منذ 7 سنوات | حول العالم / Huffington Post

من المستحيل بالنسبة لهؤلاء الذين يعانون متلازمة الرجل الصخرة (أو ما يعرف بخلل التنسج الليفي المعظم المترقي FOP) أن يستطيعوا وصف كيفية الحياة مع هذا المرض.

سوف يقولون لك تخيّل جسدك مقيداً بإحكام لا تستطيع معه تحريك أية مفاصل سواء في الرقبة أو الكتفين أوالرسغيْن أوالركبتيْن أو الكاحليْن، أنت مقيد تماماً، وجسدك ثابت في وضع واحد!

سيطلبون منك أن تتخيل أيضاً كما لو أنك داخل كتلة من الجليد، مجمدٌ تماماً، لا يمكنك نقل أطرافك من مكانها، في النهاية لن يمكنك أن تفهم شعور أن تكون محاصراً بداخل جسدك.

تعاني الأميركية جاسمين فلويد من هذه المتلازمة.

بمرور الوقت تتحول العضلات والأربطة والأوتار والأنسجة الضامة الأخرى في جسدها إلى عظام، كما لو أنها تحولت إلى هيكلٍ عظميٍ ثانٍ.

ويعد هذا المرض من أندر الأمراض الوراثية والأشد تسبباً للإعاقة لدى المصابين به.

سُجّلت 800 إصابة مؤكدة حول العالم، وفقاً للجمعية الدولية لخلل التنسج الليفي المعظم المترقي. وبحسب النسخة الإسبانية من وكالة سي إن إن فجاسمين هي واحدة من 285 حالة مسجلة في الولايات المتحدة الأميركية.

تقول جاسمين: "هذا مرعب.. شيء لا أستطيع السيطرة عليه، يحاول الاستيلاء على جسدي تماماً".

فقدت هذه الشابة ذات الثلاثة والعشرين عاماً القدرة على وضع كفيْها على كتفيها أو تحريك رقبتها.

يعرف أصدقاؤها والمحيطون بها أنه يجب عليهم الجلوس باتجاه جانبها الأيمن؛ لأن النظر في الاتجاه الآخر يتطلب منها أن تغير وضع جسدها بالكامل.

كما أنها تعاني ألماً بالغاً من أجل التقاط شيء من على الأرض بسبب العظام التي تنمو في ظهرها.

هذا الصيف وصل المرض إلى نصف وجهها الأيمن، مسبباً إغلاق فكها، وأصبح عليها دائماً أن تتناول طعاماً لا يتطلب منها فتح فمها لأكثر من سنتيمتر واحد.

قد يرجع السبب في نمو العظام إلى التعرض لصدمة أو سكتة دماغية أو السقوط، وقد يكون السبب مجهولاً تماماً.

ذات صباح سوف تستيقظ جاسمين فاقدة القدرة على تحريك ولو مفصل واحد في جسدها. كل انتكاسة تتعرض لها تسبب ألماً شديداً: 10 درجات على مقياس الألم.

تتناول الفتاة عقاقير الإيبوبروفين، ولكنها لا تجدي نفعاً في تسكين الآلام الشديدة التي تشعر بها، وتقول: "لقد تناولت أدوية قوية التأثير، حتى إنها لم تعد تؤثر بتاتاً على الألم الذي أشعر به".

كما تضيف: "لقد تقبلت حقيقة أن عليّ أن أترك المرض يفعل بي ما يشاء".

عند ولادتها، كان لدى جاسمين نتوء بحجم حبة البازلاء على إصبع قدمها الكبير. أخبر طبيب الأطفال والديها جون وروجين بأن الأمر لا يستدعي القلق أبداً.

وعندما وصلت الفتاة إلى عمر 9 أو 10 أشهر، بدأ المزيد من الكتل الصغيرة في الظهور على جمجمتها وعمودها الفقري.

عادت الأسرة إلى الطبيب مرة أخرى، وكانت لديه عدة تخمينات بشأن حالتها، ولكن الفتاة بدت بصحة جيدة، لذلك واصلت الأسرة حياتها ولم تُعِر الأمر مزيداً من الاهتمام.

فيما بعد، في خريف عام 1998، بدأت ياسمين في الشكوى من الآلام التي شعرت بها برقبتها في أثناء الذهاب إلى المدرسة.

ظنت روجين أن ابنتها قد نامت في وضع خاطئ ببساطة.

تحدث الأطباء الذين قاموا بزيارتهم عن داء لايم، والسرطان، والصعر (انفتال العنق).

لاحقاً، في يناير/ كانون الثاني 1999، أكد أحد الأطباء في مدينة هاردفورد، الولايات المتحدة أن الفتاة تعاني خلل التنسج الليفي المعظم المترقي.

كتب لنا جون الذي انفصل عن زوجته: "لقد كان الخبر الذي فاجأنا به الطبيب صادماً، لقد شعرنا بالضياع التام".

أصبح كل من يحيطون بجاسمين مذعورين، ويشعرون بأن مجرد لمسها قد يسبب نمو المزيد من العظام!

كانت الفتاة مجبرة طوال الوقت على ارتداء خوذة في المدرسة، فيما بعد استطاعت الأم أن تجعل المدرسين يأخذون فرض الأمر على الفتاة الأمر بجدية.
كما قام الأصدقاء والمقرّبون بتخصيص أموال لمساعدة الأسرة في مصروفات الرعاية التي تحتاجها جاسمين.

في أثناء أوقات فراغهم، وفي محاولة لرفع الوعي حول هذا المرض الغريب، بدأ بعض أفراد العائلة بعمل بطاقات المعايدة والإشارة إلى المرض من خلالها.

يقول والدها: "في الواقع، ما يُعتبر طفولة طبيعية بالنسبة لأقرانها، كان مجرد خدعة بالنسبة لها".

بعض من الأمل

في أبريل/نيسان 2006، أعلن الدكتور فريدريك كابلان وزملاؤه الباحثون بكلية الطب في جامعة بنسلفانيا أنهم عثروا على الجين المسبب للمرض.

قال كابلان: "إنه واحد من بين 6 مليارات جين وراثي يسبب المرض بالنسبة لـ97% من الحالات المصابة".

بالتعرف على هذا الجين الوراثي، تمكن العلماء من التعرف على البروتين الذي يتم ترميزه في هذا الجين، وهو الإنزيم الذي يتفاعل أساساً لتشكيل العظام.

وتابع: "عادة، يعمل هذا الإنزيم في حالة حدوث كسور؛ إذ يعمل على إعادة بناء العظام، وفي حالة المرضى الذين يعانون هذا الخلل، يكون الإنزيم نشيطاً ويتم إنتاجه طوال الوقت".

ويضيف: "العظام التي تتشكل تكون عظاماً طبيعية بشكل ممتاز، يمكننا أن نقول إن هذا شيء جيد أكثر من اللازم".

يعمل فريق كابلان وغيره من العلماء على تطوير الأدوية التي يمكنها وقف نشاط هذا الإنزيم.

الأمر ليس سهلاً؛ إذ إن الأبحاث الخاصة بالأمراض النادرة محدودة للغاية.

بدأ اهتمام كابلان بالمرض عندما عايش معاناة حالتين مصابتين عام 1985. أدرك حينها كيف يسرق هذا المرض طفولة هؤلاء الأطفال؛ إذ يبدأ عادة في الظهور قبل سن الخامسة.

يقول كابلان: "فيما بعد، عرفت أن هذا هو أسوأ أمراض العظام على الإطلاق، والذي لم يعمل عليه أحد من قبل".

تشير تقديرات كابلان إلى أن الأطباء يخطئون في تشخيص 90% من الحالات المصابة بالمرض.

لا يعلم العديد من الأطباء بوجود مرض النمو غير الطبيعي للعظام.

ومن المفارقات، أن أخذ عينة الإصابة بورم خبيث من الطفل المصاب بواسطة إبرة، يسهم في تفاقم سريع للمرض؛ إذ يؤدي إلى المزيد من نمو العظام، ويكون بمثابة صدمة للجسم مثل السقوط أو السكتات الدماغية!

يضيف كابلان: "للأسف، لا يمكننا التنبؤ بوقت أو كيفية تقدم المرض حتى الآن. توفيت نصف الحالات قبل سن الأربعين، ويحدث هذا بسبب نمو العظام الإضافية حول القلب أو الرئتين مما يقيد الحركة".

بالنسبة لجاسمين، توجد صعوبات في التنفس.

"حاوِل قدر الإمكان إلى أن تفقد القدرة على المحاولة"

هذا هو ما تفعله جاسمين التي تحب السفر، فهي تسافر بقدر ما تستطيع، كما تذهب إلى الحفلات الموسيقية، وتتواصل عبر الإنترنت مع العديد من الأصدقاء ممن يشاركونها الاهتمامات نفسها، أو من يشاركونها في النضال ضد الأمراض المزمنة أو هما معاً.

كما أنها تحب العناق وتكره أن يبتعد الناس عنها لأنهم يظنون أنها تتألم من لمساتهم. تقول جاسمين: "أحياناً، أحب أن أشعر بأنني على ما يرام".

وتؤكد: "هذا المرض مريعٌ حقاً، ولكنه يدفعني للقيام بأشياء كثيرة، وأن أستمتع بالحياة بأفضل ما يمكن".

عندما لا تسافر، تحاول جاسمين أن توفر طاقتها وتجلس لمشاهدة التلفاز مع قطها ماين.

تكتب فلويد في مدونة خاصة بها بعنوان "روح واحدة، هيكلان عظميان" (One spirit, two skeletons) التي تشارك من خلالها منشورات خاصة بعائلتها وأصدقائها والرحلات التي قامت بها.

تحاول الفتاة دائماً أن تتمسك بهذه الأوقات العابرة التي تشعر فيها بالاستقلال، ولكنها لا تلبث أن تشعر بالقلق الشديد حول المستقبل إثر الانتكاسات المستمرة.

تعرف جاسمين أن ببلوغها الثلاثين سوف يتعيّن عليها الاعتماد على كرسي متحرك، وربما لن يمكنها مغادرة المنزل مع مرور الوقت.

حتى الآن، تحتفظ الفتاة بتفاؤلها. تقول الأم إن ابنتها تتمتع بشخصية ساخرة ومشاكسة، ونادراً ما يكون مزاجها سيئاً.

كتبت جاسمين في تحديث على مدونتها في 30 نوفمبر/تشرين الثاني: "وصول المرض إلى فكي ذكّرني بأن قدراتي واستقلالي بما في ذلك القدرة على السفر بمفردي، كل هذا يمكن أن يسلبه مني المرض في أية لحظة".

كما تابعت: "ما زلت عازمة على مواصلة وضع الخطط المجنونة وأن أخاطر وأعيش تجارب مثل التي مررت بها هذا العام، ما دامت لديّ القدرة على أن أفعل".


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024