معركة حلب ابتعدت عن مواقع الحسم لمصلحة النظام وحلفائه. المفاوضات السورية في جنيف بين النظام والمعارضة ما زالت في عالم الغيب، رغم «عنتريات» المبعوث الأممي دي ميستورا، عن إمكانية العودة إلى المفاوضات في نهاية الشهر الحالي. محادثات الحل السياسي بين الحكومة اليمنية الشرعية والانقلابيين، توقفت في الكويت، من دون تمكّن الراعي الأممي أيضاً من تحديد موعد جديد للعودة إلى قاعة المفاوضات. حكومة العبادي في العراق ما زالت على تعثرها رغم التقدم الميداني في مناطق سيطرة داعش. تداعيات الفراغ الرئاسي في لبنان تتفاقم يوماً بعد يوم، وتهدّد بتحويل هذا البلد الديمقراطي إلى دولة فاشلة، والأطراف السياسية على خلافاتها التقليدية العمياء.

مؤشرات، وغيرها، توحي بأن أزمات المنطقة المتفجرة، وملفاتها المعقدة، دخلت سرداب الانتظار المظلم بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وما قد تحمله من تطورات ومتغيّرات في حركة النظام الدولي الحالي!

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي شارك في قمّة بوتين - أردوغان في بطرسبورغ، أعطى الإشارة الأولى عن مرحلة المراوحة المكلفة التي ستعيشها أزمات المنطقة، عندما توقع أن سوريا ستشهد تطورات مهمة في الأشهر الستة المقبلة، وذلك في ذروة اشتداد المعركة الحامية في حلب وحولها، على إيقاع الدعايات التي أطلقها حلفاء النظام، عن انهزام المعارضة في هذه المدينة الاستراتيجية، وعودتها إلى سيطرة النظام.

وما أن انقشع غبار قصف الأيام الأولى، حتى تبين أن المعارضة اجتاحت مواقع النظام وقواعده العسكرية في الراموسة، وأوقعت خسائر فادحة في صفوف حلفائه، الأمر الذي رجّح توقعات الوزير التركي بأن لا حسم في سوريا قبل ستة أشهر، وأن المعارك المحتدمة ستبقى على حالها، بين كر وفر، وبين تقدّم من هنا وتراجع من هناك، إلى أن تحين ساعة التسوية في سوريا، كما في ملفات المنطقة الأخرى!

وجاءت مسارعة الحوثيين وجماعة علي صالح إلى تشكيل مجلس سياسي، على مستوى مجلس وزاري، لإدارة شؤون المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، وإصرارهم على تمرير هذا الاتفاق المشبوه في مجلس النواب اليمني، بحضور 90 نائباً من أصل 310 نواب، لتكمل مشهد المراوحة والتصعيد الذي يحيط بحروب المنطقة، في ظل غياب القرار الأميركي، وافتقاد التفاهمات الدولية والإقليمية على الحلول السياسية للأزمات الملتهبة.

* * *

ويبدو أن الأزمة السياسية الحالية في لبنان، وعنوانها الأساس: الشغور الرئاسي، قد تحوّلت إلى بند في لائحة أزمات المنطقة، مع الاعتراف بأن الملف اللبناني يعتبر البند الأخير في الأجندة الإقليمية والدولية، ولا يحظى بالاهتمام المنشود في عواصم القرار العربي والغربي.

وطالما بقيت الأطراف السياسية المحلية على وضعها الحالي من التباعد والانقسامات، فلا أمل للوطن المعذب بالخروج من أزمته الراهنة، حتى ولو صح ترشيح دوائر الفاتيكان للعميد السفير جورج خوري، وحتى لو حاول وزير الخارجية المصري سامح شكري بذل مساعيه من حيث ما انتهى زميله الفرنسي ايرولت قبل بضعة أشهر... وحتى لو تأكدت المعلومات التي توحي باستعداد «حزب الله» للتفاوض الجدي حول السباق الرئاسي!

المعارك في الإقليم إلى تصعيد، والأزمات إلى مزيد من التعقيد، والأشهر المقبلة تحمل الكثير من الغيوم السوداء.

ورغم كل هذه الأخطار والمخاطر، ما زال ساسة لبنان منشغلين بالسمسرات والصفقات، من دون أن تعنيهم متطلبات استمرار الصمود الوطني! 



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024