تنتشر راهناً، داخل الحكومة وخارجها، معلومات عن توجّه لدى مصرف لبنان، لإصدار تعاميم تُشرِّع الـ«Haircut» والـ«Capital Control» للمصارف. كذلك يتداول بعض الوزراء معلومات حول إمكانية صدور مرسوم عن مجلس الوزراء، تشريعاً لهذه الإجراءات.

 يعتقد هؤلاء عن جَهْل أم عن دراية، أنّ في استطاعة الحكومة أن تَقضُم من حقوق المودعين في المصارف، وأن تُنظِّم حركة حساباتهم وتَضبطها بنحوٍ يخدم مصالحها ويحقّق مآربها.

 وبالعودة إلى أحكام الدستور يتبيّن لنا جليّاً أنّ المادة /81/ منه نصّت صراحة على ما حرفيّته:

 «.... ولا يجوز إحداث ضريبة.... إلّا بموجب قانون...

 كذلك نصّت المادة /82/:

«لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلّا بقانون».

 وبالتالي، تشريع أي ضريبة، أو إحداث أي نظام، أو قوننة أي ضوابط، في حاجة إلى قانون يَصْدُر عن مجلس النوّاب حصراً. ولا يحّق للحكومة القيام بذلك بمقتضى مرسوم يَصْدُر عنها.

 ممّا يُفيد، أنّ أي مَسْعى لإصدار تعاميم عن مصرف لبنان، أو عن جمعية المصارف، أو مرسوم عن الحكومة، لن يُثمِر على الإطلاق، كَوْن إحداث أي ضريبة، أو فَرْض أي نظام أو ضوابط على حسابات المودعين، في حاجة إلى قانون، بنحو صريح وواضح.

 وبالتالي، يُطرَح السؤال، هل انّ إصدار أي قانون بِهدَف فَرْض الـ«Haircut» أو الـ«Capital Control» على حسابات المودعين، مُجاز، عَمَلاً بأحكام الدستور اللبناني؟.

 من الثابت، وبالعودة إلى أحكام الفقرة «و» من مقدّمة الدستور أنّ النظام الإقتصادي اللبناني هو نظام إقتصادي حُرّ، يَكْفَل المُبادرة الفردية والملكية الخاصة.

 ما يعني أنّ إصدار أي قانون يُجيز الاحتسام من الحسابات (Haircut)، أو وضع ضوابط على رأس المال (Capital Control)، سَيَنسف النظام الإقتصادي اللبناني الحُرّ بِرُمّته، وسيجعله نظاماً موجّهاً ومُقيّداً، وسيُطيح الملكية الخاصة، وسيجعل من حسابات المودعين عُرْضة للقرصنة والمُصادرة، خلافاً لقواعد النظام الاقتصادي الحُرّ والليبرالي.

 إضافةً إلى أنّ إصدار أي قانون في هذا الخصوص، سيُعرّضه للطعن أمام المجلس الدستوري، عملاً بأحكام المادة /19/ من الدستور، وأحكام القانون الرقم 250 / 93 والقانون 243 / 2000، لعِلّة عدم دستورية القانون، ولمُخالفته نصّ الفقرة «و» من مقدّمة الدستور.

لا شكّ أنّ الوضع الاقتصادي يمُرّ في مرحلة صعبة واستثنائية، ولكن الأجدى يبْقى في متابعة الأموال المُهرّبة إلى الخارج، لمُعاقبة ومُساءلة مَنْ هرّبها، في حال تبيّن أنّها أموال غير مشروعة أم مُبيّضة. عوض الانقضاض على أصحاب الحسابات البسيطة، والتي تحتوي على مُدّخرات مُتقاعد أو فِلس أرملة.

أمّا وفي حال انسَدّت الأُفق، ولا محالة دون الاحتسام من الحسابات، أو وضع ضوابط على رأس المال، فالأجدى أن تطاول هذه الإجراءات الحسابات المليئة وليس الفارغة، والتي تحتوي على الملايين من العملة الخضراء، وليس على الحسابات التي تحتوي على راتب مُتقاعد أو مُدّخرات قليلة، لا أكثر ولا أقلّ.

وفي الخلاصة، فإنّ فرض الإجراءات بموجب تعاميم وقرارات غير جائز. كذلك فرضها بموجب مراسيم غير جائز. وأيضاً فرضها بقوانين، مخالف للدستور، ولاسيما الفقرة «و» من مقدمة الدستور.

 بالتالي، لا مفرّ إلّا ملاحقة مَنْ سرق ونَهَب وهرّب وبَيّض، هؤلاء المَحْميّون من شركائهم السياسيين والمدعومين والمصرفيين وكبار القوم.

كفى ذُلاّ للمواطن الصالح على أبواب المصارف يوميّاً، ألا تخافون من الخالق، ألا تخشَون عقابه. واليوم تبلّغوه أنّكم ستنقضّون على ما تبقّى له من مُدّخرات. فهذا العيب بذاته.

وفي الختام، لا سبيل لإنقاذ الوطن من براثن الفساد، إلّا بمُلاحقة مُرْتكبيه، ولا سبيل للعَيْش الكريم إلّا بإحقاق الحق ونُصرة المَظْلوم، ولا سبيل لتحقيق العدالة إلّا بمعاقبة كلّ مُرتَكِب، مهما كان موقعه ومذهبه وخلفيّته، فالجميع سواسية أمام القانون، والحق يعلو ولا يُعْلى عليه.



أخبار متعلقة



جميع الحقوق محفوظة 2024