منذ 3 سنوات | لبنان / نداء الوطن

كتبت صحيفة " نداء الوطن " تقول : ‎في السراء والضراء… لطالما كان لبنان الحلقة المستضعفة في العلاقة مع محور الممانعة ‏الذي رفع منذ السبعينات راية القتال عن بُعد مع إسرائيل عبر "ريموت كونترول" لبناني ‏يأتمر بأوامر عابرة للحدود من سوريا إلى إيران، ولطالما كانت الضربات التي يتلقاها هذا ‏المحور تمر عبر خاصرته اللبنانية الرخوة في إطار حرب "تسجيل النقاط" على حلبة الصراع ‏الإقليمي. واليوم بعدما انتقلت جبهة الممانعة بكامل عتادها وعديدها إلى الداخل السوري ‏لإنقاذ نظام الأسد باعتباره عقدة وصل المحور الممانع في بلاد الشام، تحوّلت عدّة القتال ‏من عسكرية إلى اقتصادية في سبيل إطالة عمر هذا النظام المترنّح ومحاولة إبقائه واقفاً ‏على قدميه أطول فترة ممكنة حتى يحين موعد التسويات الكبرى في المنطقة. ولأنه أصبح ‏ورقة لعب إيرانية على طاولة التفاوض مع الروس والغرب، تسعى طهران إلى فتح قنوات ‏تمويلية بديلة لضخ العملة الصعبة في عروق النظام السوري من خلال الساحات المجاورة ‏الخاضعة لنفوذها، لتبرز في هذا المجال عمليات التهريب "على الخطين" ذهاباً وإياباً بين ‏لبنان وسوريا بشكل دوري مستمر في استنزاف الخزينة اللبنانية وتكبيدها خسائر بمئات ‏ملايين الدولارات سنوياً‎.‎

‎ ‎

وبينما يقدر الخبراء الاقتصاديون حجم التهرب الضريبي والجمركي في لبنان بنحو 4.5 ‏مليارات دولار سنوياً، ويراوح حالياً مستوى العجز في ميزان المدفوعات عند نحو 5 مليارات ‏دولار، فإنّ وضع الإصبع على النزيف المستمر في الخاصرة اللبنانية الرخوة يصبح "بيت ‏الداء والدواء" في عملية معالجة التسرّب الحاصل في الخزينة العامة لمصلحة "كارتيل" ‏التهريب عبر المعابر والمرافئ بين لبنان وسوريا. وتوضح مصادر مواكبة لهذا الملف لـ"نداء ‏الوطن" أنّ حجم تهريب مادتي المازوت والقمح المدعومتين من مصرف لبنان يكبّد وحده ‏الخزينة خسائر سنوية تقدر بـ700 مليون دولار، مشيرةً إلى أنّ المازوت المدعوم بنسبة 85% ‏من مصرف لبنان يكلف دعمه مصرف لبنان 400 مليون دولار وبالتالي فإنّ تهريب هذه ‏المادة الحيوية من لبنان إلى سوريا يستنزف الاحتياطي الموجود من الدولارات في ‏المصرف المركزي الأمر الذي يؤدي حكماً إلى زيادة الطلب على الدولار لدعم استيراد ‏المواد الأولية في السوق اللبناني ما يرفع تالياً سعر صرف الدولار مقابل الليرة‎.‎

‎ ‎

أما على خط التهريب من سوريا إلى لبنان، فتؤكد المصادر أنّ عمليات التهريب عبر مرفأ ‏اللاذقية باتجاه مرفأ بيروت تسير كذلك بوتيرة متصاعدة بحيث تدير مجموعات بات ‏اللبنانيون يعرفون هويتها، بعضها متمركز في سوريا والبعض الآخر في لبنان، آلية ‏‏"التهريب المنظم" لمختلف أنواع المواد الاستهلاكية لا سيما منها المواد الغذائية ومواد ‏البناء التي يصار إلى تهريبها وإغراق الأسواق اللبنانية بها من دون إخضاعها لضريبة ‏جمركية، الأمر الذي يخلّف تداعيات كارثية على الصناعات الوطنية ويشكّل منافسة غير ‏مشروعة للمنتجات المحلية وللمؤسسات الوطنية التي تقفل أبوابها الواحدة تلو الأخرى ‏نتيجة هذه المنافسة وغياب الدولة عن حمايتها، وهذا ما سينعكس تباعاً ارتفاعاً في ‏مستويات البطالة وتراجعاً مطرداً في عائدات الدولة الجمركية خصوصاً وأنّ أرقام وزارة ‏المالية أشارت إلى تراجع في هذه العائدات بنسبة تفوق الـ 40% وهو ما يفاقم بطبيعة ‏الحال عجز الخزينة ويدفع الحكومة للجوء إلى فرض ضرائب إضافية للتعويض عن العائدات ‏الضرائبية الضائعة تحت وطأة التهرّب والتهريب الجمركي‎.‎

‎ ‎

وعلى وقع هذه "الثقوب السوداء" التي تنخر عميقاً في بنية المالية العامة، استأنف الجانب ‏اللبناني اجتماعاته عبر تقنية "الفيديو كول" مع المسؤولين في صندوق النقد الدولي أمس، ‏وقد تميّز الاجتماع الذي عُقد في وزارة المالية بمشاركة حاكم المصرف المركزي رياض ‏سلامة بعد مقاطعته الاجتماع الأول بين الجانبين ربطاً باعتراضه على عدم دقة الأرقام ‏المقدمة في خطة الحكومة والتي تفقّط ميزان الخسائر في حسابات المصرف. وعُلم من ‏أوساط المجتمعين أنّ الاجتماع لم يخرج عن إطار التباحث التقني واستكمال استعراض ‏الخطط والتوجهات الحكومية إزاء سبل الخروج من الأزمة الحالية، في حين أنّ وفد صندوق ‏النقد لا يزال متريثاً في إبداء ملاحظاته بانتظار تبلور موقف موحد ونظرة شاملة تحظى ‏بإجماع كافة الأفرقاء المعنيين في لبنان إزاء الورقة المالية والإصلاحية المقدمة ضمن إطار ‏طلب برنامج دعم من الصندوق، وتم الاتفاق في هذا المجال على تكثيف الاجتماعات ‏الدورية في الأسابيع الحاسمة المقبلة بغية الوصول إلى أرضية مشتركة يتم الانطلاق منها ‏نحو طرح سلة من البرامج القابلة للتنفيذ في الحالة اللبنانية‎.‎

‎ ‎

وتوازياً التأم أمس اجتماع تنسيقي لمؤتمر "سيدر" في السراي الكبير برئاسة رئيس الحكومة ‏حسان دياب حضره سفراء الدول الغربية وممثلون عن السفراء العرب وممثلون عن الأمم ‏المتحدة والمنظمات الدولية والبنك الدولي، وبرزت في الاجتماع مضامين الرسائل ‏الفرنسية سواءً عبر المداخلة التي ألقاها عبر "سكايب" السفير المكلف مواكبة تنفيذ ‏مقررات "سيدر" بيار دوكان أو من خلال كلمة السفير الفرنسي برونو فوشيه لناحية تركيز ‏مطالب باريس على وجوب الإسراع في الإصلاحات واعتماد دقة أكبر في تحديد الجداول ‏الزمنية لتنفيذها في مختلف القطاعات البنيوية وفي طليعتها قطاع الكهرباء، فضلاً عن ‏ضرورة المبادرة إلى إظهار الشفافية في التعاطي الحكومي مع الإصلاح ومكافحة الفساد‎.‎

‎ ‎

وإذ أضاء فوشيه على التأخير غير المبرر في وضع الإصلاحات المطلوبة في مقررات ‏‏"سيدر" موضع التنفيذ ونكث الجانب اللبناني بالوعود التي قطعها منذ نحو سنتين أمام ‏المجتمع الدولي، لاحظت أوساط المجتمعين أنّ خلاصة الاجتماع أتت لتؤكد أنّ كل ‏المساعدات الدولية وأموال برامج سيدر الموعودة لا بد وأن تمر بداية بإبرام اتفاق سريع ‏بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد، بمعنى أنّ طريق "سيدر" بات محكوماً بالمرور عبر ‏الصندوق وهذا ما شدد عليه السفير الفرنسي بتأكيده على أولوية تأمين تقدم سريع في ‏المفاوضات مع صندوق النقد، وبمجرد تحقيق ذلك وبدء تنفيذ الخطة مع الصندوق يمكن ‏حينها تركيز الجهود على برامج "سيدر"، واضعاً في هذا السياق خريطة طريق إلزامية تمهّد ‏لتنفيذ مقررات "سيدر" بشكل يضمن شفافية تنفيذ عملية الإصلاح من جانب الحكومة عبر ‏إنشاء موقع إلكتروني للإعلان عن تقدم المشاريع والإصلاحات وتحديد جدول زمني دقيق ‏للإصلاحات التشريعية‎.‎


أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024