منذ سنتين | لبنان / الديار

تنطلق «حكومة معاً للإنقاذ» الأسبوع المقبل بعد الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى باريس حيث التقى الجمعة الرئيس إيمانويل ماكرون على طاولة الغداء في قصر الإليزيه... ثمّ عقد الرجلان مؤتمراً صحافياً مشتركاً، بعد المحادثات التي أجرياها، ما أعطى جرعة دعم جديدة للحكومة التي يُفترض أنّها «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ لبنان. وقد استعاد لبنان من خلال هذه الزيارة وما نتج منها، بشكل مبدئي، ثقة الإتحاد الأوروبي عبر البوّابة الفرنسية، ويُنتظر منه أن يستعيدها من المجتمع الدولي والعربي بعد تحقيق الإصلاحات سريعاً.



مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ فرنسا أعادت الحضور للبنان، سيما أنّ المؤتمرات الصحافية بعد اللقاءات غالباً ما تحصل بين رئيسين، وقد كسر الرئيس ماكرون هذا البروتوكول وعقد المؤتمر الصحافي الى جانب رئيس حكومة لبنان. وهذا الأمر له رمزية بالنسبة لميقاتي الذي عاد الى رئاسة الحكومة بعد 8 سنوات ونصف على رئاسة حكومته الثانية، بضمانات خارجية. وإذ حثّ ماكرون الحكومة على تطبيق إصلاحات إقتصادية عاجلة، على أن يحصل على التمويل من قبل الدول المانحة والمجموعة الدولية تقول انّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي سيبدأه لبنان قريباً يكتسي أهمية كبيرة، لجهة انطلاق لبنان في تحقيق الإصلاحات المطلوبة.


وعن قيام ميقاتي بأول زيارة خارجية له كرئيس للحكومة الى فرنسا دون سواها، على ما أوضحت، فذلك لأنّ فرنسا هي التي قامت بالمساعي لتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان طوال الأشهر الماضية، مشدّدة على أنّ وجود حكومة حقيقية وفاعلة هو عامل ضروري للبدء بالإصلاحات الإقتصادية. ولهذا فمن المهمّ أن يكون لخطوة ميقاتي الإحتضان السياسي الداخلي لها كونها «حكومة الفرصة الأخيرة للإنقاذ»، سيما أنّ الزيارة الى فرنسا قد أعطت إيجابيات كثيرة خصوصاً وأنّ ماكرون أكّد على المتابعة الحثيثة للوضع الداخلي، وأنّه والشركاء الأوروبيين لن يتركوا لبنان وحيداً.

وعن أسباب عدم قيام ميقاتي بالزيارة الأولى الى الخارج الى السعودية، على ما جرت العادة، وعلى غرار ما فعل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فور وصوله رئيساً الى قصر بعبدا، ذكرت المصادر نفسها أنّ لبنان يمرّ اليوم في حالة غير مسبوقة من الإنهيار على جميع الصعد. لهذا أراد رئيس الحكومة البدء بزيارة باريس كونها المعنية بالوضع اللبناني بشكل كامل وتعمل على الإشراف على تحقيق الإصلاحات فيه بتوكيل من الإتحاد الأوروبي، وبهدف أن يعيد ثقة المجتمع العربي والدولي به. أمّا في ما يتعلّق بالعلاقات اللبنانية- السعودية التي يبدو واضحاً أنّها ليست على خير ما يُرام ولهذا لم يزرها ميقاتي أوّلاً، فأشارت الى أنّ فرنسا لا يُمكنها إعادة تحسينها وتوطيدها بمفردها لاعتبارات عديدة، بل من خلال الوساطة المصرية التي بإمكانها التخفيف من الوضع المتأزّم بين لبنان والسعودية.

وتقول انّ الديبلوماسية الفرنسية التي تسعى الى مساعدة لبنان لاستعادة الثقة به من المجتمع الدولي، ومن ضمنه المجتمع العربي، غير متفائلة كثيراً نتيجة السياسة السعودية والخليجية في المنطقة، وكلّ ما يجري الحديث عنه في الكواليس الفرنسية هو أن تقوم كلّ من قطر والكويت بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني وليس للإستثمار في لبنان. فقد أرسلت الكويت إشارات إيجابية للحكومة الجديدة، كما أنّ ملك الأردن عبدالله الثاني قد مدّ يدّ الدعم للبنان في كلمته أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة إذ طالب خلالها بإنقاذ لبنان وانتشاله من الأزمات التي يتخبّط فيها. كما حصلت حكومة ميقاتي على دعم مصري من قبل الرئيس عبد الفتّاح السيسي. فيما لا يزال هناك صمت سعودي، وهذا يعني أنّ السعودية التي غالباً ما قدّمت الكثير للبنان ورعته خلال العقود الماضية، تقوم بدراسة واقع الحكومة الجديدة قبل أن تُدلي بموقفها منها. علماً بأن لا مصلحة لأحد في لبنان أن يدير ظهره لأي دولة عربية تستطيع دعمه في هذه المرحلة بالذات، كونه دولة عربية وعضوا مؤسّسا لجامعة الدول العربية. ولهذا تنتظر الحكومة الجديدة أن تسارع الدول العربية الى تقديم الدعم للبنان في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها.


وفي ما خصّ المساعدات الدولية التي قد يحصل عليها لبنان من خلال مؤتمر دولي جديد يُعقد في تشرين الأول المقبل بدعوة من الرئيس ماكرون، أوضحت المصادر عينها أن لا علاقة لها بمساعدات وقروض مؤتمر «سيدر» التي تبلغ أكثر من 11 مليار دولار. فهذا المؤتمر سقط، على ما أكّدت، ولا عودة اليه مجدّداً. ولهذا فإنّ المساعدات، عن طريق المؤتمر الدولي الجديد ستأتي للبنان «بالقطّارة» وليس بواسطة «سيدر» الذي سيكون البديل عنه تحقيق الإصلاحات المطلوبة. فلا يُمكن لفرنسا أن تعقد مؤتمراً جديداً وتطالب دول العالم بتقديم المساعدات للبنان من دون رؤية إنجاز بعض الإصلاحات المطلوبة من الداخل قبل الخارج، خلال المرحلة المقبلة. فدول العالم طالبت لبنان طوال الأشهر الماضية بضرورة تشكيل حكومة، ومع حصول هذا الأمر وولادة حكومة ميقاتي التوافقية ونيلها الثقة بغالبية جيّدة في المجلس النيابي، على هذه الأخيرة أن تبدأ مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي لكي تضع الأسس الأولية للإصلاحات. أمّا المؤتمر الدولي المنتظر خلال أسابيع، فيُعتبر تفصيلاً صغيراً عن الإصلاحات التي تحدّث عنها ماكرون خلال مؤتمره الصحافي، غير أنّه يهدف في الوقت نفسه، الى فتح أبواب وآفاق كبيرة أمام حكومة ميقاتي برعاية فرنسا، شرط أن تُظهر جديتها في القيام بالعمل المطلوب منها، وحلّ المشاكل الحياتية اليومية التي يعاني منها الشعب اللبناني، وذلك خلال المرحلة المقبلة التي لا تتعدّى سبعة أشهر. والأهمّ هو تحقيق بعض الإصلاحات القريبة الأجل لا سيما تأمين الكهرباء والقيام بالبنى التحتية، سيما أنّ فرنسا ستُتابع هذه المسائل عن كثب، وقد تُرسل خبراء فرنسيين للإطلاع عن كثب على مشاريع البنى التحتية وإعادة إعمار مرفأ بيروت.

وعقّبت بأنّ مؤتمر الدعم الجديد سيعيد البحث في المشاريع التي يجب أن يتمّ دعمها من قبل المجتمع الدولي، لا سيما مع تغيّر الظروف في العام الحالي نسبة الى ما كان عليه الوضع في لبنان خلال الأعوام السابقة. وسيكون هذا المجتمع مضطرّاً لمواجهة موضوع الفقر مثلاً، الذي بات يطال نحو 80 % من اللبنانيين، الى جانب إنهاء أزمة المحروقات، وتسيير العام الدراسي والقطاع التربوي التعليمي، فضلاً عن تأمين الدواء ومراقبة أسعار السلع الغذائية وسوى ذلك.

والجدير ذكره، أنّ الرئيس ميقاتي لم يعطِ وعوداً لا يستطيع هو وحكومته القيام بها، وهذا أمر جيّد. وقد بدا واضحاً التأكيد على التعاون الفرنسي مع حكومته الإنقاذية، سيما وأنّه ليس المطلوب منها حلّ كلّ المشاكل بعصا سحرية، إنّما وضع الأسس الحقيقية للمرحلة المقبلة، بحسب ما قال الرئيس الفرنسي. وألمحت الى أنّ الشفافية كانت سائدة في باريس، سيما وأنّ ما جرى مناقشته خلال المحادثات بين الرجلين، تمّ الإعلان عنه في المؤتمر الصحافي المشترك.

وعمّا إذا كان طرح ماكرون وميقاتي خلال لقائهما موضوع إمكانية إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة أي قبل نحو 6 أشهر من موعدها في تشرين من العام المقبل، على أن يبقى الرئيس عون الى نهاية ولايته، نفت المصادر أن يكون الرجلان قد بحثا في هذا الأمر، مشيرة الى أنّ أمر كهذا لم يُطرح كونه يخصّ اللبنانيين، ولا علاقة لباريس به. والمهم بالنسبة الى فرنسا ودول الإتحاد الأوروبي، كما المجتمع الدولي هو عدم حصول أي تجديد في الإستحقاقات السياسية المقبلة، أو أي فراغ سياسي في لبنان.


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024