منذ 7 سنوات | لبنان / موقع القوات



دأب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لفترة طويلة، على اللقاء مع مجموعة من الإعلاميين والناشطين في قوى “الرابع عشر من آذار” في جلسات نقاش وتبادل للآراء.

توقفت تلك اللقاءات على خلفية توتر العلاقة بين “القوات” و”المستقبل” على الخيار الرئاسي، في ضوء تبني زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية وتبني جعجع ترشيح العماد ميشال عون .

بالأمس، شهدت معراب عودة المياه إلى مجاريها السابقة. عادت الروح إلى العلاقة بين “القوات” و”المستقبل”، فباتت عملية لمّ الشمل ممكنة لإعلاميين يدورون في فلك “14 آذار”، أو جَمَعهم “يوماً ما” “حلم 14 آذار”، في مشروع “العبور إلى الدولة”، الذي لا يزال يحتاج إلى كثير من فعل الإيمان!

وَصْلُ ما انقطع يحمل في طياته علامات إيجابية، على أقله في الشكل، وإن كان لم ينسحب على المضمون، من حيث الرؤية الجامعة لكيفية مقاربة الاستحقاق الأبرز المتمثل بانتخابات الرئاسة.

“لا ذرّة شك” لدى جعجع بأن إيران و”حزب الله” لا يريدان إنتخابات رئاسية في لبنان. ووجهة نظره انهما لا يريدان أيضاً العماد ميشال عون رئيساً. تلك القناعة ليست جديدة لدى رئيس حزب “القوات”، لكنها تعززت بعدما لم يُفض الغطاء  المسيحي الذي أمّنه لعون وتأييد وليد جنبلاط له من دفع “حزب الله” إلى النزول إلى ساحة النجمة لانتخاب حليفه المفترض” الذي يجاهر أنه يدعمه.

مضت سنتان والرئاسة معلقة، وليس في الأفق احتمال انفراج. فلو كان هناك بصيص نور، قد يكون الانتظار ممكناً. لكن الأمر قد يطول لثلاث سنوات أو أربع، ما يعني الدخول في دائرة الخطر نحو مزيد من الانحلال. فانتحابات الرئاسة المعطلة انسحبت شللاً على الحكومة وعلى مجلس النواب.

وإذا كان الوضع الأمني مقبولاً مقارنة مع ما يجري حولنا، فإن هناك صعوبات اقتصادية ومعيشية، وهناك مؤسسات الدولة موجودة ولكن تحتاج إلى قرار سياسي من أجل أن تعمل بفعالية. فحيث هو القرار السياسي متوفر تكون المؤسسات على خير ما يرام. المثال جليّ في ما خص القرار السياسي بحماية الاستقرار الأمني، حيث أثبتت الأجهزة الأمنية اللبنانية أكثر فعالية حتى من مستوى الأجهزة الأوروبية. وحين توفر القرار السياسي لإجراء الانتخابات البلدية، قامت وزارة الداخلية بعمل ناجح، واتسمت العملية الانتخابية بـ ”المثالية”. لكن السؤال: ماذا سيكون عليه الوضع إذا استمر الفراغ؟

“القرار السياسي معطّل في ما خص الإنتخابات الرئاسية، غير أن ثمة حلاً واحداً لا غير إذا كنا نريد تحقيق اختراق”، يقول جعجع. إنه الذهاب نحو انتخاب ميشال عون . والسبيل إلى ذلك هو سحب البساط من تحت “حزب الله”. وهذا لا يكون إلا إذا مشى الحريري بعون. هذا ما قاله للحريري، وإنْ كان يتفهّم موقفه وعلامات الاستفهام الكبيرة التي لديه على عون، ويدرك أنه ليس مطلوباً من زعيم “المستقبل” أو ملزماً أن يصوّت لعون لأن الأخير هو مرشح “حزب الله” الذي عليه أن يخوض معركته. ولكن “شو عنا حلول ثانية؟” سأل جعجع الذي أسرّ أن الحريري كان مستمعاً كل الوقت.

ما السبب وراء هذا الاندفاع لتسويق عون وإيصاله إلى بعبدا، وهو الذي نُقل عنه يوماً أنه بين عون والفراغ يفضل الفراغ؟ يجيب جعجع: المعركة هي رئاسة الجمهورية وليس المعركة هي الشخص. ولكن عون هو حل للأزمة. هو المعبر الذي يمكن أن يوصلنا إلى رئاسة الجمهورية.

من وجهة نظر “سيّد معراب” أن الحزب ارتكب خطأ عندما بالغ في تأييده عون، سائلاً: «وين بدو يروح» عندما تؤيد القوات وجنبلاط والمستقبل ترشيح عون؟ وبرأيه أن معارضة رئيس مجلس النواب نبيه بري لعون تُعبّر في حقيقة الأمر عن موقف “حزب الله” الفعلي حيال  عون.

هو ينطلق من قراءة أن مواجهة الحزب تتطلب حشد أكبر قدر من القوى السياسية، ولا بد من استعادة عون من أحضانه. هذا ما يغيّر في موازين القوى. فـ ”حزب الله” ذهب إلى التفاهم مع عون ببعد استراتيجي، وهو بهذا التفاهم أمّن غطاءً لنفسه. سحب عون من عند الحزب يُفقده هذا الغطاء.

أما السؤال عمّن يضمن عون؟ يبدي رئيس “القوات” ثقة كبيرة بالنظام اللبناني والدستور. فهما الضمانة والناظم والضابط للعلاقة. فبرأيه أن رئيس الجمهورية مهما سعى إلى التلاعب بالصلاحيات، فإنها مقيدة بمجموعة قوانين لا يستطيع تجاوزها والقفز فوقها. فاللعبة لها ضوابطها. أي تعيين (قائد الدرك على سبيل المثال) يحتاج إلى ثلثي مجلس الوزراء.

وحين تسأل جعجع عن أن التجارب السابقة مع عون غير مشجعة، حتى تجربته هو شخصياً يوم عيّن الرئيس أمين الجميل عون رئيساً للحكومة العسكرية وكان هو داعماً له، فكيف يمكن ضمانة عون؟ لا ينكر جعجع أن هناك مخاطر في انتخاب عون ولكنها مخاطر محسوبة. إلا أنه على يقين أن عون يريد أن يصل إلى رئاسة الجمهورية وينجح كرئيس، والقوات هنا تشكل سنداً له. كما أن مصالح عون الرئيس ستتعارض مع مصالح “حزب الله” حكماً، لأن الرئيس يريد أن يدافع عن موقعه.

لا يبدو جعجع منفتحاً أو متحمساً للطرح القائل بتخلي الحريري عن ترشيح فرنجية وتخليه عن ترشيح عون والعودة إلى ثوابت “14 آذار” أو الذهاب إلى مرشح ثالث. ما لا يقوله أن التخلي عن عون راهناً يُخسره ما كسبه على مستوى إراحة الشارع المسيحي بعد المصالحة القواتية – العونية.

في اللقاء، تغيب “ثلاثية الحوار” التي تبدأ اليوم في عين التينة.  هو غير قلق مما يصفه التهويل بالمؤتمر التأسيسي. هذا برأيه هو الشيء الوحيد الذي لا جدية بطرحه، ذلك أن أي طرح من هذا النوع يحتاج إلى موافقة كل المكونات، وإذا اعترض مكوّن بغض النظر عن حجمه تنتهي المسألة. ويرى في برّي، في الوقت الضائع، أفضل لاعب لدور «حاضنة الأطفال» Baby sitter، حيث يتمتع بقدرة فائقة على إلهاء الرأي العام والكتل النيابية لملء الفراغ.

بدأ جعجع خلال جلسة النقاش وكأنه يريد أن يُوصل رسائل عدة لمن يعنيهم الأمر، معتبراً أن أحداً لا يمكن أن يتنبأ بما سيجري في العراق واليمن وسوريا، فيما مصر غير مستقرة بعد، والانقلاب التركي لا بد من أن يترك تداعياته للمستقبل في ظل أداء السلطة الراهنة، من دون تجاهل الوضع في أوروبا الذي يجعلها منكبة على الداخل، والانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية. مشهد قد يمكن النفاذ من خلاله للبننة الاستحقاق… عبر الدفع بعون كخيار متوفر لفتح كوّة في جدار الأزمة الرئاسية!


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024