منذ 7 سنوات | لبنان / السفير







لبعض الوقت أُبقي الشاب حمود ع. داخل قفص قاعة المحكمة العسكريّة، عوضاً عن إدخاله كسائر الموقوفين إلى النظارة. وبانتظار أن يحين موعد الجلسة التي تحمل الرقم 70، كان الشاب يشبك أصابع يديه الاثنتين المرفوعتين نحو صدره، ثم يوزّع نظراته بين سقف المحكمة والحاضرين.


وما إن سمع اسمه، حتّى اقترب حمود من المنصّة وهو يشبك يديه. ظنّ أعضاء هيئة المحكمة أن الموقوف يشعر بالبرد، إلّا أنّه أجابهم بصوت مرتجف: «كلا لا أشعر بالبرد، بل أشبك يديّ لأنّهم ضربوني على رأسي عندما خطفوني من الكاراج وتصوّروا معي، ولأن رأسي يوتّرني».


عندها، سارعت وكيلة الدفاع عنه المحامية عليا شلحة إلى إبلاغ هيئة المحكمة بأنّ موكّلها النزيل في «البيت الأزرق» (المأوى الاحترازي في سجن رومية) مصاب بالفصام في الشخصية، ليطلب رئيس «العسكرية» العميد حسين عبدالله من العسكريين إحضار كرسيّ لإقعاد الموقوف الذي صار يردّد: «رأسي يوتّر».


وما إن سمع ابن العشرين عاماً أنّ التهمة المسندة إليه هي انتماؤه لـ «جبهة النصرة»، حتى صار يجيب بعصبية: «لأ.. لأ.. لأ، هم ضربوني على رأسي مع سبيرتو وقالوا لي إنني إرهابي». يصرّ الشاب أنّ عظمة رأسه خرجت إثر الضرب، ولذلك يقترب من قوس المحكمة حتى يثبت لأعضائها ذلك!


حاول عبدالله أن يهدئ من روعه علّه يستكمل الاستجواب، مؤكداً له: «ما حدا ح يضربك». وصار عبدالله يردّد أمامه الأسماء التي أوردها خلال التحقيق الأولي مع حمود، ليجيب الأخير: «رح إحكي بس ما تعملوا شي فيي»، قبل أن يشير خلال الاستجواب: «يا حضرة القاضي ما تاخذ على حكيي. أنا آكل قتلة».


هي قصّة طويلة لشاب سوري ولد في لبنان، ثم انتقل إلى سوريا حيث انفصل والديه. عاش حمود أسوأ خمسة أشهر بعد أن عادت والدته إلى لبنان «وصرت كل يوم إحلم إنها ماتت»، حتى عاد الأولاد للسكن مع والدتهم في البقاع. يؤكّد حمود أنه لم يزر سوريا منذ أكثر من خمس سنوات: «أنا مش خرج حرب، أنا بخاف».


عمل ابن حميه ميكانيكي سيّارات. ويبدو أن وضعه الصحيّ جنح به إلى استبدال حياته الاجتماعية بأخرى افتراضية، باحثاً عن «حبيبة»، بالإضافة إلى إدمانه الكحول.


وبالفعل، أغرم حمود بريم قبل أن يعمد إلى الاتصال بها من رقم آخر ليتبيّن أنها شابٌ يدعى محمد العباس.


صدّق حمود رواية العباس من دون أن يعلم أنه أحد عناصر «جبهة النصرة» ويدعى وسيم ط. وملقّب بـ«أبو سفيان». بقيت العلاقة بينهما طبيعية وصار يخبره عن أخباره ومشكلته في لقاء عائلته في سوريا التي لم يزرها منذ فترة طويلة بسبب خوفه من دخول سوريا حتى لا يضطر إلى الالتحاق بالخدمة الإلزامية.


ولذلك، أوجد له العباس حلّاً بأن ينقله أحد المهربين عن طريق جرود عرسال إلى سوريا مقابل 200 دولار أميركي ذهاباً وإياباً.


اقتنع الشاب بحلّ العباس، وأخبر بذلك صديقته مديحة التي زارها قبل السفر ليهديها نرجيلة!


ولأنّ مديحة كانت بمثابة «كاتمة أسراره»، تشير التحقيقات الأولية معه إلى أنّه روى لها أنه انضمّ إلى «داعش» ثم جنّده شقيقه أحمد للالتحاق بـ «النصرة» والعودة إلى سوريا لتنفيذ عملية انتحارية. فيما تؤكّد الوثائق التي أرسلها أحمد إلى محامية شقيقه أنه ما زال عسكرياً في الجيش السوري.


ثم يعود حمود ويشير في إفادته نفسها أنّه لم يقصد أحمد شقيقه في روايته لمديحة، بل شخصا أعطاه رقمه العباس ملقّبا بـ «أبو يزيد».


أما خلال استجوابه، أمس، فينفي حمود أن يكون شقيقه ينتمي إلى «النصرة»، لافتاً الانتباه إلى أنه كان يريد الذهاب إلى سوريا لملاقاة والده وأنه لا يعرف عرسال أصلاً، ولما علم من العباس أنه قد يصاب في الطريق أو يضطر للمشاركة في القتال عدل عن الأمر وأبلغ ذلك العباس.


وبالتالي، تشوب إفادة حمود تناقضات كثيرة، وتطرح علامات استفهام عن كيفية تعامل دوائر التحقيق مع حالاتٍ مرضية مماثلة وذلك للتثبّت من وقائع اعترافاته والركون إليها في المحكمة؟


والسؤال الأهمّ عن كيفية تعامل السجون مع المرضى النفسيين ومدى متابعة حالاتهم في «البيت الأزرق» من خلال أطباء متخصصين؟ إذ إن ما طلبته المحامية عليا شلحا من هيئة المحكمة بتعيين طبيب نفسي للاهتمام بحالة حمود النفسية ومتابعتها على نفقة أهل الموقوف يشي بأنّه لا طبيب نفسيا أصلاً يتابع حالته التي يمكن أن تكون قد ساءت بعد التوقيف!


وقد أرجئت الجلسة إلى 23 كانون الثاني المقبل بعد استمهال ممثل النيابة العامّة القاضي فادي عقيقي لكي تراسل المحكمة المديرية العامة للأمن العام للحصول على حركة دخول الموقوف وخروجه من لبنان.





أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024