغيّر الحدود في شمال سوريا، ولكن اذا استمر التوجّه الحالي، يبدو أنّ مياه الفرات والمياه الجوفية في شمالي سوريا والسدود، قد تتمّ إدارتها بسياسة مختلفة عن السابق. هذا يعني أنّ لاعباً مختلفاً سينخرط في معادلة المياه في الشرق الأوسط، ولذلك على دوله التحرّك ليس فقط بفعل التغيّر المناخي بل بسبب تغيّر الحدود».


ويضيف يلدز: «كلّ لاعب جديد (الأكراد) سيكون جزءاً من معادلة المياه الجديدة في الشرق الأوسط، وعلى دول المنطقة التنبّه إلى حساسية المسألة في معادلة المياه، وإلّا سنشهد نزاعات وخطراً على أمن واستقرار الشرق الأوسط من جديد.


ولهذا السبب، الأمن الغذائي سيكون مهمّاً للإقليم، عندما سنشعر أكثر بتأثيرات التغيّرات المناخية والدراسة التي قامت بها Hydro Politics Academy ، والتي تُظهر أنّ المنحى الطبيعي لتدفّق مياه نهرَي دجلة والفرات يتقلّص وهو دليل ساطع على ذلك».


يلدز الذي يملك في رصيده 14 كتاباً وآخرها «The Middle East, A New Hydro Diplomacy why?» والذي قدّمه في عنتيبي، ينوّه بكفاية تركيا في استخدام المياه، وتحويلها وسائل زراعية متطوّرة، خصوصاً تحت إطار مشروع الغاب، والذي يعتبره المفتاح الذهبي لتحقيق الحلّ الطويل الأمد للأمن الغذائي في الإقليم، داعياً الدول إدراك أهميّته لتشارك منافعه.


ويقول يلدز: «في الشرق الأوسط، نحتاج ليس فقط الى المياه بل الغذاء، وهذا يعزز من أهمية مشروع غاب في المستقبل. في الوقت نفسه، بعد بناء مرافق تخزين كبيرة على نهرَي الفرات ودجلة، تقوم تركيا برَيّ 400 ألف هكتار في منطقة الغاب. وهذا يتطلّب كمية معيّنة من المياه لاستخدامها، ما أدّى إلى انخفاض الموازنة السنوية المتاحة في الحوض بطريقة أو بأخرى».


ولكن في الوقت عينه، «إذا دققنا في بيانات تدفّق المياه على المدى الطويل على الحدود السورية، نلاحظ تراجُع التدفّق الطبيعي السنوي لنهرَي دجلة والفرات منذ أوائل عام 1970. إنتهاء الأعمال في أول سد كيبان على نهر الفرات كان عام 1972.


لقد درسنا هذا الميل للإنخفاض ووصلنا إلى استنتاج مفاده أنّ التدفق السنوي الطبيعي لنهر الفرات ودجلة شهد تراجعاً. نتائج مماثلة يمكن إيجادها في تقارير الأمم المتحدة والمقالات والبحوث العلمية».


ومن المقرّر أن تناقش Hydro Politics Academy هذه النتائج التي تمّ الحصول عليها في طاولة مستديرة مع مجموعة من العلماء والخبراء في أنقرة، يؤكّد يلدز، مُشدّداً على أنّ التناقص الطبيعي للتدفقات السنوية، وتغيير الحدود السياسية في المنطقة يمكن أن يصعّبا حلّ معادلة المياه في الشرق الأوسط.


ولكن هل تنتظر تركيا محفّزات للتعاون؟


عقب اقتراح بعض الخبراء في تركيا والعراق في السابق بأن يزوّد العراق تركيا بالنفط والغاز بأسعار مخفّضة، لتحفيز أنقرة على التعاون أكثر في تقاسم الموارد المائية العابرة للحدود، يوضح يلدز أنّ «المسألة ليست أخذ المياه مقابل النفط، بل خلق اتفاق متكامل ذات منفعة لكلّ الأطراف في استخدام الموارد الأساسية». ويقول: «حان الوقت لتغيير الأنماط المتبعة ذات المعادلة 1 - صفر إلى معادلة فوز الطرفين».


ويضيف: «علينا أن نكون حذرين لأنّ المياه والنفط لا يمكن مقارنتهما بطريقة مماثلة، ولكنّ الأمر الأكثر أهمية للشرق الأوسط هو العمل معاً لاستخدام مواردهما الطبيعية بطريقة تعود بالمنفعة على الجميع».


يلدز الذي يؤمن بأنّ «السلام المائي في الوطن يعني سلاماً مائياً عالمياً»، يدعو الى «تشكيل لجنة تقنية مشترَكة»، ويأمل أن تنضمّ سوريا وإيران الى مسار الحوار قريباً، ويختم مشدِّداً على أنّ الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل تبدأ «بقياس المياه».



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024