منذ 7 سنوات | لبنان / الجمهورية


لا يقتصر الإغتصاب على الإعتداء الجنسي من خلال القوة الجسدية. هو اعتداء جنسي، يمارسه القوي على الضعيف، دون رغبته. إلّا أنّ الحاجة والضعف والجوع قد تلبس ثوب الرغبة بالعلاقة الجنسية، كاستغلال صاحب العمل لأجيرة تخاف فقدان عملها، أو مَن تقوم بالعلاقات الجنسية لقاء مقابل مالي أو خدماتي. الطرف الآخر هنا في حال ضعف وذل، والقوي مادياً واجتماعياً يقوم باغتصاب الضعيف المحتاج. ما هو الإغتصاب؟ لماذا يقوم به المغتصب؟ مَن هم الضحايا؟الإغتصاب هو اعتداء جنسي بواسطة القوة والترهيب، دون موافقة الطرف الآخر. تصرّف مرفوض من المجتمع، جرم يعاقب عليه القانون.


لا يقتصر الإغتصاب على القيام بالعملية الجنسية كاملة، بل تكفي ملامسة الأعضاء الجنسية للضحية لاعتباره جرماً.


قد يتم الإغتصاب من قبل شخص معروف ومقرَّب من الضحية، كالأب والأخ وغيرهما من أفراد العائلة، أو من قبل شخص غريب. والإغتصاب المخطط له من قبل عصابات ومجموعات يعتبر جرماً ضدّ الإنسانية.


كما تُعتبر جرائم حرب، اعتداءات الجيوش التي تحتلّ أرضاً بالقوة، محاولة إثبات سيطرتها وقوتها. وغالباً ما نسمع عن حالات اغتصاب في السجون من قبل رجال الأمن والحرس، كذلك بين المساجين سعياً لكسب السلطة.


هناك عوامل عدة تساهم في رواج الإغتصاب في المجتمعات، كالإنحلال الأخلاقي، التدنّي الإجتماعي والثقافي، ضعف الشخصية، الإثارة الجسدية عبر الملابس الملفتة، والإيحاءات الجنسية عبر الكلام والتصرّف.



المغتصِب والمغتصَب


لا يقوم بالإغتصاب شخص متوازن، ففعله هذا نتيجة تراكمات نفسية. هو يقوم بذلك طلباً للذة، غير آبه بالطرف الآخر. قد يكون المغتصِب تحت تأثير الكحول والمخدرات.


لدى المغتصِب رغبات جنسية منحرفة، شاذة، مكبوتة، سلوكه غير إجتماعي، تستفزه المظاهر المثيرة، وهو غير قادر على التحكم بانفعالاته، ويكون غالباً من المستويات الإجتماعية المتدنّية. تكثر هذه الحالة حيث تسود الجرائم، كالسرقة مثلاً، كذلك نتيجة للتفكك الأسري، أو من قبل مَن تعرّض للإغتصاب في السابق، أو مَن عانى من العنف في مرحلة الطفولة والمراهقة.


كما يساهم غياب الرقابة والإبتعاد عن الدين في تزايد حالات الإغتصاب في مجتمعات معيّنة. يتلذّذ ذات الشخصية السادية بتعذيب الآخرين، وذلك بسبب عدوانية مكبوتة، فيغتصب.


للضحية دورٌ في التعرّض للإغتصاب في ضوء التفلت الأمني مثلاً، وارتياد الأماكن المتسيِّبة أمنياً. وتقع مسؤولية كبيرة على طريقة الظهور، أي الإغراء والإثارة من خلال الملابس، والكلام والإيحاءات الجسدية، في ظلّ موجة التعارف والتلاقي من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. فالحرص واجب من باب احترام الذات من جهة، وحمايتها من جهة أخرى.


أحياناً تطلق الضحية الشرارة، فلا يكون على الجاني إلّا التجاوب، وذلك بحسب البيئة التي نشأ فيها، ومستواه الإجتماعي والثقافي. ليس التطرّق لمسؤولية الضحية أحياناً، إحقاقاً منا للإعتداء، إنما تفادياً للمزيد من المعتدى عليهم، والمعتدين.



آثار الإغتصاب


تنتج عن فعل الإغتصاب آفات وأزمات جسدية، نفسية، وعاطفية. قد تتعرّض الضحية لجروح في الجهاز التناسلي جراء الإعتداء، أمراض جنسية معدية، عقم، وقد يصل الأمر بالمعتدي لدرجة القتل في حال مقاومة الضحية.


أحياناً يلجأ المعتدي إلى تهديد الضحية للتمكن من تكرار فعلته، فقد يهدّدها بفضح أمرها أو الخطف أو القتل، ربما. أما الآثار النفسية على مَن تعرّض للاغتصاب فكثيرة، كالشعور بالذنب والعار، الظلم، الخوف، اضطرابات في الشهية والنوم، قلق، نوبات هلع، إحساس بالضعف والوحدة، حزن، ضعف الثقة بالنفس وبالمحيطين، ضعف أو انعدام الرغبة الجنسية، الإكتئاب، تحطيم الذات، ومحاولة الإنتحار.


يمرّ المعتدى عليه بثلاث مراحل بعد الإغتصاب:


أولاً، المرحلة الحادة، التي تدوم لأيام أو أسابيع بعد التعرّض مباشرة، وهي تختلف بين شخص وآخر. قد يقوم الفرد بثورة هستيرية، يعبّر عما بداخله من غضب وقلق، من خلال البكاء والصراخ. كما قد يتصرّف كأنّ شيئاً لم يكن، محاولاً السيطرة على الواقع. تشعر الضحية في هذه الفترة بالغثيان، الإرتعاش، القلق، الحساسية المفرطة، عدم القدرة على التركيز...


ثانياً، مرحلة التكيّف مع الوضع الخارجي: وهي محاولة العودة إلى الحياة الطبيعية، على رغم المعاناة الضمنية العميقة، وقد تستمرّ هذه المرحلة لسنوات. فيرفض المعتدى عليه النقاش بالأمر، يسافر أو يقوم بتغييرات تبعده عن موقع التعدي. قد يصاب في هذه المرحلة بالمرض، القلق، عدم الثقة بالنفس وبالمحيطين، تقلّب المزاج، نوبات هلع، إكتئاب، كما قد يلجأ إلى تعاطي المخدرات والكحول.


ثالثاً، مرحلة العودة إلى الواقع وإعادة التنظيم: محاولة البدء من جديد، تخطي الإغتصاب، يسودها الخوف، والرهاب المتعلق بالشخص المغتصب، والمكان. إضطرابات في الشهية والنوم، كوابيس ورغبة في الإنتقام.



العلاج


نعتقد غالباً بأننا أمام ضحية معتدى عليها بحاجة للعلاج والدعم، إلّا أننا نغفل عن وجود ضحية أخرى، هي المعتدي الذي كان يوماً ما، سابقاً، إما ضحية إعتداء جنسي، تفكك أسري، عدم إشباع عاطفي، أو ضحية مجتمع جاهل، أو تعاطي مخدرات.


كما قد يعاني المعتدي من أمراض واضطرابات نفسية بحاجة لعلاج ومتابعة مختصّة. أما الضحية الحديثة، فيتمّ علاجها من خلال تخطي الصدمة، عبر جلسات علاج نفسي تحليلي، سلوكي معرفي، أو عبر العلاج بالإسترخاء.


إنّ تزايد وتنامي الطبقة الإجتماعية المتدنّية، وتوافد الهاربين من الحروب، والمشرَّدين، يساهم في زيادة وارتفاع نسبة جرائم الإغتصاب. كما نسبة الإتجار بالبشر، ذاك الإغتصاب بشكل آخر، الذي لا يقلّ أثراً ولا دماراً وتشويهاً للنفس البشرية.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024