منذ 7 سنوات | ثقافة / Huffington Post

بينما كان يجلس وخلفه صورة نيقولا الثاني، آخر قياصرة روسيا، قال كبير معلمي مدرسة "سانت بازل العظمى"، زوراب شافشافدزي (74 عاماً)، "إننا نُنشئ جيلاً جديداً من الصفوة هنا، سوف يتسم الطلاب بالأخلاقيات الحسنة والتدين والوطنية والثقافة وتسنح لهم فرصة الوصول إلى السلطة".


تتكون المدرسة من مجموعة من المباني الكبرى المقامة حول كاتدرائية جديدة في أحد أحياء موسكو الراقية، وتسعى إلى ترسيخ تقاليد روسيا القيصرية وغرس روح الوطنية في أذهان طلابها البالغ عددهم 400 طالب.


ومع اقتراب الذكرى المئوية للثورة الروسية عام 1917، التي أدت إلى عزل أسرة رومانوف الحاكمة بعد قرون من السيطرة على السلطة، يعد شافشافدزي واحداً من مجموعة قليلة من الروس ذوي النفوذ، الذين يتطلعون إلى استعادة زمن القياصرة والملكية قريباً، بحسب ما نشر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.


وذكر شافشافدزي: "انظروا لما فعله الشعب الروسي مع لينين وستالين وبوتين. بمجرد أن يقضي أحدٌ ما سنوات بالسلطة، يصبح مقدساً. إن الشعب الروسي يسعى وراء الملكية؛ فالروح الروسية تناصر الملكية".


في مدرسة "سانت بازل" العظمى، تنتشر صور القياصرة على امتداد الممرات أمام الطلاب ويتوسط الردهة تمثال لكاثرين العظمى، فيما تتضمن قاعة الاحتفالات الطلابية لوحات ضخمة لثمانية قياصرة. وتتناول الصفوف دراسة الكتاب المقدس واللغة اللاتينية، وقد تم إعداد كتب التاريخ المدرسية خصيصاً لتجنب الرؤية الإيجابية التي تتناولها الكتب الروسية التقليدية فيما يتعلق بالحقبة السوفيتية.


وتعتبر المدرسة بمثابة أحد مشروعات كونستانتين مالوفييف، صاحب مؤسسة التمويل الروسية المعروفة باسم "حكم الأقلية الأرثوذكسية". ويحظى مالوفييف بعلاقات وطيدة في الكرملين ويُعتقد أنه قام بتمويل قوات المعارضة شرقي أوكرانيا، وأسس قناة "تسارجراد" التلفزيونية المسيحية الأرثوذكسية الوطنية. ونقلت صحيفة الغارديان خلال لقاء معه قوله، إن المدرسة تستهدف إعداد جيل جديد من الصفوة من أجل استعادة الملكية الروسية في المستقبل.


وقال مالوفييف من مكتبه بوسط موسكو الذي تزينه الأيقونات الأرثوذكسية، ولوحة كبيرة للقيصر ألكسندر الثالث، الذي حكم روسيا خلال القرن التاسع عشر، وكان يعرف بسياساته المتحفظة، "مهمة مدرستنا هي ضمان أن يصبح طلابنا من الوطنيين الأرثوذكسيين الذين سينقلون تقاليد روسيا على مدار ألف عام إلى الأجيال القادمة. ويهمني للغاية استعادة التقاليد التي تم التخلي عنها عام 1917".


وبعد ثورة فبراير/شباط، التي تم تسميتها على اسم الشهر الذي اندلعت خلاله في روسيا حينذاك، واجهت البلاد تجربة ليبرالية قصيرة، إلا أنه تم عزل الحكومة المؤقتة خلال الثورة البلشفية بزعامة فلاديمير لينين في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. وأُعدِم نيقولا الثاني وعائلته عام 1918؛ وحورب العديد من أفراد الطبقة الأرستقراطية في صف الجيوش البيضاء خلال الحرب الأهلية الروسية، بينما فر بعضهم إلى غرب أوروبا أو إلى أقاليم أبعد.


وخلال الحقبة السوفيتية، تم حظر مناقشة موضوع البيض. وعادت أسرة شافشافدزي إلى الاتحاد السوفيتي عام 1947، خلال موجة وطنية سادت في أعقاب الانتصار خلال الحرب العالمية الثانية.

ومع ذلك، سرعان ما تم القبض على والده بتهمة التجسس وإرساله إلى معتقل "جولاج" لمدة 25 عاماً، بينما تم نفي الأسرة إلى كازاخستان.


وخلال الحقبة التي تلت العصر السوفيتي، تجدد الاهتمام بتاريخ القوات الموالية لروسيا القيصرية. وقامت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بإحياء أمجاد نيكولاس الثاني. وبينما أعربت إدارة بوتين عن إعجابها بإنجازات الاتحاد السوفيتي، إلا أن تأسيسه عام 1917 كان بمثابة مأساة جراء إراقة الدماء والفوضى التي تسبب بها.


وولد مالوفييف، البالغ من العمر 42 عاماً في الوقت الحالي، بالقرب من موسكو لوالدين كانا يعيشان في مجمع سكني خاص بالعلماء السوفييت. وخلال فترة المراهقة أثناء عصر البيريسترويكا، كان يعشق دراسة الأدب المتعلق بالبيض ثم أصبح مناصراً للملكية.


وقال "حينما بلغت الرابعة عشرة من عمري، قرأت كتابين كان لهما أكبر الأثر على شخصيتي". أحدهما كان يدور حول ذكريات أحد ضباط القيصر السابقين الذي قام بإصدار صحيفة للمهاجرين في الأرجنتين، بينما كان الكتاب الآخر يحمل اسم "سيد الخواتم". وأضاف "كانت فكرة عودة أراجورن إلى جوندور هي فكرتي حول الملكية. وقد أثر ذلك أيضاً على مدى مناصرتي للملكية".


وسيطرت فكرة الملكية على مالوفييف وكتب خطاباً إلى الدوق الأكبر فلاديمير كيريلوفيتش المقيم في باريس والمولود عام 1917، والذي يعد رئيساً للعائلة الملكية بعد إعدام نيكولاس الثاني وعائلته على يد أنصار الثورة البلشفية وبعد وفاة أعضاء العائلة الملكي الآخرين في المنفى.


وبعد قراءة خطاب مالوفييف، طلب الدوق من شافشافدزي، الذي كان مساعداً له في ذلك الحين، تسليم رده بصفة شخصية. وظلت العلاقة بين الرجلين مستمرة منذ ذلك الحين.


وواصل مالوفييف دراسة القانون بجامعة موسكو وكتب رسالته حول الآلية الدستورية التي تستطيع من خلالها روسيا الحديثة استعادة الملكية؛ وكان ذلك قبل التحول إلى الدراسات المصرفية وسرعان ما أصبح أحد أكبر أثرياء روسيا. ولجأ إلى شافشافدزي لتولي إدارة مدرسته التي انتقلت إلى مقرها الجديد عام 2012. ويأمل مالوفييف أن يكون خريجوها أساساً للنظام القيصري المستقبلي "الحتمي" في روسيا.


وذكر مالوفييف أن السياسيين مرتشون، ويركزون على النجاحات الانتخابية فحسب، بينما يستطيع الملوك تولي السلطة دون الانغماس في لعبة السياسة القذرة. ولا يعتبر أن بوتين واحد من بين قائمة السياسيين الديمقراطيين القذرين، حيث تم اختيار الرئيس الروسي بدقة من جانب بوريس يلتسين.


وقال "لم يسع مطلقاً وراء الانتخابات، بل تم البحث عنه وتنصيبه واتضح أنه مبعوث العناية الإلهية. من كان يخمن عام 1999 أن بوتين سيأتي إلينا وتبدأ روسيا في استعادة أمجادها ثانية؟ إنها العناية الإلهية".


وزعم أن الدراسات توضح أن عدد الروس الذين يتوقون إلى الملكية قد تزايد من 15% إلى 25% على مدار العقد الماضي ويربط ذلك بشعبية شخصية بوتين الجارفة.


ويتضمن الآخرون الذين أيدوا أجندة مالوفييف القيصرية، ليونيد رشيتنيكوف، الذي عمل جنرالاً بالمخابرات الروسية حتى أصبح مؤخراً رئيساً لإحدى المؤسسات البحثية في مجال السياسة الخارجية. ويتولى حالياً إدارة جمعية Double-Headed Eagle Society من خلال مكتبه في موسكو الذي تعلوه صورتان لبوتين ونيقولا الثاني.


وذكر رشيتنيكوف أنه أصبح مناصراً للملكية حينما كان عميلاً بالاستخبارات السوفيتية بمنطقة البلقان خلال الثمانينيات من القرن الماضي، حيث لاحظ عدم وجود مناصرين فعليين للشيوعية، كما أن الديمقراطية لا تثير إعجابه بالمثل.


وقال رشيتنيكوف "يريد الليبراليون لدينا أن يصبحوا مثل الأوروبيين، ولكن الرب جعلنا مختلفين. فالديمقراطية الليبرالية مثل الماركسية، حيث جاءت إلينا من لندن وباريس ونيويورك. ونريد العودة إلى المرحلة التي أخطأنا خلالها سلوك الاتجاه الصحيح عام 1917".


وذكر رشيتنيكوف أن الأمر قد يستغرق عقوداً قبل أن تتمكن روسيا من التفكير بجدية في استعادة الملكية وربما يتطلب تحقيق ذلك إقامة مجتمع أكثر نضجاً وتديناً.


ومع ذلك، ذكر مالوفييف أن ذلك قد يتحقق بصورة أسرع مما هو متوقع وقال أنه يعتقد أنه من الممكن تتويج بوتين قيصراً لروسيا. "لم يكن أحد يريد أن يستمر يلتسين بالسلطة للأبد، ولكن الجميع يريدون أن يواصل بوتين السيطرة على زمام الحكم للأبد".


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024