منذ 7 سنوات | لبنان / المستقبل



في مشهد لم تألفه قاعة المحكمة العسكرية منذ نشأتها في العام 1945، أطلّ من وراء الباب الذي يدخل منه المتهمون من الموقوفين وجه رجل عجوز، على كرسيه النقّال، رجلٌ خطت السنون اخاديدها في وجهه، فيما امتزجت وجوه رئيس المحكمة وهيئتها بتعابير الغضب والتأثر من حالة«المتهم» ليجدوا انفسهم امام رجل تجاوز التسعين من عمره، وتهمته التعامل مع العدو الاسرائيلي.


إتسعت عيون الحاضرين داخل قاعة المحكمة لدى مشاهدة الرجل التسعيني الذي، وإنْ دلّت تعابير وجهه على شيء فهي تدلّ على الجمود والصلابة والشدة التي طُبعت في ذاكرته التي إضمحلّت بفعل تراكم السنين على كاهله.


واذا كان «المتهم» لم يستطع ان يدافع عن نفسه، بفعل العجز الذي اصابه لكبر سنّه، فان تاريخه النضالي الذي سبقه الى المحكمة، قد سطّر حروف المرافعة والمدافعة عنه، فهو كان احد عناصر فرق الخيالة في الجيش اللبناني الذي خاض حرب 1948 ضد القوات الاسرائيلية في معركة المالكية.


لم يكن المتهم خلال الجلسة يعي ما يجري من حوله، رغم ان ابنه المحامي نبيل بو عبسي قد حاول جاهداً ان يكرر على مسامعه اسئلة رئيس المحكمة العميد الركن حسين عبدالله، الذي بادر في موقف انساني الى الانتقال بعد انتهاء الجلسة الى غرفة المذاكرة لاصدار الحكم قبل متابعة الجلسات، لتعلن المحكمة كف التعقبات بحقه لكونه ليس الشخص المطلوب.


إتهم الياس بو عبسي (94 عاما) بتهمة التعامل مع العدو الاسرائيلي ضمن ما يسمى «جيش لحد» عبر التعاقد معه بتهريب الدخان وبيع الخبز، ليصدر بحقه في ايلول من العام 2001 حكم غيابي قضى بوضعه في الاشغال الشاقة مدة 15 عاما.


وفي الوقت الذي كان يغلب فيه النعاس على المتهم تارة، ويفتح عينيه بصعوبة تارة اخرى خلال الجلسة، تولى ابنه في البدء توضيح وضع والده «المغترب» الذي سافر الى المملكة العربية السعودية في العام 1967 لينتقل من هناك الى الولايات المتحدة الاميركية حيث نال جنسيتها العام 2001 وبقي فيها ولم يغادرها الى ان قررت العائلة ان يعود الى لبنان مؤخرا حيث اوقف في مطار رفيق الحريري الدولي انفاذا للحكم الغيابي الصادر بحقه قبل ان تعطي النيابة العامة اشارتها بتركه بسند اقامة بالنظر الى سنّه. 


ويتابع الابن ليوضح للمحكمة بان والده ترك الجيش اللبناني في العام 1957 وانتقل الى سلك قوى الامن الداخلي وبقي فيه حتى العام 1964.


اما وكيل المتهم المحامي ريمون عازار، فقد رأى ان ما سيق بحق موكله من جرم فهو جرم مستحيل. وقال «كان احد عناصر فرقة الخيالة في الجيش اللبناني الذي خاض«معركة المالكية»في فلسطين عام 1948، حيث انتصر فيها الجيش فيما منيت الجيوش العربية الاخرى بفشل ذريع ما ادى الى ضياع فلسطين، وفق تعبير المحامي عازار، الذي رأى ان ما اتهم به موكله هو«جرم مستحيل»، ولا يمكن ان يكون قد اقترفه او حتى شارك فيه. 


واكد وكيل الدفاع ان المستندات التي ابرزها امام المحكمة تؤكد بان موكله سافر الى الولايات المتحدة في السابع من كانون الثاني العام 1984 واستمر مقيما فيها حتى الامس القريب ولم يزر لبنان طوال تلك الفترة، فضلا ان ان الافادة الصادرة عن الامن العام اللبناني تثبت هذا الامر.


واعتبر المحامي عازار انه من المستحيل ان يكون موكله في اميركا ويشترك في الجرم المتمادي المسند اليه. وتطرق الى افادة احد المتهمين الاساسيين في القضية طنوس عون والذي ذكر فيها ان الياس بو عبسي كان يتجول في الجنوب بين العامين 1997 و1999 وكان في عمر الاربعين تقريبا وان عون كان يتاجر ويقبض المال من العميل الياس ابو عبسي. وتابع المحامي موضحا ان ذلك الشخص يدعى الياس جرجس ابو عبسي ومن مواليد العام 1951 بينما موكله يدعى الياس يوسف بو عبسي ومن مواليد العام 1923 واسم الام مغاير تماما لاسم والدة المتهم الاخر وكذلك رقم السجل ومكان الاقامة.


وانتهى عازار الى اعتبار اننا امام اخطاء تقع فيها العدالة في لبنان كما التحقيق لتأتي الاحكام خاطئة، مؤكدا انه من المستحيل ان يكون موكله من المتعاملين مع اسرائيل فيما هو خصم اساسي لها، طالبا له كف التعقبات بحقه كونه ليس الشخص المطلوب.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024