منذ سنتين | صحف / النهار

مع ان المواجهة الجديدة دارت وتدور تحت عنوان معادلة توازن ناري يراد له ان يثبت قواعد الاشتباك مجددا فان ما جرى في الساعات الماضية عند الحدود الجنوبية وعبرها وضع لبنان المتهالك تحت وطأة اضخم أزمات وانهيارات تعرض لها بلد في العالم امام واقع شديد الخطورة من شأنه ان يسترهنه مجددا للصراعات الإقليمية وهذه المرة بشكل سافر للصراع الإيراني الإسرائيلي . ذلك انه بعد ثلاثة أيام متعاقبة من التوترات الحدودية "بالواسطة" ، بين إسرائيل وفصائل تنسب غالبا الى بقايا منظمات فلسطينية ، تحولت المواجهة امس الى "مشاغلة" ميدانية مباشرة بين"حزب الله " وإسرائيل من خلال اعلان الحزب بوضوح تبنيه للقصف الصاروخي على منطقة مزارع شبعا المحتلة . اتخذت المواجهة دلالات متناقضة من شأنها ان ترسم واقعا متغيرا نسبيا لقواعد الاشتباك اذ على رغم التوتر العالي الذي طبع الواقع الميداني فان كلا الطرفين تعمد الإعلان انه يستهدف الاخر في "الأراضي المفتوحة" غير المأهولة وتجنب استهداف القواعد العسكرية المباشرة بما يؤكد ان المواجهة مضبوطة ضمن اطر تجنب الانزلاق الى حرب ومواجهة واسعة اقله حتى الان . غير ان ذلك لا يسقط خطورة "المشي" فوق آسنة الرماح وفي حقل الغام تبدو ابعاده الإقليمية اكبر واخطر من الابعاد اللبنانية نفسها بما يخفف عوامل الأمان الى حدود بعيدة .

شويا والتداعيات
واما الحدث الأبرز الذي تكشفت عنه هذه المواجهة امس فكان في بروز طلائع اعتراض اهلي للمرة الأولى على سلاح "حزب الله" وفي مناطق استخدمها لاطلاق الصواريخ وهو تطور نادر وجدي للغاية من شأنه ان يفتح واقعا لا يمكن الحزب تجاهله والتقليل منه ولو ان "عوارض" مذهبية للحادث أثيرت فجأة لتصور الامر كأنه نتيجة حساسيات مذهبية وليست اعتراضية على تسخير الساحة اللبنانية مجددا في قرارات التفرد الأحادية بقرار الحرب والسلم وتجاهل الدولة وكل الفئات اللبنانية الأخرى . اذ ان أهالي شويا في حاصبيا قاموا بمصادرة الراجمة التي استعملتها مجموعة عناصر من "حزب الله" في القصف على مزارع شبعا وتسلم الجيش لاحقا الراجمة والعناصر . وهو تطور لا سابق له في هذا الاطار وقد ترك ترددات واسعة ذكر انها ترجمت بتوترات بين انصار الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله في مناطق عدة. وتعرّض عدد من فانات بيروت- البقاع لاعتداء عند مستديرة عاليه، في وقت انتشر عناصر الجيش على طريق عام الشام عند مستديرة عاليه ومفرق شانيه. وأتت حادثة عاليه بعد قليل على انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يصوّر طرد مجموعة من الشباب الدروز من بائعي الفاكهة ومنعهم من بيع منتوجهم في أحد الأماكن في صيدا. ولكن الأمور عادت إلى طبيعتها في عاليه وتمّ احتواء الإشكالات التي وقعت، ونفذ الجيش دوريات على طول الطريق من شتورة نحو الحازمية .

وأشارت مصادر في الحزب التقدّمي الاشتراكي لـ"النهار" إلى إجراء اتصالات مع جميع الأطراف بما فيها حزب الله مؤكّدة "الاتفاق على تهدئة الشارع".واعتبرت مصادر التقدّمي أنّ ما حدث في عاليه "ردّ فعل على حادثة صيدا وهي فردية وغير منظّمة، ومسؤولون حزبيون نزلوا إلى الأرض فوراً وسحبوا بعض الشبان المعترضين"، مضيفة: "نعتقد أنّ الأمور ستتوقّف عند هذا الحدّ".

"الأراضي المفتوحة"
ومع اعلان "حزب الله" استهدافه "اراض مفتوحة" في مزارع شبعا بعشرات الصواريخ بدا ذلك دليلا الى محدودية الاستهداف والحرص على ايصال الرسالة لا الدخول في مواجهة مفتوحة . الامر الذي تلقفته اسرائيل سريعا ورأت فيه عدم رغبة الحزب في التصعيد .

وبعد إجتماع أمني مصغّر للحكومة الإسرائيلية للبحث في "التصعيد" على الحدود مع لبنان قال الجيش الإسرائيلي ان "حزب الله" أطلق الصواريخ متعمدا باتجاه مناطق مفتوحة وغير مأهولة ما يدل الى أنه لا يريد الحرب". اضاف " حزب الله يستخدم اللبنانيين دروعا بشريا واضعا صواريخه بين منازلهم". وتابع "ندرس الرد على القصف من جنوب لبنان لكن لن نذهب إلى تصعيد". واردف" لا نرغب بالتصعيد على الحدود مع لبنان لكنّنا مستعدّون لذلك".

واعربت المنسقة الخاص للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا عن "قلق بالغ لتبادل إطلاق النار الذي حصل بين لبنان وإسرائيل في الأيام الماضية".
وأعلنت انها "قامت في إطار ممارسة مساعيها الحميدة بتنشيط اتصالاتها السياسية وتواصلت مع جميع الأطراف المعنية. إن احتمال حدوث خطأ في التقدير قد يؤدي الى خطر وقوع عواقب وخيمة. من هنا فالمطلوب التزام اقصى درجات ضبط النفس لتجنب المزيد من التصعيد". ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن العنف واستعادة الهدوء، والالتزام الكامل بالقرار 1701 (2006) والحفاظ على الامن والاستقرار.

اما في الترددات الداخلية فصدرت تحذيراتٌ من اي مغامرة غير محسوبة. ورأى الرئيس سعد الحريري ان "الوضع على الحدود مع العدو الاسرائيلي خطير جدا جدا وتهديد غير مسبوق للقرار 1701. استخدام الجنوب منصة لصراعات اقليمية غير محسوبة النتائج والتداعيات خطوة في المجهول تضع لبنان كله في مرمى حروب الآخرين على ارضه". واضاف ان: "لبنان ليس جزءا من الاشتباك الايراني - الاسرائيلي في بحر عمان والدولة بقواها العسكرية والامنية الشرعية هي المسؤولة عن حماية المواطنين وتوفير مقومات السيادة".

بدوره، اعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ان "ما يجري في الجنوب هو لخطير وخطير للغاية، خصوصا على ضوء التوتر الكبير الناشئ في المنطقة"، مضيفا "يكفي الشعب اللبناني عذابا ومعاناة يومية ونضالا مستمرا حتى يأتي اليوم من يلعب بالنار التي إن هبّت، لا سمح الله، ستقضي على ما تبقى من شعب لبنان".

اللقاء السادس
على الصعيد الحكومي لم يتضح بعد اللقاء السادس امس في بعبدا بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الخيط الأبيض من الأسود وظل الغموض مهيمنا على المشهد بما لا يثير أي توقعات متفائلة جدية . وقال ميقاتي مترجما تحفظه " انا وبكل صراحة كنت افضّل عدم الحديث عن الموضوع الحكومي اليوم، وهذا كان قراري قبل دخولي للقاء الرئيس عون، فالصمت يبقى ابلغ من الكلام والامور في خواتيمها بإذن الله."

ورداً على سؤال حول استبدال وزارة المال للطائفة الشيعية بالداخلية، أجاب الرئيس ميقاتي:" إن كل هذا الكلام ، ومع احترامي للاعلام، هو كلام صحافي، وليس له أي اساس."

واشار رداً على سؤال عن موعد لقائه التالي مع الرئيس عون، الى أنه " ستكون هناك اتصالات غداً للإتفاق على موعد اللقاء".
وعن موضوع المداورة في الحقائب الوزارية، قال": اذا اتخذ القرار بعدم المداورة في الحقائب فإن عدم المداورة سيشمل أغلب الحقائب."

وقالت مصادر مواكبة لعملية تأليف الحكومة أنّ موضوع الحقائب السيادية لم يبتّ نهائياً وأنّ هناك شبه تفاهم على إبقاء القديم على قدمه بما أنّ توزيع الحقائب الأساسية والمقصود بذلك الخدماتية قد ينعكس على حصص بعض الأطراف، الأمر الذي ينعكس على الحقائب السيادية. ولفتت إلى أنه من المرتقب أن تصبح الصيغة مكتملة الأسبوع المقبل، وما لم تحصل اعتراضات يمكن أن يتمّ إسقاط الأسماء.

لكنها لفتت إلى أنّ بقاء القديم على قدمه هو خيار وهناك تفاهم حول حقيبتي الداخلية والعدل على أن تكون الأسماء مقبولة من الطرفين.
وتم امس استكمال البحث في موضوع توزيع الحقائب، والبعض منها لم يحصل التفاهم النهائي بشأنها بعد. أمّا موضوع الحقائب السيادية فقالت المصادر أنّ البحث حولها يستكمل الأسبوع المقبل بعد عطلة رأس السنة الهجرية .


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024