منذ سنة | لبنان / البناء

كتبت "البناء" تقول: ساعات فاصلة عن نهاية ولاية العماد ميشال عون الرئاسية، في ظل غموض يطال المسار الحكومي بعد تعثر رافقه تصعيد سياسي بين فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، ما أوحى بانسداد الأفق أمام ولادة حكومة جديدة قبل نهاية الولاية الرئاسية، بينما قالت مصادر متابعة للملف الحكومي إن باب المفاجآت لا يزال مفتوحاً على حلحلة تظهر في الربع الأخير من الساعة الرئاسية عندما تصير الخيارات بين اللاحكومة أو حكومة بدون السقوف العالية للشروط المتبادلة، مع مواصلة الوسطاء مساعي الدفع نحو تجاوز مخاطر الفراغ الحكومي في توقيت بات أكيداً فيه عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية الولاية الرئاسية، والبلد بغنى عن اختبار مواجهة عنوانها سعي رئيس حكومة تصريف الأعمال لإثبات أهليّة حكومته في ملء الشغور الرئاسي وممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، مقابل سعي معلن للتيار الوطني الحر بمنعها من ممارسة هذه الصلاحيات، يواكبه رئيس الجمهورية بمرسوم إعلان استقالة الحكومة، كرّر أنه جاهز لإصداره ما لم يتم تشكيل حكومة جديدة أكد جهوزيته للمضي بتشكيلها إذا تمت مراعاة ما أسماه بالمعايير الموحدة.

 

بانتظار التجاذب الحكومي، وثبات الفراغ الرئاسي، تتقدم دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري للحوار مع الكتل النيابية حول الملف الرئاسي من باب السعي لتأمين التوافق على مرشح يتحقق النصاب اللازم لانتخابه ويتأمن له ما يكفي من الأصوات للانتخاب، دون أن يكشف بري عن طبيعة الحوار الذي يعتزم القيام به، بين خياري عقد طاولة حوار تضمّ رؤساء الكتل النيابية، أو قيامه بحوار ثنائي ومتعدّد الأطراف مع الكتل لاستمزاج آرائها وبلورة وجوجلة الخلاصات. وكان الجديد الذي سجلته الساعات الماضية، بعد إعلان رئيس حزب الكتائب سامي الجميل عن موافقته على الدعوة إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن موافقته على قبول الدعوة والاستجابة لها.

بالتوازي، بدأ التيار الوطني الحر استعدادات شعبية لمواكبة انتقال رئيس الجمهورية من بعبدا الى الرابية، بينما لا تزال مناخات الاحتفال بإنجاز ملف النفط والغاز حاضرة في المواقف، وسيكون لها نصيب وافر في التحليل والقراءة المفصلة عبر اطلالة مخصصة لهذا الملف للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء اليوم، فيما كان من تداعيات الإنجاز بدء مسار تفاوضي مع قبرص عبر عنه حضور وفد حكومي قبرصي إلى بيروت أمس، والإعلان عن توافقات مبدئية ستتم متابعتها خلال الأسبوع المقبل وتنتظر لإنجازها التقدم في مسار الترسيم مع سورية، ولمتابعة هذين المسارين أعلن الرئيس ميقاتي تكليف وزير الأشغال علي حمية برئاسة وفدي التفاوض مع قبرص وسورية، بعدما أعلن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي كلّفه رئيس الجمهورية بالمهمة نهاية مهمته من قصر بعبدا بعد انتهاء الاجتماع مع الوفد القبرصيّ.

 

وبقيت الأجواء الاحتفالية بإنجاز تثبيت حقوق لبنان الاقتصادية تظلل المشهد الداخلي بانتظار إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتناول هذا الملف بشكل موسّع ومسهب من جوانبه كافة مساء اليوم، إذ من المتوقع أن يسلط السيد نصرالله الضوء على أهمية إنجاز الترسيم وفق المطالب اللبنانية بحفظ كافة الحقول والحقوق في الثروة النفطية والغازية وإسقاط كافة الشروط الإسرائيلية والألغام التي حاولت وضعها في متن وبنود الوثيقة الأميركية في آخر مراحل التفاوض، كما سيدحض السيد نصرالله وفق معلومات «البناء» كل الادعاءات بتنازل لبناني أو من المقاومة أو اعتراف الدولة اللبنانية بالعدو وتغطية الحزب لهذا الاعتراف، ويؤكد على تراجع العدو وتنازله تحت ضغط عوامل خارجية وتهديدات المقاومة وهذا ما كشفته مواقف كثير من المسؤولين والإعلام في كيان العدو. كما سيشدد السيد نصرالله على استمرار الحاجة الى المقاومة وسلاحها أهمية وسيشير الى الدور الذي لعبته ومستوى وحجم وطبيعة الاستعداد للحرب التي كانت متوقعة بأي لحظة في حال أصرّ العدو على استخراج الغاز من دون التفاهم مع لبنان ومنحه كافة حقوقه ورفع الفيتو عن الشركات. كما سيلفت الى أهمية معادلة الجيش والشعب والمقاومة في صنع الإنجازات والتي تكرست مرة جديدة في إنجاز الترسيم وأهمية التنسيق بين المقاومة والدولة كعامل قوة للبنان.

وشدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حوار على قناة «المنار» أمس أنّ «استخراج النفط والغاز هو الأمل الوحيد للبنانيين للخروج من الأزمة الاقتصادية الكبيرة، التي يرزحون تحتها». ولفت إلى «أننا قمنا بالتفاهم غير المباشر بشأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وكانت هناك مصلحة ثنائية في ذلك، وهذا ما أوجب أن نقوم بهذا التفاهم غير المباشر لأن وضعنا المادي لا يحتمل»، مشيرًا إلى أنه «كان هناك تهديد للسلام إن لم تنجح مفاوضات الترسيم، ولا يمكننا أن نجمّد ثروتنا ونحن بحاجة إليها».

 

بدوره، قال رئيس التيار الوطنيّ الحر النائب جبران باسيل عبر «تويتر»: «اتفاق الترسيم والاستخراج الذي أنجزه لبنان هو نموذج أو مثال عن كيف تكون الاستراتيجية الدفاعية بحيث تكون الدولة المرجع الأساس فيها والمقاومة عنصر قوة مساند وملتزم بسياسة الدولة وقرارها، وهيك مشروع المقاومة لا يتعارض مع مشروع الدولة وبنائها لا بل يعزّزه».

وتوالت المواقف الدولية المرحّبة بإنجاز ملف الترسيم، وأعلن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن بيتر ستانو في بيان، أن «هذه الاتفاقية التاريخية ستسهم في استقرار وازدهار البلدين الجارين والمنطقة»، لافتاً إلى أن «الاتحاد يشجع الأطراف على مواصلة التزاماتهم البناءة، وهو على استعداد لمواصلة تطوير شراكاته مع كل من البلدين ودعم الجهود الرامية إلى التعاون الإقليمي لصالح الجميع».

وتمنّت السفارة الروسية في لبنان، عبر حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي، «لأصدقائنا اللبنانيين أن يستفيدوا من اتفاق الترسيم وأن يعود لبنان إلى مسار التنمية والازدهار في أقرب وقت ممكن».

 

وفي موازاة ذلك، حطّ وفد قبرصي في بيروت أمس، بهدف تسوية وضع الحدود البحرية بين الجزيرة القبرصية ولبنان. وأطلق رئيس الجمهورية مسار التفاوض مع قبرص لمعالجة وضع الحدود البحرية بين البلدين. وشدّد خلال استقباله وفد الجمهورية القبرصية، على أن «الهدف من اللقاء هو الاتفاق على معالجة الموضوع العالق في رسم الحدود البحرية بعدما انتهينا من رسم الحدود البحرية الجنوبية».

وبعد اجتماع بعبدا زار الوفد القبرصي وزير الأشغال والنقل علي حمية، حيث عقد اجتماع بحضور أعضاء هيئة قطاع النفط وضباط من مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش نوقشت فيه المسائل التي اثيرت في اجتماع بعبدا وتم التوصل الى صيغة اتفقوا عليها لتنفيذها وفق الإجراءات القانونية المتبعة والمتعلقة بتعديل الحدود البحرية وفق المرسوم 6433 واعتماد النقطة 23 جنوباً، بحسب ما أبلغ نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، رئيس الجمهورية مساء أمس. وأوضح بوصعب، أنّ الصيغة تعتمد شمالاً خط الوسط بين لبنان وقبرص، على ان تحدد نقطة الالتقاء بعد ان يتفق عليها لبنان وسورية.

 

وفيما تستغل بعض الجهات السياسية اللبنانية سوء تنسيق موعد زيارة الوفد اللبناني الى سورية، بهدف الإساءة الى رئيس الجمهورية وللعلاقات بين الدولتين، أوضح بوصعب، أنه «لم يحصل سوء تواصل مع سورية إنّما سوء تفاهم»، لافتاً الى أن العتب يحصل بين الأخوة والموضوع مع سورية يُحلّ ولا إشكالية والخطأ لم يحصل من قبلنا والتعاون سيكون موجوداً».

وكان رئيس الجمهورية أكد في دردشة مع الصحافيين في بعبدا أمس، أن «فكرة السلام مع «إسرائيل» غير واردة وليست هناك أي اتفاقات سرية «مش رح نعملها بهالآخرة» ومن سيعمد في هذا التفاهم الى إيذاء الآخر سيؤذي نفسه. وقال عن الترسيم مع سورية: «تأجّل الموعد لأسباب ربما لا نعرفها ولكن أعتقد أنّ الجانب السوري غير جاهز بعد والمفاوضات حتى مع الأصدقاء صعبة، ولو لم يكن الاتصال مع الرئيس بشار الأسد إيجابياً، لما طلبنا موعداً لإرسال الوفد».

 

وعن الملف الحكوميّ لفت عون الى أني «سأقف بوجه عدم اعتماد معايير موحّدة لتشكيل الحكومة ولا نصّ قانونياً يمنع قبول الاستقالة». اضاف: «سياسة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي التي اتّبعها في تشكيل الحكومة تدلّ على أنه لم يكن يريد التشكيل وهو لا يعتمد مع تكتل لبنان القوي والتيار الوطني الحر المعايير نفسها التي يعتمدها مع امل وحزب الله والاشتراكي وباقي الأحزاب».

في غضون ذلك ينقضي اليوم الأخير من ولاية العهد الحالي وتنقضي معه المهلة الأخيرة التي منحها الرئيس عون للرئيس المكلف نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة، على أن يتجه عون الى توقيع مرسوم استقالة الحكومة قبل انتقاله من قصر بعبدا الى الرابية صباح الأحد، وفق معلومات «البناء».

 

وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى محاولات أخيرة حصلت خلال اليومين الماضيين لاستنقاذ الحكومة، لكنها اصطدمت مجدداً بالخلاف حول تسمية بعض الوزراء، لكن الأهم هي عقدة منح التيار الوطني الحر الثقة للحكومة، حيث يعتبر ميقاتي أن حجب الثقة عن الحكومة من كتل لبنان القوي والقوات والكتائب اللبنانية سيفقدها الميثاقية المسيحية، وبالتالي ستتحول الى حكومة عرجاء وضعيفة لا تقل ضعفاً وهشاشة عن حكومة تصريف الأعمال.

وأوحت مواقف النائب باسيل أمس بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في بكركي إلى أن الآمال الأخيرة بولادة الحكومة قد تبخّرت، وأن حكومة تصريف الأعمال ستكون «الوريث الشرعي» لصلاحيات رئيس الجمهورية، إلا إذا حصلت مفاجأة باللحظات الأخيرة.

 

وتوقعت أوساط نيابية عبر «البناء» انطلاق المواجهة السياسية والدستورية في اليوم الأول من الفراغ الرئاسي على جبهة الرابية – السراي الحكومي وعين التينة، مشيرة الى أن «الرئيس عون تحرّر من موقعه الدستوري وكذلك سينفض باسيل الحسابات الرئاسية، استعداداً للانطلاق الى معركة رئاسة الجمهورية وصلاحيات رئاسة الجمهورية، الأمر الذي سينتج فوضى سياسية ودستورية قد تنعكس في عمل المؤسسات كافة وعلى الشارع».

وعلمت «البناء» أن التيار الوطني الحر سيطلب من الوزراء المحسوبين عليه وكذلك على الرئيس عون، تجميد عملهم وعدم حضور أي جلسة للحكومة أو للجان يدعو اليها ميقاتي، وأفيد في هذا السياق أنّ «9 وزراء اجتمعوا واتّفقوا على أنّهم لن يشاركوا في أيّ جلسة لمجلس الوزراء، ولن يقبلوا بأن تتولّى حكومة تصريف الأعمال صلاحيّات رئيس الجمهوريّة».

 

وبدأ باسيل من مساء أمس بالمعركة بإطلاق النار السياسي من منصة بكركي على الخصوم السياسيين، وكشف أن «هناك إرادة واضحة وأمراً مخططاً له مسبقاً من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري والخارج وبعض المرجعيات لحصول الفراغ الحكومي ووضع اليد على المقام الأول في الجمهورية اللبنانية أي الرئاسة». مضيفاً: «الله يستر ماذا يحضرون في المستقبل خصوصاً لجهة قيام هذه الحكومة بمهام أبعد من تصريف الأعمال ومن واجباتي التنبيه لذلك».

إلا أن أوساطاً سياسية مؤيدة للرئيس ميقاتي أوضحت لـ»البناء» أن الرئيس المكلف لن ينجر الى استفزازات التيار وسيمارس عمله بعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية وفق نص الدستور، مشددة على أن ميقاتي لن يتجاوز الدستور في الدعوة الى جلسات للحكومة إلا في الحالات القصوى والطارئة كما لن يتخذ أي قرارات في القضايا الأساسية لتجنب أي استفزاز، وسيبقى في قراراته وإجراءاته في اطار المفهوم الضيق لتصريف الأعمال.

وأمام الاستعصاء الحكومي والرئاسي، عقد اجتماع بين السيد نصرالله والنائب باسيل مساء أول أمس، تناول موضوعي رئاسة الجمهورية والشغور على مستوى الرئاسة والحكومة.

 

ومن المرتقب أن يدعو الرئيس بري الى حوار للكتل النيابية ثنائياً أم جماعياً لاستمزاج آرائهم وتوجهاتهم ومرشحيهم للرئاسة ومواقفهم من أي جلسة مقبلة سيدعو اليها، واذا ما كانوا سيحضرون ويؤمنون النصاب أم لا.

وفيما أكدت مصادر نيابية لـ»البناء» أن معظم الكتل النيابية أبدت تجاوبها مع دعوة رئيس المجلس، إلا أن التيار الوطني الحر يرفض أن يحلّ رئيس المجلس مكان رئيس الجمهورية بعقد طاولة حوار، لكن التيار يؤيد دعوة بري للتشاور الثنائي وليس الحوار الوطني التي يدعو إليها رئيس الجمهورية عادة.

 

أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فأعلن بعد ترؤسه اجتماعاً لتكل القوات في معراب رفضه لمبادرة بري للحوار وقال: «سنتجاوب مع دعوة بري بالشكل الآتي وهو اقتراحنا أن يدعو بري لجلسة لانتخاب الرئيس على شرط ألا تكون صورية وفي إطار هذه الجلسة إن كان هناك ما يجب التشاور حوله ويتعلق بموضوع الانتخاب نفعل ذلك».


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024