منذ 7 سنوات | لبنان / السفير



كانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف، عندما قرّر رئيس المحكمة العسكريّة العميد الركن الطيار خليل ابراهيم أن يقف قليلاً بعد مكوثه على القوس لأكثر من 6 ساعات متواصلة. استراحة الخمس دقائق انتهت ليعود إلى جلسات الاستجواب الطويلة لعدد كبير من المتّهمين بالإرهاب. يخرج متّهم بالانتماء إلى «جبهة النصرة»، ليدخل عوضاً عنه مجموعة من المبايعين لـ «داعش».

ولذلك، لم يسعف الوقت أحمد سليم ميقاتي بالدخول إلى قاعة المحكمة وتحلّق حوله عدد كبير من العسكريين، قبل إرجاء ابراهيم الجلسة إلى موعدٍ لاحق. من المؤكّد أنّ «أبو الهدى» لا يهتمّ بهذه التفاصيل. الأمر الأهمّ بالنسبة له هو النظر إلى وجه ابنه عمر الذي سارع إلى الطلب من ابراهيم أن يلتقي بوالده خارج القاعة. وهذا ما حصل، في حضور الشرطة العسكريّة.

خرج «الميقاتيّان» قبل أن يعودا من جديد بعد الظهر في جلسة أخرى أرجئت إلى الموعد نفسه. ومع خروج الميقاتي الأب، بقيت «مجموعته» للاستجواب حول القيام بأعمال إرهابيّة والمشاركة في أحداث طرابلس.

المُستجوَبون ليسوا عاديّون، وإنّما من «الصّنف البارز». هؤلاء الذين ذاع صيتهم بكونهم أذرعاً لـ «داعش» واعتُبرت عمليّات توقيفهم «إنجازات أمنيّة»: فايز عثمان وعبدالله الجغبير وأحمد كسحة.

في إفادته الأوليّة، روى فايز عثمان تفاصيل مملّة عن المعارك وعلاقة أحمد ميقاتي بما كان يُحضَّر لباب التبّانة. الشاب العشريني الذي يربط شعره ويطيل لحيته، بقي لأكثر من ساعة يستمع من خلف القضبان إلى نفي زملائه للتّهم الموجّهة إليهم. الجملة الوحيدة التي نطق بها عثمان هو تأكيده أنّ «التسوية» التي خرجت بها «هيئة العلماء المسلمين» لأحداث طرابلس كانت بخروجه وعمر ميقاتي وأسامة منصور وعمر بلح الملقّب بـ «أبو الخطّاب» (قضي في إحدى المعارك) من التبانة وبقائهم في منزل رئيس «الهيئة» آنذاك الشيخ سالم الرافعي، مقابل تقاضيهم المال. إذ أشار عثمان إلى أنّه قبض 400 دولار من الرافعي.

وخلال استجوابه، بدا الجغبير كـ «المقطوع من جذع شجرة». هو لا يعرف ميقاتي ولا حتى كسحة ولا عثمان ولا أيّاً من الواقفين إلى جابنه ولا حتى أسامة منصور وشادي المولوي.. ولولا تشاركه باسم العائلة نفسها مع أحد المتّهمين، لكان أيضاً أنكر أنّه ابن عمّه!

وبهذه الطّريقة، استمرّ «أبو هاجر»، ليؤكّد أنّه لم يطلق النار، وليعيد أكثر من مرّة جملة: «أتحدّى أن أكون قد أطلقتُ النار على الأجهزة الأمنيّة. وإذا ما ثبت ذلك حاكموني..».

عاد الجغبير إلى القفص، وحلّ مكانه أحمد كسحة. الشاب الأشقر الذي كان «حلونجي» ويمارس رياضة كمال الأجسام، هو أيضاً يتمسّك ببراءته ولا يعرف أياً من المتّهمين بالإرهاب، نافياً ما يعرف عنه بأنّه كان مسؤولاً عسكرياً في مجموعة «أبو الهدى».

وإذا كان الجغبير استطاع التنصّل ببراعة من التّهم، فإنّ «أبو عمر» لم يستطع ذلك، أو على الأقلّ بدا عليه الارتباك بوضوح، ولم يتمكّن من إكمال إجابة واحدة من دون تأتأة.

ومع ذلك، لم ينف كسحة اشتراكه في معارك طرابلس وببعض الاجتماعات التي كانت تعقد في المساجد، واصفاً إيّاها بأنّها كانت «حالات شعبويّة»، ومبرّراً اشتراكه بالمعارك بالانتقام لوالده الذي قضى في إحدى جولاتها وبكرهه للنظام السوريّ.

واكتفى العميد ابراهيم بهذا القدر من الاستجواب لاستكماله في 2 كانون الثاني المقبل.

مراسل متّهم بالإرهاب!

وإلى جانب العديد من المتّهمين بانتمائهم إلى تنظيمات إرهابية، كان عدد من الماثلين أمام المحكمة متّهمين بالتدّخل بأعمال الإرهابيين أو تأمين حاجيّات لهؤلاء. والبارز أمس أنّ المتّهم كان أنثى معروفة بـ»أم عبده اليبروديّة» التي لم يتمّ سوقها فأرجئت الجلسة.

وبدلاً من «اليبروديّة»، كان «مراسل» إحدى الوسائل الإعلاميّة موقوفاً. أحبّ كمال ك. الشّهرة، فما كان من طموحه إلّا أن أوصله إلى السّجن!

ما إن صادف كمال وجود أحد مراسلي القنوات المحليّة في عرسال، حتّى سارع إلى مساعدته وفريق عمله في تأمين المقابلات التلفزيونيّة وإعطائه معلومات عن عرسال، ليحدّثه في اليوم التالي عارضاً عليه تزويده بأخبار عرسال مقابل مبلغ من المال. وهذا ما كان، إذ أعطاه المراسل كاميرا صغيرة وصار على تواصل دائم معه حتّى خلال معارك عرسال.

يحبّ كمال أن يطلق على نفسه لقب «الإعلامي»، ولو أنّه لم يزاول المهنة. ولأنّه أراد ذلك، صار يوطّد علاقته مع الإرهابيين مستفيداً من كونه يدخل إلى الجرد بسبب امتلاكه قطعة أرض هناك حيث كان أيضاً يمارس هوايته في صيد الحجل، بالإضافة إلى معرفته بأحد عناصر «داعش» الذي كان يعمل في أرضه.

وهكذا، صار يتواصل كمال مع الإرهابيين ويسأل عن «الأخوة» و«الشهداء» بعد كلّ معركة، ويحاول أن يقنع «داعش» بأنّه يمكنه مراقبة تحرّكات «النصرة»، والعكس صحيح، موهماً إيّاهم أيضاً بأنّه سيبايع التنظيم بعد أيّام.

وبهذا الإطار، يضع الموقوف اتّصالاته مع أحد القيادات في «داعش» الملقّب بـ«الشيشاني» الذي كان يطلب منه تأمين كلاب صيد، ليقوم بتوطيد علاقته به حتى «أكسب ثقته، ويزوّدني بالمعلومات»!

يؤكّد كمال أنّه فعل كلّ ذلك من أجل عمله مع القناة التلفزيونيّة، تماماً كمحاولته استضافة أهالي العسكريين المخطوفين ومرافقتهم إلى الجرود بغية مقابلة أبنائهم وتحذيرهم بأنّ ابراهيم قاسم الأطرش الذي كان يتفاوض معهم ويقول إنه يؤمّن اللقاء مقابل 200 حصّة غذائيّة يتلاعب بهم.

ومع ذلك، قام الموقوف بمساعدة رئيس البلديّة آنذاك علي الحجيري الملقّب بـ «أبو عجينة» بتأمين هذه الحصص ومرافقة الأهالي إلى الجرد، حيث منع من الدخول ومنع الأهالي من رؤية أبنائهم.

انتهت رحلة الشهرة عند حاجز الجيش في نيسان الماضي، حينما تمّ إلقاء القبض على ابن الـ39 عاماً يقود سيّارة أنقاض من دون لوحات وعلى هاتفه صوراً ومقاطع فيديو لعدد من المواقع في عرسال وحواجز للجيش، والتي برّر تصويرها بأنّه كان يزوّد بها القناة وأنّه التقطها يوم التبادل مع «جبهة النصرة».

وبعد استجواب الموقوف، ترافعت وكيلة الدفاع عنه المحامية فاديا شديد التي أكّدت عمل كمال مع القناة وأنّه لا ينتمي إلى أي تنظيم إرهابي، وإنّما ما كان يفعله هو من أجل العمل.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024