العبرة في الخواتيم» قالها الرئيس نبيه بري في افتتاح الجولة الأخيرة من الجلسات الـ 3 المتتالية التي عقدتها هيئة الحوار الوطني، لكن الخاتمة كانت «صفر الوفاض، خالية وعقيمة»، على ما قال أحد النواب المشاركين في الحوار، على رغم استغراقها وقتا أطول من الجلستين السابقتين، لعلها تخرج بإنجاز يؤسس عليه.

فكما دخل المتحاورون إلى الجلسة الأولى خرجوا في الثالثة منها، من دون إحداث أي خرق يبنى عليه، فأسقطوا الرئاسة مرة جديدة وألحقوا بها قانون الانتخاب، وهربوا إلى الأمام، باستحضار ملف إنشاء مجلس للشيوخ بعدما غيب في الأدراج أكثر من 25 عاما، فأسقط هو الآخر.

والإيجابية التي سجلت في جلسة أول من أمس حيال إمكان تحقيق إنجاز في الإصلاحات الدستورية والبناء عليها في وضع قانون انتخابي جديد، تبددت أمس، ليعود الخلاف على الأولوية، فأخفق المتحاورون في تشكيل لجان لمتابعة البحث في صلاحيات مجلس الشيوخ ودوره، وورش عمل لدرس قانون انتخاب وطني يحفظ قاعدة المناصفة وفق النسبية الكاملة، ومجلس شيوخ مذهبي وفق القانون الأرثوذكسي يضمن حقوق الطوائف، كما سرب في الجلسة الماضية.

ولجأوا إلى اعتماد تخريجة جديدة لإخفاء الفشل فضربوا موعدا جديدا لجلسة حوارية في 5 سبتمبر المقبل، على أن يسبقها إجراء مشاورات وتواصل بين القوى السياسية التي تمثل فرقاء طاولة الحوار، وتحضير الأفكار، لتشكيل لجنة من اختصاصيين وخبراء وفنيين، تطرح أسماؤهم على الفرقاء المتحاورين لتمثلهم في اللجنة لمتابعة موضوع مجلس الشيوخ وكيفية تنفيذه إضافة إلى قانون الانتخاب.

وفي تقويم ما جرى في ثلاثية الحوار والنتائج التي انتهت إليها رأى المراقبون:

٭ أنها ليست المرة الأولى التي يجلس فيها المسؤولون على طاولة حوار، لمحاولة إيجاد حلول للأزمة اللبنانية.

فمنذ حوارات العام 2006، لايزال الأقطاب أنفسهم يتحاورون فيما الأزمة مستمرة.

لم تكن ثلاثية الحوار مثمرة لجهة النهايات المرسومة لها، بل ضاعت عنها الأهداف الأساسية، لتطاول قضايا أخرى، ما جعل الصورة أكثر وضوحا بأنه لا حلحلة قريبة في الملف الرئاسي وبقية الملفات الخلافية.

٭ على عكس ما استرسل به المشاركون في الحوار مدى 3 أيام من تخيل إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، هناك عوامل عدة تشكل معضلات لا يمكن في ظلها إرساء هذه التسوية، أبرزها: عدم توافر مناخ دولي وإقليمي لانتخاب رئيس للجمهورية (مع اشتراط بعض الأطراف أن يكون هذا الملف هو البند التنفيذي الأول الذي يسبق كل البنود)، وتشبث كل طرف بموقفه، ما يجهض كل توافق.

٭ الحوار بلا نتيجة سوى دفن الملفات في مقابر اللجان وترسيخ القناعة بأن القوى السياسية لن تقر أي قانون جديد للانتخابات ليبقى قانون الستين سيد القوانين.

٭ عمليا، ضيعت القوى السياسية وقتها ووقت المواطنين، فعلى مدى 3 أيام عجزت عن جعل خياراتها تأخذ بعدا وطنيا، ولم تكن مداولاتها سوى محاولة لإنتاج تفاهمات تعيد من خلالها تقاسم السلطة تبعا لما تفرضه موازين القوى.

٭ في ختام الثلاثية، ظهرت الفروق بوضوح بين فريقي 8 و14 آذار.

الفريق الأول، وتحديدا حزب الله يحاول الشد نحو رفع حظوظ النسبية الكاملة وإطالة أمد الفراغ الرئاسي، بحيث لا يشير إلى أولوية رئاسة الجمهورية، ولا يساعد في الاتفاق على الأسماء، ولا حتى في إعلان ترشيح العماد ميشال عون علنا. وهو بهذا الطرح يحاول الإيحاء أن الفريق الآخر يرفض الإصلاحات الأساسية ولا يريد تطوير النظام اللبناني، ولعل هذا ما دفع عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض الى التصريح علنا: «ثمة من يضع قنابل متفجرة في طريق الإصلاح السياسي»، رافضا نعي الحوار.

أما على مستوى فريق 14 آذار، فهو لايزال يتمسك بأولوية الانتخابات الرئاسية، رافضا تمييع الاستحقاقات الداهمة، سواء كانت رئاسية أو نيابية، لاسيما ان الوقت بات داهما. ثم إن هذا الفريق، وفي مقدمه الرئيس فؤاد السنيورة، لا يميل أساسا الى النسبية الكاملة، ولطالما رفع الشعار ضدها، وبالتالي لاتزال لديه شكوك أو مخاوف منها، حتى ولو مررت مع إنشاء مجلس شيوخ يراعي حقوق الطوائف.

والأهم عند هذا الفريق، أن هذا «القفز» في العناوين التي «نامت» أصلا منذ عشرات الأعوام، لا يدل على أن ثمة جدية في حل المعضلة الأساسية، بل أن هناك سعيا للهروب الى الأمام، أو الى فشل آخر. وهذا ما دفع برئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الى القول: «نرفض الهروب من الديموقراطية والاستحقاقات، ولا أحد يزايد علينا في عناوين إصلاحية».

٭ على رغم الخلافات في الرأي بين بعض المتحاورين أو تحفظات البعض، فإن أحدا لم يتجرأ على التلويح بالخروج من الحوار، لا بل إن الجميع حرص على السير به لأن لا بديل عن ذلك سوى المزيد من الفراغ والفوضى.

وكان لافتا تعمد الرئيس بري على مدى الجلسات الـ 3 تكرار مقولة إن الرئاسة، بحسب اعتقاده، «من الآن وحتى نهاية السنة ستكون محلولة»، مضيفا بالأمس عبارة تؤشر الى جديته بقوله «هذا ليس مجرد دعاء».


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024