منذ 3 سنوات | صحف / النهار

قد يكون اكثر ما استوقف الأوساط المتتبعة لمؤتمر الدعم الدولي الثاني للشعب اللبناني الذي انعقد مساء الأربعاء الفائت، ليس الرسائل السياسية الصارمة الإضافية التي وجهها المؤتمر الى السلطة اللبنانية والسياسيين اللبنانيين حول انعدام الثقة الدولية بهم، وانما اكثر ما يتصل بالفارق الكبير بين رهان المجتمع الدولي على سلطة تنبثق من الشباب اللبناني المتحرر والمستقل اقله راهنا، واستمرار التعقيدات الداخلية لمنع ولادة حكومة تنحصر تركيبتها بهذا المكون. ذلك انه لم يكن تفصيلا عفويا بل متعمدا ان يقدم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تقديم دور الشباب اللبناني في الكلام على دور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس الجمهورية ميشال عون وسائر رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الحكومية المشاركة في المؤتمر بعد إلقاء ماكرون فورا الكلمة الافتتاحية للمؤتمر. واكتسبت هذه المبادرة دلالات مدوية امس اقله لدى الجهات الديبلوماسية التي رصدت بدقة مجريات المؤتمر والأصداء اللبنانية "المدنية" والسياسية عليه لجهة إعطاء فرنسا والدول الأخرى الأولوية لما يعبر عنه اللبنانيون مباشرة من خلال ممثلي المجتمع المدني والشباب المنخرط في الانتفاضة الشعبية في تجسيد لاقوى التعبيرات الدولية اطلاقا عن العزلة التي تعيشها السلطات اللبنانية والوسط السياسي اللبناني وتخبطهما في تعقيدات الازمات التي تعصف بلبنان. بل ان هذه الرسالة الصارمة أخذت مداها السلبي من خلال افتضاح التعقيدات التي تحبط ولادة الحكومة التي ينتظرها الراي العام الداخلي والمجتمع الدولي والتي تكشفت عن إصرار الجهات النافذة، على رغم كل شيء، على تنصيب وزرائهم في الحكومة العتيدة بدلا من الإفساح لحكومة الاختصاصيين المستقلين التي باتت الممر الحصري للبنان الى بوابة المجتمع الدولي ودعمه المالي والاقتصادي وانقاذه من الانهيار الكبير.


والحال ان الصمت السياسي الواسع الذي طبع الردود الداخلية على مؤتمر الدعم الدولي الثاني مقترنا باستمرار الشلل التام في الحركة السياسية المتصلة بمسار تأليف الحكومة عكسا تخبط القوى المنخرطة في ملف تأليف الحكومة في دوامة المراوحة وعدم بروز أي معطيات إيجابية تشجع على توقع ولادة الحكومة في وقت قريب. والحال ان بعض الجهات عادت الى الرهان على ان يشكل اعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عزمه على القيام بزيارته الثالثة هذه السنة للبنان في الشهر الحالي (يرجح ان يحدد موعدها بين عيدي الميلاد ورأس السنة) عاملا دافعا بقوة لتحفيز الجهود الآيلة الى نزع المعطلات التي تحول دون ولادة الحكومة قبل نهاية السنة والا سيشكل ذلك ادانة مخيفة إضافية للجهات المعطلة خصوصا بما قد يجعل زيارة ماكرون تقتصر على معايدة القوة الفرنسية العاملة ضمن قوة اليونيفيل من دون ان يلحظ جانبا سياسيا رسميا لزيارته. ومع ذلك لم تعكس المعطيات المتوافرة عن التخبط المستمر في ازمة التاليف أي عامل طارئ إيجابي بل ان معطيات تحدثت عن ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي كان يزمع فعلا زيارة بعبدا بعد مؤتمر الدعم الدولي الأخير، عاد وتريث في ذلك بناء على ما توافر لديه من أجواء تشير الى ان الفريق الرئاسي (بعبدا والتيار والوطني الحر) ليسا على استعداد لاي تراجع عن شروط من شأنها ان تسقط تماما مبدأ حكومة الاختصاصيين المستقلين التي بات الحريري متيقنا اكثر فاكثر من ان أي تراجع عن طبيعتها سيمنع لبنان من الحصول على دولار واحد من المجتمع الدولي.


المجلس "البديل"؟
ولعل بعض المواقف الرئاسية التي صدرت امس تحديدا ، أي بعد اقل من 24 ساعة على صدور البيان الختامي للمؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني وتوصياته المتشددة حيال استعجال تأليف الحكومة الجديدة، شكلت الرد السلبي غير المتوقع من العهد على المؤتمر. فقد شكلت بعض المجريات في الشكل والمضمون التي وأكبت الاجتماع الذي عقده المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية في قصر بعبدا معالم للمحاولات التي تتكاثر منذ فترة لتعويم حكومة تصريف الاعمال الفاشلة او على الأقل تسويغ الاتجاهات لتوسيع صلاحياتها. وفي أوضح تعبير عن هذا الاتجاه وتحت ذريعة الوضع الاستثنائي في البلاد اعتبر الرئيس عون خلال ترؤسه الاجتماع ان "الوضع الراهن في البلاد هو وضع استثنائي يتطلب متابعة استثنائية واتخاذ قرارات لمعالجة هذا الوضع الدقيق". أضاف: "صحيح ان الحكومة مستقيلة وهي في مرحلة تصريف الاعمال الا ان الظروف الراهنة تفرض بعض التوسع في تصريف الاعمال لتلبية حاجات البلاد والمواطنين الى حين تشكيل الحكومة العتيدة". وبررت مصادر معنية موقف عون بانه امام الانسداد في عملية التاليف والعجز عن تعويم حكومة تصريف الاعمال، كان اجتماع المجلس الأعلى للدفاع بمثابة بدل عن ضائع في غياب السلطة التنفيذية. وقالت ان عون بترؤسه هذا الاجتماع والقرارات التي اتخذها "بدا كأنه يرفض التسليم بتكليف وتأليف لا مونة له فيهما او بشلل في السلطة مع حكومة تصريف الاعمال التي علم ان الرئيس دياب يرفض تعويمها لئلا ترمى عليها تبعات المسؤوليات بعدما أصبحت مستقيلة. اما الإطار السياسي المحيط باجتماع المجلس الأعلى فلم يخف الخطورة الأمنية التي كشفتها تقارير الأجهزة الامنية التي عرضت في الاجتماع عن تهديدات جدية عمرها اكثر من شهرين حول اغتيالات قد تطاول شخصيات من مختلف الفئات. وهو ما دفع بهذه الأجهزة الى اتخاذ إجراءات استباقية وتقرر استكمالها. كما تحدثت التقارير عن خلايا إرهابية نائمة تجري مطاردتها وتناولت أيضا تزايد الجرائم نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي.


ولم تكن مواقف الرئيس دياب أيضا الا لتصب في هذا الاتجاه اذ قدم مطالعة مسهبة وابرز ما صدر عن المجلس تمديد التعبئة الى نهاية آذار المقبل والطلب الى الأجهزة العسكرية والأمنية ان تكون على أتم الاستعداد لمواكبة فترة الأعياد وتمديد تكليف الجيش تنفيذ مهمات في نطاق مرفأ بيروت.


توتر جديد؟
اما على الصعيد السياسي فسجل توتر بين "كليمنصو" و"بيت الوسط" اذ اثارت مواقف لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من المحاصصة الحكومية غمز فيها من قناة الرئيس الحريري بعض الردود "المستقبلية" الحادة عليه. وكان جنبلاط اعتبر ان "لعب الأولاد في التحاصص بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف هو مهزلة واعتقد بالقليل الذي نسمعه ان العرقلة بينهما لانهما لم يتفقا بعد على الأسماء". وقال ان عون وفريقه اخذوا الداخلية والطاقة والدفاع والعدلية ، تقريبا أخذوا مفاصل الدولة جميعها والثنائي الشيعي أخذ المال وشيئا آخر ولا ادري ما هي حصة الآخرين" وسخر مما سماه "مزحة ثقيلة" بإعطاء اللقاء الديموقراطي حقيبة الخارجية او السياحة رافضا الاثنتين. ورد عليه نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش فوصفه بانه " ملك المحاصصة الذي ينتقد المحاصصة" وقال "الغريب ان الزعيم جنبلاط يعلم ان الرئيس الحريري هدفه حكومة مهمة توقف الانهيار من خارج منطق المحاصصة التي اعتادها الزعيم . فهل يسعى من هذا الى المحاصصة ام تلقى إشارة من كوكب؟".




أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024