منذ 6 سنوات | العالم / رصد LIBAN8

قرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من اتفاقية المناخ الموقعة في باريس.

ونقل الموقع الإخباري "AXIOS" عن مصدرين في الإدارة الأميركية أن طاقماً صغيراً يقوده رئيس الوكالة لحماية البيئة، سكوت برويت، يدرس الآن كيفية الانسحاب. وبحسب المصادر فإن هذا الطاقم يدرس الانسحاب بشكل كامل الأمر الذي يستغرق نحو ثلاث سنوات، أو الانسحاب من ميثاق الأمم المتحدة الذي كان أساساً للاتفاقية، الأمر الذي يعني أن الانسحاب سيكون سريعاً وحاداً.

ويذكر أن أبرز نقاط الاتفاق الذي أقر في باريس في اختتام قمة المناخ، في الثاني عشر من كانون الأول عام 2015، تتمثل في الحد من ارتفاع الحرارة "أدنى بكثير من درجتين مئويتين"، ومراجعة التعهدات الإلزامية "كل خمس سنوات"، وزيادة المساعدة المالية لدول الجنوب.

وتؤكد دول عديدة خصوصاً الواقعة على جزر والمهددة بارتفاع مستوى البحر أنها ستصبح في خطر إذا تجاوز ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية.

وأعلنت 186 دولة من 195 عن إجراءات للحد من تقليص انبعاثاتها من الغازات الدفيئة في أفق الفترة 2025-2030. لكن حتى في حال احترام هذه التعهدات، فإن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيكون بنحو ثلاث درجات مئوية.

والهدف هو التوصل إلى "ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة بأسرع ما يمكن"، و"القيام بعمليات خفض سريع إثر ذلك بهدف التوصل إلى توازن بين الانبعاثات" التي تسببها أنشطة بشرية والانبعاثات "التي تمتصها آبار الكربون خلال النصف الثاني من القرن"، في إشارة محتملة إلى الغابات وأيضا تقنية الالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون التي تنبعث في الفضاء.

لكن بعد عزم الولايات المتحدة على إعلان انسحابها من هذه الاتفاقية ما الذي سيحدث على الأرض؟

من المحتمل أن تبلغ درجات الحرارة على كوكب الأرض مستويات أكثر خطورة وبسرعة فائقة في حال تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التزامها بخفض نسبة التلوث الناجمة عن انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وفقاً لما ورد على لسان العديد من العلماء. ويعود السبب في ذلك إلى أن الولايات المتحدة لها نصيب الأسد من الانبعاثات التي تساهم بشكل كبير في ارتفاع درجات الحرارة.

وفي السياق تخوفت الخبيرة البيئية صفاء الجيوسي، من أن تقوم بعض الدول العربية النفطية باستغلال انسحاب الولايات المتحدة، في حال حدوثه، كحجة لعرقلة تطبيق الاتفاقية التي تنص على إبقاء قسم كبير من الوقود الأحفوري مدفونا.
وكان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قد أشار في تصريحات صحافية إلى تأييده لسياسة ترامب في الطاقة بسبب زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ويرى كيث فوربس، مؤسس شركة Integrated Sustainability Solutions التي تعمل في مجال المناخ، أن انسحاب باعث كبير كالولايات المتحدة لن يكون بالضرورة "كارثيا"، إذ أن الاتفاقية غير ملزمة قانوناً في مسألة تقليل الانبعاثات.
وفي حال انسحاب واشنطن من الاتفاقية، فإن ذلك سينعكس على برامج المناخ التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID أو وزارة الخارجية الأميركية.
وبينما يرى معارضو الاتفاقية أنها تحد من القدرة على المنافسة الاقتصادية، يقول فوربس إن المشاريع التي تعتمد على الطاقة النظيفة ستوفر العديد من فرص التوظيف في المستقبل، كما أن دولاً مثل الصين مستعدة لاستغلال هذا المجال الاقتصادي.

وفي محاولة لفهم ما قد يحدث على كوكب الأرض إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاق باريس، قامت وكالة "أسوشيتد برس" باستشارة أكثر من 24 عالم مناخ، فضلاً عن تحليل سيناريو نموذج حاسوبي خاص مُصمّم لدراسة الآثار المحتملة لمثل هذا القرار. وفي الحقيقة، بيّن العلماء أن عدم التزام الولايات المتحدة بما ورد في اتفاق المناخ سيعمق من تبعات معضلة الاحتباس الحراري كما سيزيدها سوءاً وتعقيداً. وفي الأثناء، سيصبح من الصعب تفادي إمكانية بلوغ درجات حرارة خطيرة على مستوى عالمي.

من جانب آخر، أشارت الدراسات والتحاليل إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهواء قد تتجاوز 3 مليار طن إضافية سنوياً. ونتيجة لارتفاع مستوى هذه الانبعاثات من سنة إلى أخرى، سيؤدي ذلك إلى ذوبان الصفائح الجليدية بشكل أسرع، وارتفاع مستوى البحار، فضلاً عن التسبب في تقلبات جوية أكثر عنفا.

وفي هذا السياق، أفاد عالم المناخ في جامعة برنستون، مايكل أوبنهايمر، والمحرر المساعد في مجلة "كليمتك تشاينج" أنه "كلما تباطئنا في إيجاد حل فعلي، سيشتدّ الخناق أكثر حول رقبتنا".

وفي هذا الإطار، عمد فريق من الخبراء إلى إجراء محاكاة بالحاسوب لأسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في حال رفضت الولايات المتحدة الالتزام بجانبها من الاتفاق والحد من الانبعاثات السامة، في الوقت الذي ستتمكن فيه بقية الدول الأخرى من تحقيق أهدافها فيما يتعلق بالتدابير اللازمة للتصدي لظاهرة الانحباس الحراري.

ووفقا لما توصل إليه الخبراء، ستتسبب الولايات المتحدة وحدها في ارتفاع درجات الحرارة بنسبة نصف درجة (أي 0.3 درجة مئوية) في العالم بحلول نهاية هذا القرن.

وفي حين قد يختلف العلماء بشأن نتائج المحاكاة بالحاسوب، اتفق أغلبهم على أن الاحتباس الحراري الذي يعيشه كوكبنا اليوم سيتسارع نسقه وسيصبح أكثر حدّة. في الحقيقة، سيواجه العالم، في حال تقاعست الولايات المتحدة عن اتخاذ التدابير الضرورية للحد من مستوى الانبعاثات، العديد من العقبات والتحديات لتجنب تجاوز عتبة الخطر، أي ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض لأكثر من درجتين مئويتين (ما يعادل 3.6 درجة فهرنهايت) مقارنة بمستويات الاحترار ما قبل الثورة الصناعية.

ومن ناحية أخرى، أشارت عالمة المناخ في جامعة روتجرز، جينيفر فرانسيس، إلى أن "الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية فيما يتعلق بارتفاع مستوى الانبعاثات السابقة. فضلاً عن ذلك، تلعب الصين دوراً رئيسياً في تعميق هذه الأزمة في الوقت الحالي. خلافا لذلك، حتّى وإن التزمت الولايات المتحدة بتعهداتها بموجب اتفاق باريس، فمن المحتمل أن يعبر العالم عتبة المرحلة الثانية من الاحتباس الحراري، وفقاً لما أكده العديد من العلماء.

وفي الأثناء، من المحتمل أن يتسارع نسق ارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي، على خلفية تواتر الانبعاثات الصادرة بالأساس عن الولايات المتحدة. وقد يعني ذلك بدوره أن "الأنظمة البيئية لن تقوم بوظيفتها كما يفترض في صلب التقلبات المناخية، مما سيتسبب في اضطرابات على مستوى زراعة المحاصيل، فضلاً عن ارتفاع حجم النقص في الغذاء والماء"، وفقا لما ذكره عالم المناخ بالمركز الوطني لبحوث الغلاف الجوي، كيفن ترنبيرث.

من جانبه، قام فريق "كليمت أنتراكتف" الذي يتكون بالأساس من ثلة من العلماء فضلاً عن العديد من مصممي نماذج الكمبيوتر، الذين تكفلوا بمراقبة الانبعاثات العالمية ومدى التزام الدول بشأن الحد منها، بمحاكاة مستوى الانبعاثات العالمية في حال تمكنت كل دولة، باستثناء الولايات المتحدة، من تنفيذ جانبها من الاتفاق بصفة فردية في إطار التقليص من نسبة التلوث الكربوني. وفي مرحلة ثانية، قام الفريق، بالاعتماد على نماذج حاسوبية، بدراسة ما قد يترتّب عن ذلك فيما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة العالمية، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمّض المحيطات.

وفقا للنتائج التي استخلصها فريق "كليمت أنتراكتف"، سينبعث 3 مليار طن إضافي من ثاني أكسيد الكربون في الهواء سنوياً، وذلك بحلول سنة 2030، علاوة على ارتفاع درجات الحرارة بحوالي 0.3 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن.

من جهته، أقر فريق "كلايمت اكشن تراكر"، وهو فريق منافس في مجال المحاكاة بالحاسوب، بأن انسحاب الولايات المتحدة سيؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بين 0.1 و0.2 درجة مئوية (أو ما يعادل 0.18 و0.36 درجة فهرنهايت) بحلول سنة 2100.

وفي هذا السياق، قال جون شيلنهوبر، إن "انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق قبل 10 سنوات، كان سيحدث تأثيراً عميقاً وضرراً بليغاً على هذا الكوكب، أمّا اليوم، وفي حال اختارت الولايات المتحدة حقاً الانسحاب من اتفاق باريس، سيمضي العالم قدماً لبناء مستقبل نظيف وآمن". على عكس شيلنهوبر، أفادت مديرة مركز علوم المناخ في جامعة تكساس التقنية، كاثرين هايهو، أن "العالم أجمع سيشهد تداعيات القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة الأمريكية".

وبين هذه المواقف المتضاربة حول النتائج المترتبة على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس تبقى الأيام القادمة كفيلة في دحض كل التكهنات والواقع سيبقى سيد الموقف...


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024